تروي طريقة اختيار أعضاء الحكومة الليبية الجديدة التي أعلنها الرئيس المكلف، عبد الرحيم الكيب، أول من أمس، قصة الصعوبات المحيطة بعقد مصالحة بين المصالح المتنافسة، فجاءت صورة الحكومة الجديدة خالية من أسماء أعضاء المجلس الوطني الانتقالي المعروفين، وبعض القادة الذين كانوا متوقّعين في التشكيلة الجديدة، فيما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن سيف الإسلام، نجل العقيد معمر القذافي، الذي اعتقل السبت الماضي، سيُحاكم في ليبيا. الحكومة، التي جرى تأجيل إعلانها مرتين خلال هذا الأسبوع، والتي وصفها عبد الرحيم الكيب بأنها تمثل كل ليبيا، حملت بعض المفاجآت، مثل إعلان عاشور بن خيال وزيراً للخارجية، بعدما كان مطروحاً لهذا المنصب نائب مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة إبراهيم دباشي.
ومن بين التنازلات الأخرى الواضحة من أجل المصالح الإقليمية، تعيين قائد المجلس العسكري لبلدة الزنتان، أسامة الجويلي، وزيراً للدفاع، الذي اعتبر ضربة لرئيس المجلس العسكري لمدينة طرابلس عبد الحكيم بلحاج، الذي كان يتصدّر لائحة الإرهابيين القريبين من تنظيم القاعدة قبل إعلانه توبته في عام 2009. أما وزير الداخلية الجديد فواز عبد العال فهو من مصراتة، التي أدى مقاتلوها دوراً محورياً في الحركة المناهضة للقذافي.
المفاجأة الأخرى هي تعيين المحامي فتحي تربل، وزيراً للشباب والرياضة، وبرز اسم تربل محامياً عن عائلات ضحايا مذبحة سجن أبو سليم عام 1996. وأثار إلقاء القبض عليه في شباط الماضي أعمالاً احتجاجية في بنغازي أدت الى اندلاع الانتفاضة الليبية.
وجاءت أسماء الوزراء الآخرين كما أعلنها الكيب على الشكل الآتي: نائبا رئيس الوزراء: مصطفى بوشاقور غيث، وهو أكاديمي يعمل في الإمارات العربية وعمر عبد الله عبد الكريم.
وعين عبد الرحيم بن يازا وزيراً للنفط والغاز، وكان سابقاً يحتل منصباًَ استشارياً في شركة إيني الإيطالية للنفط. كما عمل في المؤسسة الوطنية الليبية للنفط. كذلك أسندت وزارة المال إلى حسن زقلام، ووزارة التخطيط إلى عيسى التويجري ووزارة الاقتصاد إلى الطاهر شركس.
وعين علي أحميدة عاشور وزيراً للعدل، بينما أسندت حقيبة الصحة الى الطبيبة فاطمة الحمروش. كذلك تم تعيين مبروكة الشريف جبريل وزيرة الشؤون الاجتماعية، فيما أسندت الاتصالات الى مسؤول الاتصالات في المجلس الانتقالي أنور الفيتوري. وكانت حقيبة الصناعة لمحمود الفطيسي. أما وزارة الثقافة، فأنيطت مهماتها بعبد الرحمن هابيل، وأسندت حقيبة الزراعة الى سليمان عبد الحميد بوخروبة، فيما تسلم سليمان علي الساحلي التربية والتعليم.
وكانت وزارة البحث العلمي والتعليم العالي من حصة نعيم الغرياني، أما وزارة الكهرباء فأسندت الى عوض البرعصي، ووزارة الأوقاف إلى حمزة بوفارس. وعين لوزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين عبد الناصر جبريل حامد، ولوزارة العمل والتأهيل مصطفى الرجباني، ولوزارة الحكم المحلي محمد الهادي الهاشمي الحراري، ولوزارة الإسكان والمرافق إبراهيم السقوطري، إضافة الى وزارة المواصلات والنقل التي عين فيها يوسف الوحيشي.
وفي أول رد فعل على تأليف الحكومة، قال رئيس مجلس ثوار طرابلس، عبد الله ناكر، إن المجلس يعلن رضاه التام عن تشكيلة الحكومة الانتقالية، مضيفاً بعدما ظهر لأول مرة من دون زيّه العسكري، مرتدياً بزة رسمية لقد «انتهى وقت الثورة، وحان الآن موعد بناء الدولة».
وفي المواقف الدولية، رحبت بكين وواشنطن وباريس ولندن بتأليف حكومة جديدة في ليبيا، وأعربت الصين في بيان لوزارة الخارجية عن أن «قيام حكومة ليبية مؤقتة يشير الى خطوة هامة على صعيد السياسات الانتقالية الليبية». وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ان «الولايات المتحدة تأمل العمل مع الحكومة الانتقالية الجديدة نظراً الى التحديات المهمة في المستقبل، مثل حماية واحترام حقوق الليبيين وتشديد الرقابة على الميليشيات وضمان تأليف حكومة فاعلة وتتمتع بالصدقية، والإعداد لمرحلة انتقالية نحو حكومة منتخبة».
وأصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً قالت فيه إنها «حكومة وحدة وطنية جديدة، مفتوحة أمام النساء والشباب، ومن أولوياتها قيادة عملية إعادة إعمار البلاد وتنظيم أول انتخابات في الأشهر الـ 8 المقبلة». وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «إن تأليف الحكومة ضمن إطار زمني مدته 30 يوماً المحدد من قبل المجلس الوطني الانتقالي يمثل لحظة هامة بالنسبة إلى ليبيا، وجاء بعد ثلاثة أيام فقط على اعتقال سيف الإسلام القذافي».
من جهة ثانية، قال المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، لويس مورينو أوكامبو، إن الحكومة الليبية ستحاكم سيف الإسلام القذافي، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع مسؤول ملف العدل في المجلس الانتقالي محمد العلاقي، في طرابلس.
بدوره، جدد العلاقي التأكيد أن محاكمة سيف الإسلام أمام القضاء الليبي هي «مسألة سيادة»، معتبراً أن «القضاء الدولي هو قضاء تكميلي».
من جهة ثانية، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستُسقط القضية ضد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بتهم ارتكاب حرب ضد الإنسانية وذلك بعدما تسلمت شهادة وفاته.
وفي معلومات جديدة عن اعتقال سيف الإسلام، كشف أحد أبناء قرية برقان الواقعة جنوب الصحراء الليبية، يوسف صالح الحطماني، الذي يعمل دليلاً، أن نجل القذافي عرض عليه مليون يورو مقابل نقله إلى المنطقة الحدودية مع الجزائر والنيجر.
وقال الحطماني في مقابلة مع صحيفة «ديلي تليغراف» إنه «رفض العرض وقرر بدلاً من ذلك التوجه إلى أقرب موقع لثوار الزنتان لإبلاغهم بمكان سيف الإسلام، والذين اندفعوا إلى المكان واعتقلوه إلى جانب أربعة من مرافقيه».
في غضون ذلك، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها زارت سيف الإسلام القذافي، أول من أمس، في سجنه في الزنتان و«هو في صحة جيدة على ما يبدو».
الى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، العبيد مروح، أن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، سيزور السودان لمدة يومين اعتباراً من يوم غد الجمعة «بناءً على دعوة رسمية من الرئيس السوداني عمر البشير».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)