غزّة | لم يستعد الغزيون بعد أمانهم الذي فقدوه إثر موجة تصعيد عسكرية إسرائيلية «مفاجئة» حصدت أرواح 12 شهيداً، ويترقبون بقلق تهديدات إسرائيلية بشن عملية عسكرية ضد القطاع، ولا سيما إثر سقوط شهيدين أمس.الحياة في غزة تسير كالمعتاد. شوارعها عامرة بحركة المارين والسيارات، لكن قلوب أهلها ملأى بكثير من الخوف، وقليل من الفرحة بحلول عيد الأضحى. الحركة النشطة في الشوارع والأسواق لا تعكس قوة شرائية، حيث الكثير من المتجولين والقليل من المتسوقين، ولا مقبلون على شراء الأضاحي، بفعل تأخر صرف رواتب الموظفين، وغلاء الأسعار، بحسب تجار وسكان.
ويقول الصحافي محمد عدوان إن الغزيين «يخشون عيداً برسم الدم»، وهم الذين اعتادوا «غدر» الاحتلال وتحويل أعيادهم إلى مآتم وبيوت عزاء متناثرة في مدنهم وبلداتهم منذ بضع سنوات. هذه المخاوف دفعت الحكومة المقالة إلى الحفاظ على حال الإخلاء في مؤسساتها ومقار أجهزتها الأمنية.
ولا يستبعد عدوان أن «تعاود إسرائيل غاراتها وشن عملية عسكرية خاطفة في غزة، وليس بالضرورة عملية موسعة، لتصدير أزمتها الداخلية للقطاع، ومحو أثر هزيمتها في صفقة تبادل الأسرى، واستعادة قوة الردع المفقودة».
وقال هاني الشيخ: «اعتدنا على المصائب، ولا يكاد يمر علينا عيد بدون دماء وآلام»، مشاطراً الصحافي عدوان الرأي بأن «إسرائيل صعدت ضد غزة لإحساسها بالهزيمة بعد صفقة تبادل الأسرى». وأضاف، بينما كان مشغولاً بتقليب وفحص حذاء جديد في محل تجاري في حي الرمال بغزة، «إن كثيراً من الناس المتجولين في السوق لا يشترون شيئاً بسبب غلاء الأسعار، وخشيتهم من تصعيد إسرائيلي قد يستمر طويلاً».
وأكد تجار في غزة أن الاقبال على شراء الأضاحي لم يحقق ارتفاعاً عن الأعوام الماضية، بفعل استمرار غلاء الأسعار، والتهديدات الإسرائيلية ضد القطاع.
ويفسر طلعت، العامل في أحد مزارع المواشي في غزة، غلاء أسعار الأضاحي بمنع سلطات الاحتلال تزويد القطاع باحتياجاته من الخراف والعجول. وقال إن «الميسورين من الغزيين يفضلون الاشتراك كل سبعة مواطنين في عجل واحد للتضحية به، للحصول على كمية أكبر من اللحوم لسد احتياجاتهم خلال العيد، والوصول إلى أكبر عدد من المحتاجين، فيما يشهد الإقبال على أضاحي الخراف انخفاضاً كبيراً لغلاء أسعارها وقلة لحمها».
وذكر طلعت أن سعر الحصة الواحدة في عجل تصل إلى 2500 شيكل (نحو 700 دولار)، فيما متوسط سعر الخروف 250 دولاراً، أي أكثر من أربعة أضعاف سعر الأضاحي في دول الجوار.
وقال خليل (52 عاماً) إنه كان ينوي شراء أضحية هذا العام، بعد عامين لم يستطع فيهما تأدية الأضحية، لكنه صرف النظر تحت وقع التصعيد الإسرائيلي، والخشية من تنفيذ التهديدات بعملية عسكرية. وأضاف أنه وأربعة من أصدقائه السبعة الذين اعتادوا الاشتراك معاً في عجل العيد، عجزوا عن ذلك بفعل غلاء الأسعار، مضيفاً: «أعددت نفسي هذا العام لأداء الأضحية، لكن تنفيذ إسرائيل لتهديداتها بعملية عسكرية يكبدنا مصاريف جعلتني أصرف النظر عن الأضحية».
هذه المخاوف لم يبددها تأكيد السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان أن هناك اتفاقاً للتهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، في ظل تلويح إسرائيل بشن عملية برية بزعم وقف إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية. ودحض ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل لم تطلب التهدئة في غزة، مؤكداً أن «التدخل جاء انطلاقاً من التزام مصر القومي تجاه الشعب الفلسطيني، وبناء على طلب من الأطراف المختلفة أيضاً».
غير أن التهدئة خرقتها أمس قوات الاحتلال، إذ قال مسؤولون طبيون فلسطينيون إن القوات الإسرائيلية اغتالت اثنين من النشطاء الفلسطينيين في اشتباك على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الجنود كانوا في دورية على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي عندما تعرضوا لإطلاق نار من داخل القطاع الذي تسيطر عليه حركة «حماس». وأضاف المتحدث أن الجنود ردوا بإطلاق النيران دون أن يكشف عن تفاصيل أخرى.
وقال مسؤولون طبيون فلسطينيون إن النشطاء تصدوا لقوة إسرائيلية صغيرة عبرت الحدود في بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع وإن اشتباكاً بالأسلحة النارية اندلع. وأضافوا أن الناشطين قتلا في غارة لطائرة هليكوبتر شاركت في الاشتباك.