لم يمنع انطلاق قطار مبادرة جامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية استمرار التوتر الأمني في عدد من المدن السورية، حيث سجل أمس سقوط عدد من القتلى، نفت السلطات أن يكون بينهم مدنيون، متحدثةً عن مواجهات بين الجيش ومسلحينتعهدت السلطات السورية أمس بالعفو عن حملة السلاح والمتاجرين به الذين يسلمون انفسهم اليها في مهلة ثمانية ايام، فيما شهدت بعض المدن السورية سقوط قتلى جدد. ودعت وزارة الداخلية، في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية «سانا»، «المواطنين ممن حملوا السلاح أو باعوه أو قاموا بتوزيعه أو نقله أو شرائه أو تمويل شرائه ولم يرتكبوا جرائم القتل إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى أقرب مركز شرطة في منطقتهم وسيصار إلى تركهم فوراً»، مبررةً قرارها بأنه يأتي انطلاقاً «من حرص الدولة على مواطنيها وإفساحاً في المجال أمام المضللين والمتورطين في حمل السلاح وحرصاً على الأمن والنظام العام وبمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك».
غير أن وزارة الخارجية الأميركية نصحت السوريين بعدم تسليم أنفسهم إلى السلطات، رغم الوعد بالعفو عنهم. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، فيكتوريا نولاند: «لا أنصح أحداً بتسليم نفسه لسلطات النظام في الوقت الراهن»، معربة عن القلق إزاء سلامة من يفعل ذلك. وتابعت: «هذا الوعد بالعفو هو الرابع الذي يقومون به منذ أن تسلمت منصبي قبل خمسة أشهر».
وتزامن العفو مع تأكيدات نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد بن حلي، في حديث لصحيفة «الشروق»، أن تنفيذ الخطة العربية «في مفهوم القرار الذي تمت الموافقة عليه، يبدأ فوراً، وليس في تاريخ آخر»، مضيفاً أن التنفيذ بدأ «باجتماع الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي مع وفد من المعارضة السورية»، لافتاً إلى أن «المعارضة السورية ليست على انسجام واحد». وبشأن ضمانات التزام دمشق بتنفيذ بنود الخطة، أوضح بن حلي أنها تتمثل في موافقة القيادة السورية على مضمون الورقة العربية، وبداية التطبيق الفوري لبنود الورقة.
وجاءت تصريحات بن حلي في وقت تضاربت فيه الأنباء أمس حول عدد القتلى الذين سقطوا في عدد من المحافظات السورية. ونفت مصادر إعلامية لوكالة الأنباء السورية «سانا» سقوط قتلى «في المحافظات السورية كما تدعي بعض الفضائيات». كذلك، نفى محافظ طرطوس عاطف النداف، «نفياً قاطعاً ما بثته قناة الجزيرة حول حملة اعتقالات للمواطنين في مدينة بانياس».
في المقابل، تحدثت «سانا» عن اصابة «أربعة من عناصر الشرطة، اثنان منهم جروحهما بليغة، جراء تعرضهم لإطلاق نار من مجموعة إرهابية مسلحة في كناكر بريف دمشق»، لافتة إلى أن «الاشتباك أدى إلى مقتل أحد المسلحين». وأشارت إلى «تفكيك عناصر الهندسة (في مدينة دير الزور)، عبوتين ناسفتين معدتين للتفجير عن بعد»، فضلاً عن نقلها شهادات لعدد من الأشخاص الذين نجوا من عمليات القتل العشوائية التي طاولت مدينة حمص في الأيام الماضية.
من جهتها، نقلت وكالة «فرانس برس» عن المرصد السوري لحقوق الانسان قوله إن عدد الذين سقطوا أمس ارتفع إلى 15 «ستة منهم في مدينة حمص وأربعة في بلدة كناكر، وشهيد في بلدة حمورية وشهيدان في مدينة حماه وشهيدان على الحدود السورية الاردنية». كذلك اشار المرصد إلى أنه «وردت انباء عن مقتل جنود من الجيش النظامي السوري وجنود منشقين خلال اشتباكات في بلدة كناكر لم يتمكن المرصد من إحصاء أعدادهم»، فيما نقلت وكالة «يونايتد برس انترناشونال» عن مصادر محلية في حمص قولها «إن مواجهات عنيفة تدوب في الحي بين القوات الحكومية التي تحاول دخول الحي وبين ما يسمى كتيبة عمر بن الخطاب وتضم مسلحين وعناصر منشقين عن الجيش».
وتحدثت الوكالة عن خروج تظاهرات بعد صلاة الجمعة في عدة مدن سورية، بينها في دير الزور التي «فرقتها قوات الأمن دون سقوط قتلى أو جرحى»، فيما شهدت بعض الأحياء في مدينة حماه، وفقاً للوكالة، «مواجهات بين قوات حفظ النظام ومتظاهرين». وخرجت تظاهرات في بعض بلدات محافظة ادلب وكذلك في محافظة درعا وفي ريف حلب والقامشلي.
أما وكالة «رويترز» فنقلت عن المرصد السوري لحقوق الانسان تأكيده «اعتقال عشرات الاشخاص في بانياس بينهم اربعة اطفال ينتمون الى عائلة رئيس المرصد رامي عبد الرحمن».
وفي السياق، أعلن العقيد السوري المنشق رياض الأسعد، الذي يقود ما يُعرف باسم «الجيش السوري الحر» من مخيمات اللاجئين السوريين في اقليم هاتاي التركي، أنه «يريد الاعترف بالجيش السوري الحر بوصفه الجناح العسكري للمجلس الوطني السوري المعارض». وأضاف، في مقابلة مع صحيفة «ديلي تلغراف»: «نحن بانتظار أن يشكّل (المجلس) وفداً رفيعاً ويرسل ممثلاً للتحدث معنا حول الطريقة التي يمكن أن نقوم من خلالها بدعم أهدافه عسكرياً».
وأثارت الأنباء عن سقوط قتلى استياء المعارضين السوريين. واتهم المنسق العام لهئية التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم، في حديث مع «يونايتد برس انترناشونال» السلطة بأنها «تقوض كل مبادرة تأتي لحل الأزمة وتقضي عليها وتستمر بالعنف والقتل والاعتقالات». وأضاف «لعل مبادرة الجامعة وهي حل عربي، كانت هي طوق النجاة، لكن يبدو أن السلطة سوف تقوض هذه المبادرة وتفشلها».
بدوره، قال المحامي مصطفى أوسو لـ«أسوشييتد برس» إن «النظام ليس جاداً بشأن انهاء حملته الوحشية». وأضاف «اليوم كان اختباراً حقيقياً لنوايا النظام والجواب واضح لكل من يريد أن يرى».
دولياً، قال مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال، إن «استمرار القمع يعزز شكوك المجتمع الدولي في صدق النظام السوري بتنفيذ خطة الجامعة العربية». ولفت إلى أن «فرنسا مصممة أكثر من أي وقت آخر على التحرك في كل المحافل الدولية وكذلك مع الجامعة العربية التي ترحب بجهودها، للضغط على النظام السوري بهدف وقف القمع في سوريا»، وذلك بعد يوم واحد من تحذير المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند، السلطات السورية من أنه «اذا لم تطبق التزاماتها الواردة في الخطة العربية للخروج من الأزمة فإن عزلتها ستزداد على الساحة الدولية». كذلك نبهت إلى أنه «اذا لم يف (الاسد) بالوعود التي قطعها للجامعة العربية فإن الجامعة العربية ستشعر بأن هناك وعوداً قطعت ونكث بها وسيتحتم عليها التحرك ردا على ذلك».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب، سانا)