لم تحمل أيّام عيد الأضحى إلا مزيداً من القلق والغموض على صورة الأوضاع الميدانية والسياسية في سوريا، مع دخول التطورات مرحلة عدّ عكسي جديدة بانتظار يوم السبت المقبل، حين يناقش وزراء الخارجية العرب الوضع في ضوء «عدم الالتزام السوري» وفق توصيف الجامعة، ببنود الاتفاق العربي ــ السوري الذي أبرم يوم الأربعاء الماضي. اجتماع ينعقد في ظل أجواء تحذيرية أشاعها الأمين العام للجامعة نبيل العربي حول حصول «كارثة تطاول المنطقة والعالم» إذا لم تنفَّذ بنود المبادرة العربية، وهي الأجواء التي حاولت السلطات السورية احتواءها باتهام الولايات المتحدة بالتورط مباشرةً بدعم «العصابات المسلحة». ووسط استمرار تدفُّق التقارير التي تتحدث عن استمرار الحل الأمني المعتمد في المدن السورية، وخصوصاً في حمص، صدرت إشارات من موسكو توحي بأنّ «المهلة الروسية» الممنوحة للسلطات السورية تضيق. وقد جاءت حصيلة قتلى الأيام الأربعة الماضية مرتفعة، مع السيطرة على مدينة حمص، وتحديداً حيها الأفقر بابا عمرو، صدارة معظم الأنباء، في ظل تأكيد المصادر الميدانية والحقوقية للمعارضة، من «الهيئة العامة للثورة السورية» إلى «المرصد السوري لحقوق الانسان» و«اتحاد التنسيقيات المحلية»، أن الجيش السوري دخلها أول من أمس، بعد أيام من قصفها مدفعياً، ما أدّى إلى اشتباكات عنيفة مع مسلحين يُعتقد أنهم من المنشقين عنه. ووفق المصادر المعارضة نفسها، فإنّ حصيلة قتلى الأيام الأربعة الماضية، من مدنيين ورجال أمن ومنشقين عن الجيش، وصلت إلى نحو 50 شخصاً (11 أمس و9 أول من امس و16 الأحد و15 السبت بحسب بيانات المرصد السوري لحقوق الانسان)، معظمهم في حمص، إضافة إلى حماه وإدلب وريفهما. أما المفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، فقد أكّدت وصول عدد قتلى الاحتجاجات منذ منتصف آذار الماضي إلى 3500. لكنّ التلفزيون السوري قدّم رواية مختلفة عن أحداث بابا عمرو، نقل فيها عن «سكان الحي» أنّ «المجموعات الإرهابية المسلحة حاصرتهم في بيوتهم وروّعتهم ومنعتهم من الخروج، وزرعت الحي بالألغام»، مشيرين إلى أن بعض القنوات كانت تبث صوراً كاذبة حول قصف حيهم لم تحدث بالحقيقة».
أوضاع دفعت «المجلس الوطني» إلى الدعوة لتوفير «حماية دولية» للمدنيين، وخصوصاً في حمص التي يجدر إعلانها «مدينة منكوبة انسانياً وإغاثياً وتطبيق التشريعات الدولية الخاصة بتقديم العون الطبي والاغاثي» وفق بيان المكتب التنفيذي للمجلس الوطني. وكان الوجه الأبرز في «المجلس» برهان غليون قد وجّه كلمة الى السوريين بمناسبة العيد، جزم فيها بأن مجلسه «لن يتفاوض على دماء الضحايا والشهداء». وفيما دعا غليون الجيش الى عدم اطلاق النار على المتظاهرين، حثّ الجامعة العربية والامم المتحدة على «حماية المدنيين عبر اتخاذ قرارات ملزمة بإرسال مراقبين دوليين، والخيارات امام المجلس كثيرة ولا نستثني منها شيئاً». ثم أعلن «المجلس الوطني»، في بيان، أمس، أنه بدأ «تحركاً واسعاً» لدفع الجامعة العربية إلى تبنّي «موقف قوي» ضدّ النظام السوري، «تشمل القيام بزيارات مستعجلة إلى كل من الجزائر والسودان وسلطنة عمان وقطر والاتصال بعدد من وزراء الخارجية العرب، من ضمنهم وزراء خارجية السعودية والعراق والاردن والامارات وليبيا والكويت لإطلاعهم على الجرائم المروعة التي يرتكبها النظام». ويشمل «التحرك الواسع» زيارة من وفد مكتبه التنفيذي للجامعة العربية قبل اجتماعها الوزاري المقرر السبت لنقل «مطالب الشعب السوري». وفي السياق، وجهت «الهيئة العامة للثورة السورية» نداءً إلى الجامعة العربية لسحب مبادرتها، معلنةً عن اضراب عام يوم الخميس تضامناً مع حمص. أما الرئيس بشار الاسد، فقد أدّى صلاة عيد الأضحى في مدينة الرقة شرق البلاد. ونقلت وكالة «سانا» عنه قوله لـ«الحشود الجماهيرية» إن «وقوف الشعب السوري ضد الفتنة والارهاب والتدخل الخارجي والتمسك بالمبادئ والمعتقدات القائمة على الحقوق المشروعة هو أساس صمود سوريا في وجه المؤامرات». وشدد على أنه «لا يوجد خيار أمامنا سوى أن ننتصر في أي معركة تستهدف سيادتنا وقرارنا الوطني».
وقد خرجت الجامعة العربية عن صمتها يوم الأحد، حين اتهمت الحكومة السورية بعدم تنفيذ التزاماتها التي وافقت عليها في خطة العمل العربية، وقرّرت عقد اجتماع طارئ على مستوى وزارء الخارجية يوم السبت المقبل. وجاء في بيان للأمانة العامة للجامعة أن «الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية قطر، وجّه الدعوة لوزراء الخارجية العرب إلى الاجتماع، في ضوء استمرار أعمال العنف وعدم تنفيذ الحكومة السورية التزاماتها التي وافقت عليها في خطة العمل العربية»، على أن تعقد اللجنة السداسية الوزارية العربية، المُكلفة الاتصال بالحكومة السورية لحل الأزمة، اجتماعاً مساء الجمعة المقبل في القاهرة للتنسيق والتشاور قبل انعقاد مجلس الجامعة. الدعوة إلى الاجتماع سبقها تحذير نبيل العربي من حصول «كارثة على سوريا والمنطقة إذا استمرت أعمال العنف وعدم تطبيق الخطة العربية»، مطمئناً إلى أن الدول العربية «تريد تفادي تدخل أجنبي»، وذلك إثر لقاء مع وفد من «المجلس الوطني السوري». وسارع المندوب السوري لدى الجامعة، يوسف احمد، إلى الرد على العربي لافتاً إلى أن كلامه «يخلق التباساً وتداخلاً ليس في محلّه مع مضمون خطة العمل العربية». موقف حكومي مكمِّل أطلقه وزير الخارجية وليد المعلم الذي اتهم واشنطن بـ«التورط مباشرة» في أعمال العنف التي تشهدها سوريا، واضعاً الدعوة الاستفزازية للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند للناشطين السوريين بعدم الاستجابة لعرض النظام بالعفو عنهم مقابل تسليم أنفسهم، في خانة «محاولة تعطيل» المبادرة العربية التي «تبذل دمشق كل الجهد لتطبيقها». وفي الرسالة التي وجّهها المعلم إلى روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وإلى رئيس وأعضاء اللجنة الوزارية العربية والأمين العام للجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، أشار إلى أن بلاده «ترى في دعوة الولايات المتحدة هذه، تشجيعاً للمجموعات المسلّحة على الاستمرار في عملياتها الإجرامية ضد الشعب والدولة، ونفياً واضحاً لسلمية التحركات في سوريا ورغبة وعملاً ومحاولة لتعطيل عمل جامعة الدول العربية ومبادرتها».
في غضون ذلك، كشف وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، الذي أعلن «موت» المبادرة العربية، أن باريس «ستتشاور مع شركائها بشأن النداء الذي وجهته المعارضة السورية لتوفير حماية دولية لأهالي مدينة حمص». وفي حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»، توقع جوبيه أن تطول الأزمة السورية، وجزم بأن فرنسا «لن تشارك أبداً في عملية عسكرية ما لم يكن هناك تفويض من الامم المتحدة»، مع إعرابه عن استعداده للاعتراف بالمجلس الوطني السوري حين ينهي تنظيم صفوفه. بدوره، استبعد نظيره البريطاني وليام هيغ خيار التدخل العسكري في سوريا. أما في موسكو، فقد صدر موقف لافت للمبعوث الخاص للرئيس الروسي، ميخائيل مارغيلوف، حذّر فيه من أن «استعمال روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن على قرار ضد سوريا، هو بمثابة آخر إجراء يسمح للنظام في دمشق بالمحافظة على الوضع القائم بالشكل الذي هو عليه حالياً». وأضاف مارغيلوف أنه «بعد ذلك، يجب على الرئيس الأسد وحكومته تطبيق إصلاحات واقعية والبدء بحوار حقيقي مع المعارضة، وإلا فإن الوضع سيصبح من الصعب التنبؤ به». وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعرب أول من أمس، عن قلقه العميق «لاستمرار العنف وسقوط مزيد من الضحايا خاصة في مدينة حمص»، قائلاً «لا نبرئ السلطات السورية من المسؤولية»، مرحِّباً بالإفراج عن 553 معتقلاً. كما أعرب عن قلقه لقيام «بعض الدول الغربية بتحريض المسلحين في سوريا على رفض العفو المعلن وعدم إلقاء السلاح»، في إشارة إلى الدعوة الأميركية، لأن ذلك «لا يساهم في تطبيع الوضع ويتعارض تماماً مع المبادرة العربية» على حد تعبيره. وحثّ لافروف المعارضة السورية على «التبرؤ من المسلحين المتطرفين الذين يراهنون على إحباط المبادرة العربية من خلال استخدام السلاح».
وقد دافعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن سياسة بلادها تجاه سوريا، مشيرة إلى أن قرار إدارتها بعدم التدخل العسكري «يرجع إلى المخاطر المتصورة للقوات الاميركية والضرورات اللازمة لمحاربة القاعدة والحاجة الى الدفاع عن الحلفاء الاميركيين والحفاظ على تدفق امدادات النفط». أما جديد نولاند، فكان استبعادها فرض منطقة حظر طيران على سوريا على غرار ما حدث في ليبيا «في الوقت الراهن».
(يو بي آي، أ ف ب، سانا)