بانتخاب المجلس الوطني الانتقالي الليبي رجل أعمال معروفاً بعدم ملامسته العمل السياسي خلال سني حياته، يؤكد الابتعاد عن جو الشحن بين الأفرقاء المتنازعين على الساحة الليبيةربما كان انتخاب عبد الرحيم الكيب لرئاسة أول حكومة ليبية بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، إشارة واضحة إلى نية أكثرية أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، دفع الأكاديميين غير المحسوبين على تيارات سياسية أو جماعات دينية، إلى واجهة المشهد السياسي.
فابن طرابلس الذي صوت لمصلحته 26 من أصل 51 عضواً في المجلس الانتقالي قد يكون وجهاً مقبولاً من الداخل بحكم انتمائه الى شريحة التكنوقراط، ومن الخارج نظراً إلى إقامته الطويلة في الولايات المتحدة وانكبابه على دراسة الهندسة الكهربائية.
لقد تخرّج الكيب (61 عاماً) من جامعة طرابلس بشهادة البكالوريوس في هذا المجال عام 1973، ثم حصل على الماجستير من جامعة كاليفورنيا الأميركية عام 1976، وبعدها نال شهادة الدكتوراه من جامعة نورث كارولينا الأميركية عام 1984. لم يكن الكيب من المنفيين في عهد العقيد القذافي، أو من الذين اشتهروا بنشاطهم السياسي، فقد أمضى سنوات عمره في التدريس الجامعي، متنقلاً بين جامعات الولايات المتحدة والشارقة في الإمارات وقطر ثم في طرابلس بعد عام 2000.
وبعد عام 2005، دخل الكيب عالم الأعمال فأنشأ في ليبيا مشروعاً خاصاً أطلق عليه «الشركة العالمية للطاقة والتكنولوجيا»، بينما عمل في الفترة نفسها رئيساً لقسم الهندسة الكهربائية في المعهد البترولي في الإمارات العربية. ولتميزه العلمي وحصوله على جوائز عالمية في مجاله أبحاثة، طبّق العديد من الشركات في الولايات المتحدة أعماله في مجال «التوزيع المحدود الانبعاث وتعويض الطاقة التفاعلية».
خلال إجازة أكاديمية أمضاها بعيداً عن جامعة ألاباما، قضى سنتين في الجامعة الأميركية في الشارقة (1999-2001)، حيث ترأّس قسم هندسة الكهرباء والإلكترونيات والكمبيوتر، فبنى القسم مع زملائه لينالوا الاعتماد الوطني الإماراتي.
لقد حفلت مسيرة عبد الرحيم الكيب بإنجازات علمية كثيرة، وتنقّل بين مناصب عديدة، بعضها تعليمي وبعضها الآخر إداري، لكنه في السياسة لم يتقلّد أي منصب سياسي قبل 31 تشرين الأول عام 2011، تاريخ انتخابه رئيساً للحكومة الليبية المؤقتة.
وبفوزه على المرشحين الأربعة الآخرين، وبينهم وزير النفط والمال في المجلس الانتقالي، علي الترهوني، يشير المجلس الانتقالي إلى أن اختيار شخصية تكنوقراطية من شأنه إزالة صواعق التوتر بين الأفرقاء المتنازعين على السلطة في ليبيا ـــــ ما بعد القذافي ـــــ، لكن ثمة تحديات تنتظر الرجل، الذي وعد بتأليف الحكومة خلال أسبوعين. واجبات عديدة تنتظر الحكومة الواعدة، تبدأ بصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات ديموقراطية لاختيار مجلس وطني بعد ثمانية أشهر، ولا تنتهي بكبح جماح الميليشيات المسلحة التي تتشارك السيطرة على مفاصل البلاد.
يعترف رجل الأعمال الداخل الى المشهد السياسي وسط تناقضات حادة تعصف بمجلسه الوطني، بأن هذه الفترة الانتقالية لها تحدياتها الخاصة، ومع ذلك لم يحدد أي خطط خلال الأشهر المقبلة، مكتفياً بالتقليل من «المخاوف بشأن تعاقدات النفط التي لا أساس لها». فهل يستطيع الكيب بهدوئه ووقاره، حسبما يصفه رفاقه، أن ينجح في مواجهة التحديات... وما أكثرها؟
(الأخبار)