تونس | لم يعد خافياً حجم تورط عائلة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في قضايا فساد واستغلال نفوذ للسيطرة على الاقتصاد الوطني، الذي أصبح في مجمله قبيل الانتفاضة في يد زمرة معينة قريبة من دائرة قصر قرطاج. وتأتي قضية «معهد قرطاج الدولي» لتكون بمثابة شاهد على تداخل دوائر القرار بين الداخل والخارج، ولتشمل هذه المرة أرملة الزعيم الراحل ياسر عرفات، سهى الطويل، المتورطة ـــــ حسب القضاء التونسي ـــــ بتهمة «استغلال نفوذ غير قانوني»، لعلاقتها بزوجة بن علي، ليلى الطرابلسي. تبدأ الحكاية منذ سنة 2007، عندما قررت الطرابلسي تأسيس مدرسة خاصة في منطقة قرطاج الراقية لتدريس أولاد الطبقات الثرية، وشاركتها في المشروع أرملة أبو عمار، التي كانت مقيمة في تونس ومُنحت جنسية البلد كـ«رد جميل للزعيم الفلسطيني الراحل». لكن يبدو في مرحلة لاحقة أن العلاقة توترت بين الطرفين، بسبب خلافات تتعلق بإغلاق المدرسة الفرنسية في تونس لتتمكن زوجة بن علي من الاستئثار بسوق «تدريس المنهاج الفرنسي في تونس»، الذي تفضّله العائلات الراقية في البلاد، حتى لو كلّف آلاف الدولارات في العام الواحد.
ويبدو أن عملية الالتفاف على المدرسة الفرنسية لم ترق الدبلوماسين الفرنسيين في تونس، بمن فيهم السفير الفرنسي آنذاك، سارج دي غالييه، ما سبب برودة في العلاقات بين فرنسا وتونس في تلك الفترة.
وللتذكير، فإن الطرابلسي تمكنت سنة 2008 من إغلاق مدرسة خاصة تونسية أخرى، هي مدرسة «بوعبدلي» العريقة، للأسباب عينها، وهي «احتكار سوق التدريس الخاص في تونس». وفعلاً، قدّم البصيري بوعبدلي قضية إلى الدوائر القضائية للنظر في حالة «الظلم الاحتكاري الذي تعرض له».
القضية بحسب مصادر قضائية اتصلت بها «الأخبار»، أن سهى عرفات اقترضت مبالغ مالية من بنك الإسكان التونسي، لتتمكن من شراكة ليلى الطرابلسي في مشروع المدرسة، لكن القرض لم يُسَدَّد، بل لم «تكن تغطيته موجودة»، ما يعتبر حسب القانون التونسي استغلالاً لنفوذ غير شرعي، وذلك لعلاقتها بـ«حاكمة قرطاج» الهاربة.
وتشير بعض الدوائر القريبة من محامي عرفات إلى أن الأخيرة حصلت على قرض من بنك الإسكان التونسي بقيمة 300 ألف دينار تونسي، على أن يسدد خلال فترة خمس سنوات، بـ«هدف تأسيس المدرسة»، وأنها رهنت في المقابل أرضاً زراعية «كانت قد بررت لنفسها استغلالها»، مشيرين إلى أن المتهمة «فكّت الشراكة مع ليلى بن علي» بعد أزمة السفارة الفرنسية.
وتشير المصادر إلى أن الطويل اتصلت بطرابلسي للتنديد بالأنباء الواردة عن نيتهما إغلاق المدرسة الفرنسية في تونس، بعد اتصال من السفير الفرنسي الذي اتهم أرملة عرفات (الحاملة للجنسية الفرنسية)، فسألتها عن العملية فأجابتها زوجة الرئيس المخلوع بأن من «حقها أن تتصرف في البلاد كما يحلو لها». وأشارت المصادر إلى أن الطويل ليست لها «أي علاقة بالمدرسة الدولية التي أسستها شراكة مع ليلى الطرابلسي»، مضيفة أنها تنازلت عن هذه المدرسة رسمياً لأسماء محجوب ابنة أخت ليلى بن علي، التي تولت إدارة المدرسة.
أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل قالت لإحدى الصحف التونسية، إن ليلى الطرابلسي «أرسلت إليها محاسبتها الخاصة، وأنها وقّعت تبعاً لذلك على تنازل عن كل أسهمها في المدرسة».
واعترفت الطويل ضمن أقوالها بأنهم أعادوا لها مبلغ 30 ألف دينار كانت قد سددتها من قيمة القرض وأن الطرابلسي قد تحمّلت عنها مسؤولية القرض كاملة، وأنها تمتلك كل الوثائق بهذا الخصوص. وكانت أرملة عرفات قد أعربت عن استغرابها من مذكرة القضاء التونسي الدولية للقبض عليها، وخاصة أنها «عانت كثيراً من ليلى الطرابلسي وزوجها الرئيس المخلوع زين العابدين، عندما رميا أغراضها في الشارع وهدداها ببيعها في المزاد العلني»، وسحب الجنسية التونسية منها ومن ابنتها زهوة، ما أجبرها على الذهاب للاستقرار في مالطا، مشيرة إلى أن ذلك كان يحدث بعلم مسؤولين سابقين، بينهم وزير الخارجية السابق، الذي كان من أكثر المقربين من بن علي، عبد الوهاب عبد الله.
سهى، في محضر ردّ فعلها على الأمر قالت، في تصريحاتها الصحافية، إنها ستضطر إلى رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية للدفاع عن اسمها في مواجهة أي تشويه، وتساءلت عن الأسباب والدوافع وراء محاولة الإساءة إليها وإلى اسم الزعيم عرفات مع اقتراب الذكرى السابعة لرحيله.