ما يحدث في «ميدان التحرير» هو جريمة مكتملة الأركان. حرب إبادة بأسلحة محرّمة دولياً. المتظاهرون يواجهون حرباً كيماوية. ليس المتظاهرون وحدهم، وإنما سكان المناطق المحيطة بميدان التحرير، والمقيمون في وسط القاهرة. أو حتى المارون في محطات مترو الأنفاق ذهاباً إلى أعمالهم، وليس لهم علاقة بالأساس بالتظاهر أو الثورة. لا حديث بين الجميع سوى عن القنابل الجديدة التي تستخدمها وزارة الداخلية وقوات الجيش لتفريق المتظاهرين. وهو ما أدى إلى استشهاد 33 متظاهراً، بعضهم لم يمت بالرصاص، بل مختنقاً بالقنابل الجديدة المستوردة أخيراً في صفقة الإفراج عن إيلان غرابيل، المتهم بالتجسس لمصلحة إسرائيل. الغاز يسبب شللاً مؤقتاً، وأحياناً تشنجات عصبية، ويؤدي إلى الموت من القنابل الجديدة المصنوعة من مادة «سي آر» التي طوّرتها وزارة الدفاع البريطانية لتستخدم في تفريق المتظاهرين في أوائل ستينيات القرن الماضي. وتؤدي القنابل المستخدم فيها هذا الغاز الى تهييج شديد للجلد وتشنجات في عضلات الجسم، وصعوبة في التنفس، ومن الممكن أن ينجم عنه شلل مؤقت وحدوث رعشة في أطراف الجسم، ووفاة في حالة التعرض لكميات كبيرة منه. وقد أكد أحد أطباء المستشفى الميداني أن الجيش الأميركي يرفض استخدام تلك القنابل في فضّ الشغب وذلك للاشتباه في كون تلك المادة مسرطنة، وهي تصنّف على أنها سلاح كيماوي قتالي يسبّب آثاراً خطيرة على البشر. وقد استخدمت إسرائيل هذه القنابل لتفريق المتظاهرين مرات عدة، سواء داخل الأراضي التي تخضع للسلطة الوطنية أو على حدود الضفة الغربية.
وتبلغ قوة غاز «سي آر» 6 إلى 10 أضعاف قوة غاز «سي إس» الذي يشتبه في أنه السبب بوفاة جواهر أبو رحمة في كانون الثاني 2010 على أيدي الجيش الإسرائيلي، وقد نجح صدام حسين فى تصنيع الـ«سى إس» في السبعينيات، وتطويرها واستخدمها ضد الأكراد في العراق وضد إيران أثناء حربهما.
وبعكس باقي الغازات، فإن الأطباء يحذّرون من استخدام الماء في العلاج من الـ«سي آر»، لأن الماء يسبّب تهييجاً أكبر للجلد، وقال أحد الأطباء «على المتظاهرين ألا يستخدموا الماء أو الخل في العلاج من الـ«سي آر» وعليهم استخدام أدوية أنتي هيستامين وفيتامين بي كومبلكس وحبوب بوتاسيوم، وغسل وجوههم بماء الكلوجوز».
وأثارت الحديث عن لجوء الجيش المصري إلى هذا النوع من الغاز في مواجهة المحتجين ردود فعل منددة. وقالت المديرة الإقليمية للمرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، أماني السنوار، إنّ شهادات متواترة لنشطاء مصريين أكّدت استخدام قوات الأمن والجيش نوعاً خطيراً من الغاز المسيّل للدموع المحرّم دولياً ويدعى غاز (CR)، مضيفة إنّ المرصد حصل على شهادات متطابقة لأعراض الإصابة بهذا الغاز الذي يؤدي إلى تقيّؤ لاإرادي دون غيره من الغازات، إلى جانب أعراض الشلل وفقدان القدرة على الإبصار المؤقتيْن.
وأضافت السنوار إنّ المرصد وثّق استخدام هذا الغاز ضد المتظاهرين للمرة الأولى منذ تصاعد حركة الاحتجاج السلمي في مصر في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي، لافتة إلى أنّ المرصد حصل على إفادات لناشطين من داخل ميدان التحرير تفيد باستخدام الأمن لعبوات غاز (CR).
واستنكر المرصد هذا الانتهاك الخطير بحقّ المدنيين باستخدام غاز محرّم دولياً ضدهم، ومصنّف على أنه مادّة مسرطنة وقاتلة عند التعرض لها لفترات طويلة.