يتداول البعض مقولة ساخرة مفادها أنّ سبباً أساسياً من أسباب بقاء النظام السوري هذه الفترة الطويلة، هو وجود مثل هذه المعارضة السورية غير المتفقة على أي شيء. وكأنّ التصحُّر السياسي الذي أصاب البلاد منذ عام 1963، تجسّد في حادثة اعتداء معارضين سوريين على رموز معارضين آخرين أمام مقر الجامعة العربية في القاهرة في ذلك الأربعاء الماضي.
وقد ظنّ البعض أنّ تأطير المعارضين في تنظيمين كبيرين، أي «المجلس الوطني السوري» و«هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي»، قد يسهم في إقامة حوار جدّي بينهما بعيداً عن التخوين المتبادل وحفلة الشتائم التي لا تنتهي. غير أنّ الواقع حمل العكس، إذ لم يسهم تأسيس «المجلس الوطني» و«هيئة التنسيق» إلا في تعميق الخلافات المتبادلة بين المعارضين بدلاً من حلّها. حتى إنّ تأسيس «المجلس» و«الهيئة» ولّد مشاكل شخصية وسياسية جديدة بين أعضاء التنظيم الواحد، بدليل الانشقاقات والانسحابات والخلافات المستجدة، العلنية منها والبعيدة عن الأضواء، بين صفوف كل من «المجلس» و«الهيئة»، كلّ على حدة.
وقد حاول كثُر، من سوريين وعرب حريصين على توحيد المعارضات السورية، جمع الشمل بين أطرافها، غير أنّ كل المحاولات باءت بالفشل، مع اعتراف الجميع تقريباً بأنّ المشاكل تبدأ بالحيّز الشخصي بينهم، ولا تنتهي عند الاختلاف على العناوين السياسية العريضة للتغيير وكيفية حصوله ومعالم المرحلة المقبلة... مع التوقف طويلاً عند رصيد كل معارِض في مناهضة أو مهادنة نظام البعث، وكشف «ملفات» عن ارتباط الخصوم المعارضين بجهات خارجية أو بأطراف محسوبة مباشرة على النظام، أو بتكرار روايات عن فضائح فساد، هذا أخلاقياً ومالياً، وعمالة ذاك، ووعد بأن يتولى فلان منصباً حكومياً قريباً...
لكن بات هناك رأي أن كل هذا الكلام أصبح بلا مفعول منذ أول من أمس، أي منذ صدر القرار العربي بـ«توحيد المعارضة السورية» تمهيداً للاعتراف بها ممثلةً للشعب السوري، وهو ما صدر عن وزراء الخارجية العرب بصيغة «دعوة جميع أطراف المعارضة السورية إلى الاجتماع في مقر الجامعة العربية خلال ثلاثة أيام، للاتفاق على رؤية موحَّدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سوريا، على أن ينظر المجلس في نتائج أعمال هذا الاجتماع ويقرّر ما يراه مناسباً بشأن الاعتراف بالمعارضة السورية»، وهو ما سيبدأ يوم غد الثلاثاء في القاهرة، باجتماع يبدو أنه سيضمّ فعلاً معظم المعارضين، على الأقل من «المجلس الوطني» و«هيئة التنسيق»، الذين سيشاركون في الاجتماع بالفعل، بحسب ما كشفه المعارِض البارز في «هيئة التنسيق» هيثم منّاع لـ«الأخبار». ويختصر منّاع المطلوب فعله في لقاء العاصمة المصرية بعنوانين عريضين: أولاً نقل الخلافات بين المعارضين السوريين من إطار المزايدات والتخوين إلى الخطاب المسؤول وتكافؤ العلاقة بين كافة أطراف المعارضة، و«ليس على قاعدة الحزب القائد»، في إشارة مبطّنة إلى محاولة «المجلس الوطني السوري» الإيحاء بأنه يمثل دون غيره كل السوريين. ثمّ يضيف منّاع نقطة إضافية رئيسية تتعلق بالاتفاق على برنامج سياسي موحّد. وعند هذه النقطة، يمكن اختصار الخلافات السياسية بعبارة سحرية واحدة، «التدخل الخارجي»، والموقف المطلوب اتخاذه منه. ويحيل كلام منّاع، على علاقة المساواة والتكافؤ التي يجب أن تربط أطراف المعارضة في إطار جديد قد يبصر النور قريباً، على أصل المشكلة بشأن مَن يمثل أكثر الشعب السوري المنتفض حالياً، ومَن يحق له التحدث باسمه أكثر. هل هو «معارضة الداخل» وبعض رموزها المقيمين في الخارج، أم تلك المعارضة التي يعتبر المكوّن السوري المقيم في الخارج نواتها الصلبة، وترفع شعاراتها تظاهرات أيام الجمعة في الداخل السوري؟ ويرى البعض، من بينهم ميشال كيلو وسمير العيطة، أنّ أخطر ما في موضوع اختلافات المعارضين أنها تنعكس مباشرة على حراك الشارع السوري، إما على نحو مباشر تُرجم بالشعارات المطبوعة على لافتات المتظاهرين ضدّ معارضين محدَّدين، أو على نحو أخطر يهدّد باحتمال أن ييأس المواطنون من إمكان نجاح المعارضة المشتتة في الوصول إلى تحقيق أي مكسب سياسي، وبالتالي تخلّيهم عن النضال السلمي في الشوارع والتوجه إلى عسكرة الانتفاضة والانخراط في النشاط العسكري.
ائتلاف موحَّد جديد من هنا، سيكون أمام المسؤولين العرب الذين سيلتقون المعارضين السوريين، يوم الثلاثاء في القاهرة، تفكيك عقد مستعصية بين المعارضين أنفسهم، لعلّهم يتمكنون من الوصول إلى الاتفاق على عناوين عريضة تندرج في تحالف أو ائتلاف معارِض جديد يمكِّن العواصم العربية والأجنبية من الاعتراف به والتعامل معه على اعتبار أنّه يمثّل الشعب السوري بدل النظام الحالي. وعن هذا الموضوع، لا يستبعد منّاع تأسيس ائتلاف جديد لا يهمّ ماذا سيكون اسمه «مع أنّ لدينا حساسية على مصطلحَي مجلس وانتقالي، لأنهما يذكّراننا بالتجربة الليبية المرفوض إسقاطها على سوريا». وفيما يطمئن منّاع إلى أنّ وفد «هيئة التنسيق» الموجود حالياً في الدوحة، إضافة إلى مستقلين، سيشاركون في اجتماع يوم الثلاثاء «بإيجابية وبصدر رحب كعادتنا»، فهو يكشف أن قيادات «المجلس الوطني» أيضاً حضروا إلى مصر وسيشاركون في اجتماعات الثلاثاء، وهو ما ينفي صحّة ما قاله القيادي في «تيار بناء الدولة» لؤي حسين عن أن دعوة المعارضة إلى عقد اجتماع خلال 3 أيام «غير ممكن، نظراً إلى اختلاف وجهات النظر بين تلك القوى»، مشيراً إلى أن الجامعة «ستكتفي بعقد اجتماع مع المجلس الوطني السوري». كذلك يعترف منّاع بأنّ «القيادة الرسمية» للمجلس الوطني تجاهر بأنها ضدّ التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام السوري، وهو تطوُّر مهم، لكون العقدة السياسية الرئيسية التي ظلّت مهيمنة على خلافات «الهيئة» و«المجلس» هي الآتية: المجلس الوطني ظلّ يتّهم «هيئة التنسيق» بأنها لا تريد جدياً إسقاط النظام بكل رموزه، بل التحاور معه لكي يحصل بعض شخصياتها على حصّة في الحكم. ولم تنفع التوضيحات المتكررة لرموز «هيئة التنسيق» في إقناع «جماعة إسطنبول» بأنهم مع إسقاط النظام بكل معنى الكلمة. في المقابل، فإنّ المصيبة السياسية لـ«المجلس الوطني» بالنسبة إلى «هيئة التنسيق» بقيت أنه «مع التدخل العسكري على الطريقة الليبية»، رغم توضيحات برهان غليون وبسمة قُضماني وآخرين أن ما يطالبون به بعيد عن التدخل العسكري، بل يتمحور حول طرق سلمية لحماية السوريين.
في النهاية، يبدو أنّ الجميع وصلوا إلى لحظة الحقيقة بما أنّ توحُّد المعارضة بات حاجة عربية ودولية جدية اليوم، قد تُفرَض عن طريق تذليل العقبات الشخصية والسياسية القائمة بين الطرفين «عن طريق حوار ديموقراطي حقيقي»، بحسب منّاع الذي يشدّد على أهمية أن يكون الجميع ممثلين بالتساوي، و«بحسب حجمهم التمثيلي الحقيقي» داخل الإطار الجديد الموحَّد للمعارضة، لكي «لا تتكرر التجربة التونسية، بحيث لم ينجح في الانتخابات أحد من الثوار الحقيقيين». وعن الشق السياسي، يشير منّاع إلى أن «هيئة التنسيق» لن تساوم على رفضها المبدئي الحازم للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، و«بما أنّ القيادة الرسمية للمجلس الوطني لا تطالب بهذا التدخل العسكري الأجنبي، فسنقول لهم إذاً تفضّلوا لنعمل معاً من دون أن يقصي أحد أحداً، ومن دون أن يبتلع أحد أحداً».