صنعاء | لا يزال الخطاب الذي ألقاه اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة أولى مدرّع الموالية للثورة الشعبية في اليمن، لمناسبة عيد الأضحى، يثير ردوداً حوله، وتحديداً من المتشككين بمواقفه، وذلك اعتماداً على التاريخ المشترك الذي كان بين علي محسن والرئيس علي عبد الله صالح، وعلى وجه الخصوص في إشكالية حرب صيف عام 1994 واجتياح الجنوب اليمني وكذلك حروب صعدة الست، التي كان اللواء علي محسن الأحمر رأس حربتها.من هنا، جاء خطاب هذا الأخير ليضع أجوبة بشأن حقيقة وضع الجيش المنظم للثورة وأفق العلاقة المستقبلية التي ستكون مع شباب الثورة بصفة خاصة، وأحزاب اللقاء المشترك عموماً. فمن جهة، أعلن محسن استعداده «للمثول أمام قضاء الثورة العادل إذا طلب منا ذلك كشهود أو تحت طائلة القانون».
وبحسب الكاتب المستقل محمد العلائي، فإن هذا الخطاب يعدّ من أهم الخطابات التي ألقاها علي محسن منذ إعلانه تأييد الثورة. ولفت العلائي في حديث إلى «الأخبار» إلى أن أهمية هذا الخطاب تأتي «بسبب تضمنه مواقف متقدمة تتعلق بالقضية الجنوبية وتعز وإعلان استعداده لتقديم نفسه للمحاكمة، وإن هذا الخطاب يهدف الى استعداده لقطع الطريق على المتشككين في داخل صفوف الثورة، كما إضفاء قدر أكبر من التماسك في جبهة الثورة الداخلية»، مشدداً على أن «الأثر العكسي قد يؤدي إلى تطويق شبه كامل لعلي عبد الله صالح وجعل أمر المحاكمة أمراً لا مفر منه، لأنه كان يفكر في أن وجود علي محسن الأحمر على الطرف الآخر أكبر ضمانة ضد محاكمته لكونهما شريكين طوال فترة حكم صالح».
لكن هناك من يقول إن هذا الخطاب، الذي قدمه اللواء علي محسن الأحمر، لم يوضح حقيقة العلاقة التي تجمعه الآن بنظام الرئيس علي عبد الله صالح من حيث حقيقة التمويل الذي لا يزال يتلقاه حتى اليوم من خزينة الدولة، ولا سيما أن الفرقة أولى مدرع لا تزال تتسلّم مخصصاتها من الدولة، وذلك بحسب المحلل السياسي محمد العبدلي، الذي قال إن هذه النقطة تبقى محل تشكيك من جهات وقوى كثيرة في ساحة الثورة. ونبّه العبدلي في حديث مع «الأخبار» إلى أن «هذه النقطة يمكن أن تثير في المستقبل أكثر من علامة استفهام حول صدقية انضمام علي محسن الأحمر إلى الثورة وعدم كون هذا الانضمام بمثابة اتفاق مسبق بينه وبين الرئيس صالح من أجل تطويق الثورة وتحجيمها بحجة حمايتها».
لكن، وبحسب وجهة نظر مصدر إعلامي مستقل، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنه لا سلطة للرئيس صالح تمكنه من قطع الميزانية الخاصة التي تتسلمها الفرقة أولى مدرع. وأوضح المصدر «أن مجرد إعلان نظام صالح قطع الميزانية الخاصة بالفرقة أولى مدرع سيكون بمثابة إعلان حرب صريح على علي محسن، ويجعله متخففاً من أي أعذار بخصوص دخول هذه الحرب التي لن يكون أمامه سوى الدخول فيها على أساس أنه اضطر الى ذلك».
من جهة أخرى، رأى عدد من شباب الثورة المستقلين، الذين كانوا يحملون وجهة نظر متحفظة بشأن انضمام اللواء علي محسن إلى الثورة، أن هذا الخطاب قد أعطى مسألة من إعادة الثقة بين شباب الساحة والجيش الموالي للثورة. فبحسب الشاب علي الماوري، فإن انضمام علي محسن كان في بداية الأمر مثار نقاش وجدل كبيرين، لكن لم يكن هناك من خيار غير التعامل معه بطريقة إيجابية. وقال الماوري لـ«الأخبار» إنه «ليس من حق شباب الثورة رفض انضمام أي شخص أو جهة إلى صفوفها، وليس أمامهم غير القبول بأي قادم جديد إلى صفوفها». كما يؤكد الماوري أن خطاب علي محسن الأخير قد فتح مساحة إيجابية جديدة يمكن من خلالها البناء مستقبلاً معه لمصلحة الثورة «وخصوصاً مع ملاحظة النبرة الانتقادية العالية التي أظهرها محسن في خطابه للرئيس صالح، وأظهرت أنه لم يعد بالإمكان وجود خط عودة بينهما، كما أوضحت أن جهات مدنية عدّة ساهمت في صياغته».
أفق جديد
وعليه، يبدو أن خطاب علي محسن الأحمر قد فتح أكثر من اتجاه بخصوص وضع العلاقة المستقبلية بين الجيش الموالي للثورة وكل مكونات ساحة الثورة والفصائل المنتمية إليها، وعلى وجه الخصوص تلك التي كان لديها أفكار مسبقة بشأن انضمام الفرقة أولى مدرع إلى صف الثورة. ويكمن هنا الحديث عن مكونات الحراك الحوثي الذي بقي على صدام متفاوت مع أفراد الفرقة أولى مدرع بداخل الساحة في فترات متباعدة، لكنه تصاعد على نحو ملحوظ في الفترة الأخيرة، ووصل إلى درجة إطلاق النار على «شباب الصمود»، التي ينضوي تحتها الأفراد الموالون لجماعة الحوثي، من قبل جنود الفرقة بداخل الساحة.
لكن، مع ذلك تبقى مسألة عدم إعلان اللواء علي محسن في خطابه موقفه الصريح من حروب صعدة الست، التي يطالبه الحوثيون بالاعتذار عنها علانية لإنهاء حالة الاحتقان بين الطرفين، عقبة أمام تقدم الثورة. ومع ذلك، يرى الصحافي محمد المؤيد أن الخطاب الذي جاء على لسان علي محسن لمناسبة عيد الأضحى كان إيجابياً إلى درجة كبيرة ويمكنه أن يفتح آفاقاً جديدة في تعاون جماعة الحوثيين معه مستقبلاً. وقال «لكن يبدو أنه لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية في ما يخص موقفه من خوض تلك الحروب الست التي شُنّت على جماعة الحوثي ومنطقة صعدة».
لكن هذه نقطة يختلف فيها معه الباحث حسن مجلي، الذي قال «إن خطاب علي محسن الأحمر كان واضحاً في مسألة استعداده للمحاكمة والمحاسبة بشأن تاريخ طويل من العمل المشترك بينه وبين الرئيس صالح، وبالتالي تكون مسؤولية اشتراك محسن في حروب صعدة الست جزءاً من هذا الاعتراف، ولا يمكن عملياً أن يأتي ذلك الخطاب مفصلاً، لكل المسائل الإشكالية التي مرت بها اليمن خلال ثلاثة وثلاثين عاماً هي فترة حكم صالح».
إضافةً إلى هذا، ومن جهة أخرى تخص المسألة الجنوبية، يقول الباحث أحمد العزي إن تضمين خطاب علي محسن مصطلح «الاستعمار» في وصف الفترة التي تلت ما بعد حرب صيف عام 1994 والتي انتهت بسيطرة الرئيس علي عبد الله صالح وحزبه الحاكم على مقاليد الأمور في المحافظات الجنوبية، وما تلاها من نهب للثروات وإقصاء للمواطن الجنوبي عن كل المناصب والمهمات الكبيرة في الدولة، يمكن أن يُحسب كنقطة كبيرة لمصلحة اللواء علي محسن الأحمر «إضافة إلى كونه يمثل مفتاحاً لعلاقة مستقبلية واضحة مع التيارات الجنوبية التي تطالب باعتراف صريح عن جملة الانتهاكات والنهب التي كان يمارسها نظام صالح في الجنوب، وكان اللواء علي محسن واحدةً من أهم ركائزه».
وكان من الواضح أن خطوة علي محسن الأحمر هذه لن يمرّرها نظام الرئيس صالح من غير ردة فعل تجاهها. فبحسب تقارير صحافية، تعرّض علي محسن لمحاولة اغتيال كان من المقرر تنفيذها عبر سيارة مفخخة صبيحة عيد الأضحى، أي في اليوم التالي لإلقاء محسن خطابه.
وبحسب بلاغ صحافي صادر عن الفرقة أولى مدرع، فإن التحقيقات الأولية مع العناصر المتورطين في العملية «اعترفوا بأن قيادات عسكرية وأمنية عليا كلّفتهم بهذه المهمة، ومن ثمّ تفجير السيارة المفخخة عند أداء صلاة عيد الأضحى المبارك أثناء حضور علي محسن صالح الأحمر وقيادة أنصار الثورة لأداء الصلاة في ساحة صلاة العيد في معسكر الفرقة أولى مدرع».
وفي إطار التسريبات عن نية صالح التصعيد ضد علي محسن، ذكرت تقارير صحافية أن توجيهات أعطاها صالح لاقتحام مقر الفرقة أولى مدرع، وهو ما دفع قوات الفرقة إلى زيادة التحصينات الأمنية حول المقر الكائن بجوار ساحة التغيير شمال العاصمة صنعاء، وظهر ذلك واضحاً من خلال إعادة الانتشار الأمني حول مقر المعسكر والمناطق المجاورة له وعلى حدود جامعة صنعاء، التي صارت الآن ضمن إطار مقر الفرقة التي تمددت لتصل إلى المنطقة التي تفصل اليوم العاصمة صنعاء إلى منطقتين، تقع واحدة منهما تحت سيطرة قوات علي عبد الله صالح، وتقع الأخرى تحت سيطرة الفرقة أولى مدرع بقيادة علي محسن الأحمر.



خلاف على آليات تنفيذ المبادرة الخليجية

أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، أن المشاورات مستمرة بين جميع أطراف الأزمة في اليمن من أجل اللقاء في الرياض والتوقيع على المبادرة الخليجية، مشيراً في الوقت نفسه في مقابلة نشرتها صحيفة «الوطن» السعودية إلى أن موعد توقيع المبادرة لم يحدد بعد بسبب وجود خلافات على آليات التنفيذ. وفي السياق، نقل «راديو سوا» عن عضو المجلس الوطني اليمني المعارض، عبد السلام رزاز، إعرابه عن أمله بأن تكون السلطة اليمنية جادّة في التوقيع على المبادرة الخليجية، فيما قال الناشط اليمني وليد العماري «هذه ليست أول مرة يعلن فيها عن موعد التوقيع، ونحن لا نثق بهذا النظام». وتزامنت الشكوك في نية صالح التوقيع على المبادرة مع تجدد المواجهات بين القوات الموالية للرئيس اليمني ومسلّحين قبليين مناوئين له، في منطقة أرحب شمال شرق صنعاء.
(أ ف ب)