بدت الدعوة الفرنسية إلى إقامة «ممرّات إنسانية آمنة» في سوريا غير منسَّقة حتى على المستوى الأوروبي، بدليل الموقف الألماني المتحفِّظ على فكرة وزير الخارجية الفرنسية آلان جوبيه. ردّ سلبي آخر وجّهه العقيد المنشق عن الجيش السوري النظامي، رياض الأسعد، على إصرار الاسم الأبرز في «المجلس الوطني السوري»، المعارِض برهان غليون، على رفض أيّ تدخّل عسكري في بلاده، وسط تسجيل حصيلة جديدة في القتلى والجرحى في المدن السورية، بحسب مصادر المعارضة.
وقد استلحق جوبيه موقفه المؤيّد لإقامة ممرّ إنساني داخل سوريا بالاعتراف بأن دون تنفيذ هذا المشروع الهادف إلى «إغاثة المدنيين» عقبات كثيرة من دون موافقة نظام الرئيس بشار الأسد. ولليوم الثاني على التوالي، تحدث جوبيه عن هذه الفكرة التي اقترحها على حدّ قوله «المجلس الوطني السوري» المعارض الذي التقاه أول من أمس في باريس، لأن «هناك اليوم مشكلة إنسانية تتمثل في نقص المواد الاستهلاكية الأساسية». وأشار رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى أن إقامة ممر إنساني «يمكن أن تحصل وفق سيناريوين: الأول أن يتوصل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والجامعة العربية إلى الحصول على موافقة النظام على إقامة تلك الممرات الإنسانية، وقد حصل هذا في أماكن أخرى». وتابع «أما إذا لم يحصل ذلك، فيجب النظر في حلول أخرى، ومن الممكن توفير حماية (عسكرية) للقوافل الإنسانية، لكننا لم نصل إلى هذا الحد». وساق جوبيه ليبيا مثالاً، حيث سمح بإقامة «ممرات إنسانية لمنظمات إنسانية مثل الصليب الأحمر لإيصال أدوية»، من دون أن ينسى تجديد رفض «الأسرة الدولية» أي «خيار عسكري» في سوريا. وقال «بالنسبة إلينا، لا يمكن أن نتدخل، حتى لغرض إنساني، من دون تفويض دولي بطبيعة الحال». وفي شرحه لرأي بلاده المتحمّس لإقامة ممر آمن للمساعدات داخل الأراضي السورية، لفت إلى أنه «ليس بالضرورة أن يتولى عسكريون حماية الممر الإنساني. فلنفترض سيناريو تدعو فيه الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي النظام السوري إلى السماح لمنظمات غير حكومية، مثلاً اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو غيرها، بإرسال قوافل إنسانية إلى المدن التي تشهد فاجعة مثل مدينة حمص». وتابع «هذا الطرح ليس عبثياً. ولأن ذلك ليس عبثياً، لا أيأس من أن يقبل النظام السوري بفتح ممرات إنسانية تحت حماية مراقبين دوليين غير مسلحين في الأراضي السورية»، مؤكداً أنه متفائل بهذا الشأن.
وفي السياق، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً جاء فيه أنها تلقّت معلومات مقلقة من عدة مصادر متطابقة عن الوضع في حمص «التي تخضع للحصار ومحرومة من المواد الأساسية وتتعرض لقمع قاس». وأضاف البيان «يجب إيجاد حلّ لتحصل المدينة على مواد إنسانية وأساسية». وأشار إلى أن «فرنسا، مع شركائها الدوليين، مصمِّمة على العمل لمساعدة السكان وتعزيز الإجراءات الرامية إلى حماية السكان المدنيين». وكشف البيان نفسه أن فرنسا تجري مشاورات مع الأميركيين والاتحاد الأوروبي وتركيا والجامعة العربية في ما يتعلق بهذا الشأن.
غير أن وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله أعرب عن تحفظه إزاء الاقتراح الفرنسي بإنشاء «ممرّ إنساني». وأجاب الوزير الألماني بالنفي عن سؤال عمّا إذا كان مثل هذا «الممر بحاجة إلى حماية» عبر فرض حظر جوي على سوريا، موضحاً أن الأمر «لا يمكن أن يُتناول لأن الخيار العسكري مرفوض أيضاً بوضوح من المحيط الإقليمي لسوريا».
في المقابل، جدّدت روسيا تحذيرها من أن التدخلات الخارجية في سوريا «قد تزعزع استقرار البلاد والمنطقة بأسرها». على صعيد آخر، أعلن قائد «الجيش السوري الحر» المنشق عن الجيش النظامي، العقيد رياض الأسعد، تأييده لفرض حظر جوي على سوريا وضرب أهداف استراتيجية للنظام السوري، مع رفضه دخول قوات أجنبية برية إلى البلاد. وقال الأسعد لوكالة «فرانس برس»، عبر الهاتف من تركيا، «نحن نطلب من المجتمع الدولي حماية دولية وفرض منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي، كذلك من الممكن أن يقصفوا بعض الأهداف الاستراتيجية التي يعتبرها النظام أساسية له». وأكد الأسعد أنه في حال تلقّي عناصره مساعدات من الخارج، «نحن قادرون على الانتصار في فترة قصيرة نسبياً». وتابع أن «عدد الجيش الحر يفوق عشرين ألفاً، ومعدل العمليات يتصاعد بحسب إجرام النظام».
ميدانياً، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن 22 شخصاً قتلوا أمس، «بينهم 11 جندياً نظامياً، في اشتباكات مع منشقين قُتل منهم 2، و9 مدنيين قضوا برصاص الأمن» في محافظة حمص. كذلك تحدث «المرصد» عن حصول «قصف بالرشاشات الثقيلة أعقب اشتباكات بين الجيش النظامي وعناصر منشقّة عنه» في مدينة الرستن (ريف حمص) التي سبق أن شهدت حملات أمنية عديدة منذ بدء الأزمة السورية.
وكان لافتاً إعلان مصادر المعارضة و«الجيش السوري الحرّ» مقتل 7 طيارين عسكريين سوريين ورقيبين اثنين، بالإضافة إلى مرافق عسكري ثالث في هجوم تبنّاه «الجيش الحر» وشنّه «بدو مسلّحون» على حافلة تقلّ الطيارين بالقرب من مدينة تدمر في محافظة حمص. بدورها، أشارت وكالة الأنباء السورية (سانا) إلى تشييع «جثامين 12 شهيداً من عناصر الجيش وقوى الأمن والشرطة استهدفتهم المجموعات الإرهابية المسلحة في ريف دمشق وحمص وحماه».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)