دمشق | منذ إعلان الاتفاق بين القيادة السورية واللجنة الوزارية العربية، يترقب الجميع ما ستسفر عنه الساعات والأيام المقبلة من تطورات لمعرفة المسار الذي ستسلكه الأزمة. اتفاق أحدث صدمة إيجابية حركت معها آمالاً كثيرة في الشارع السوري الذي بدت فيه ملامح التعب والقلق من استمرار التوتر، الذي زاد منه الآتي من أخبار مدينة حمص حيث أعمال الخطف والقتل التي نسبتها المصادر الرسمية إلى الجماعات المسلحة المتحصنة في بعض الأحياء والقرى المحيطة بالمدينة. في المقابل، تواصل مصادر التنسيقيات المحلية والمعارضة في الخارج كلامها على وجود منشقين يشتبكون مع الجيش أحياناً وعن محتجين يتعرضون للملاحقة وإطلاق النار أحياناً أخرى، من غير تفسير منطقي لدى المعارضين والمتعاطفين معهم لوقوع أعداد متزايدة من العسكريين ورجال قوات حفظ النظام بين القتلى والجرحى. على المستوى الحكومي الرسمي، يلمس زائر سوريا ارتياحاً واضحاً لدى المراجع السورية انطلاقاً من ثقتها الواضحة بجدية المساعي العربية للمساعدة في الوصول إلى حلّ للأزمة الراهنة. في المقابل، تضيف المراجع ذاتها «أن الحكومة السورية ستتعامل مع المبادرة العربية بكلّ إيجابية بعد أن ذوبت المفاوضات ما تلبّد من غيوم في العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية». وبالسؤال عن إمكانات التطبيق العملي لبنود الاتفاق، يقول مصدر سوري رفيع: «إن الحكومة السورية أعطت أوامرها إلى الجيش بالانسحاب من المدن تدريجاً، وأوكلت الأمن إلى قوات حفظ النظام والشرطة».
وحين تسأل عن هذا الأمر، يجيب المصدر بأن كلّ دول العالم لديها ما يسمى قوات مكافحة الشغب؛ ففي بريطانيا مثلاً: «استعانت الحكومة البريطانية بقوات إضافية لحفظ النظام ووضع حدّ للشغب، ووصل تعدادها إلى 15 ألفاً». ولما كان موضوع الأمن ووقف العنف هو البند الأول في وثيقة الجامعة العربية، حيث من المتوقع أن يسحب النظام الدبابات وقوات الجيش، يطرح في المقابل السؤال: ماذا بشأن المجموعات المسلحة الأخرى؟ من يضمن التزامها؟ وتقول الأوساط السورية المسؤولة: «طرحنا الأمر على اللجنة العربية، وقلنا: نحن في الحكومة نقرر بشأن الجيش ونعيده إلى ثُكنه، فهل تضمنون توقف المجموعات المسلحة عن الاعتداء على قوى الأمن والأملاك الخاصة والعامّة والمواطنين؟». ويضيف المصدر أن «أعضاء اللجنة لم يقدموا أي ضمانة، وهكذا تصبح المسألة بعهدة الجامعة المسؤولة عن الاتفاق وإنجاحه، لكن ذلك لم يمنعنا من التجاوب والتعاون مع ما أبداه أعضاء اللجنة من النيات الحسنة والأخوية».
أما عن واقع المناطق الساخنة والمتفجرة في حمص وحماه وإدلب، فإن المسؤولين السوريين يجزمون بأنّ «الوضع سيئ للغاية، الجماعات الإرهابية ترتكب مجازر، وتشيع أجواء الإرهاب، وهذا أمر نضعه أمام الجامعة العربية ونحمّل المسؤولية عنه لمن يقف وراء من يرتكبون الجرائم»، مع «إشارات وتلميحات إلى المجلس الوطني السوري» المعارض الذي يحرص بعض العرب والدول الغربية «على التعامل معه باعتباره ممثلاً رئيسياً للمعارضة، وهو ما حدا المعارضين في الداخل إلى انتقاد موقف اللجنة العربية التي تجاهلتها في الحديث عن الحوار».
ورغم هذه المطبات، بدت الحكومة السورية في غاية المرونة، علماً بأنه وفق ما رشح من أخبار، حاول البعض استفزاز المفاوض السوري الذي حافظ على رباطة جأشه تأكيداً لإيجابيته، وردّاً على الاستفزاز، بادر إلى الاعتراف بالتقصير وطلب المساعدة العربية للمساهمة في إنماء الأرياف السورية، ما فاجأ الذين لم يتوقعوا تلك المرونة السورية.
وبالانتقال إلى البند الثاني من وثيقة الجامعة، أي الإفراج عن جميع المعتقلين نتيجة الأحداث، تقول المصادر المسوؤلة إن الحكومة «ستفرج تباعاً عن كلّ من لم يرتكب جرائم، وهي لن تتردّد في الإفراج عن كلّ من تثبت براءته». وتؤكد المصادر أن ما ينقل في الفضائيات عن اعتقالات عشوائية أمر مبالغ فيه.
وعلم في هذا السياق أن اللجنة العربية المعنية بدأت بالتواصل مع عدد من العواصم العربية لترشيح شخصيات ستكون ضمن وفد من أربعين شخصية على الأقل، لزيارة سوريا بعد عطلة العيد. وقد أعدّت السلطات السورية برنامج عمل لهذه اللجنة يشمل على نحو رئيسي زيارة الأحياء الملتهبة في مدينة حمص، بالإضافة إلى مناطق أخرى من سوريا.
أما بشأن البند الأهم في مبادرة الجامعة، المتعلق بالحوار الشامل بين الحكومة والمعارضة، فإن المسؤول السوري يقول: «نحن مع الحوار، ذلك ما أعلنه الرئيس وأطلقه شخصياً مع مكونات كثيرة للشعب السوري. كذلك كان الحوار الذي رعاه نائب الرئيس. واليوم نحن بموافقتنا على المبادرة العربية، أكدنا حرصنا على الحوار، لكن ما علينا إلا أن نعيّن الفريق المفاوض، وعلى الجامعة أن تتولى الباقي».
وبعدما أعلن المجلس الوطني السوري رفض مبادرة الجامعة والحوار مع النظام إلا بشروطه، مقابل ترحيب معارضة الداخل بالاتفاق كما بالحوار، يقول المسؤول السوري الرفيع: «المسألة هنا تعني اللجنة العربية».
ورداً على سؤال مباشر عن استعداد السلطات للتحاور مع الإخوان المسلمين، قال المسؤول عينه: «هم باعتبارهم مشاركين في ما يسمى المجلس السوري يرفضون الحوار ورفضوا الاتفاق والمبادرة، كذلك فإن في ذاكرة الشعب السوري أن الإخوان أصحاب تاريخ حافل بالإرهاب، وما يرتكب اليوم في حمص من مجازر ذهب ضحيتها عشرات الضحايا من قوى الأمن والشعب شاهد على ارتكاباتهم، فضلاً عن التحريض الطائفي الذي يقومون به ويمارسونه بالقتل على الهوية. فهل تماديهم في هذا الأمر يمكن أن يجعلهم محاورين باسم الشعب السوري ما لم يغيروا سلوكهم الإرهابي؟». ويضيف المسؤول: «في مطلق الأحوال، إن مشكلة هؤلاء ستكون مع الجامعة العربية، ولن تكون مشكلتهم مع السلطة وحدها، وخصوصاً إذا كانوا ضمن وفد المجلس الوطني».