بعد تضارُب في الأنباء، اتّضحت صورة الاجتماعات العربية التي شهدتها القاهرة أمس على صعيد اللجنة العربية المكلفة متابعة الأزمة السورية، ووزراء الخارجية العرب، لتفتح الجامعة العربية مجالاً واسعاً أمام التصعيد ضد دمشق من باب تدويل الأزمة ووضعها بين أيدي الأمم المتحدة، وبالتالي مجلس الأمن الدولي، للمرة الأولى بصيغة رسمية منذ بدء الأزمة السورية؛ فنتيجة رفض الوزراء العرب «حلولاً وسطى» للتمكُّن من نيل توقيع القيادة السورية على نص البروتوكول القانوني لإرسال المراقبين إلى سوريا «لتقصّي الحقائق وحماية المدنيين»، أعطت الجامعة بعد ظهر أمس
، لدمشق، مهلة نهائية للتوقيع تقلّ عن الساعات الـ24، وتنتهي عند الساعة الواحدة ظهر اليوم، قبل اتخاذ مجموعة عقوبات اقتصادية، إضافة إلى تسليم الملف السوري إلى الأمم المتحدة.
وبعد مجموعة من الاجتماعات التي شهدها أحد فنادق القاهرة بدلاً من مقر الجامعة العربية الغارق في انتفاضة ميدان التحرير، أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أنّ المجلس الوزاري للجامعة «أمهل سوريا حتى الساعة الواحدة من ظهر الجمعة (اليوم) للتوقيع على البروتوكول الخاص بإرسال بعثة مراقبة لتقصّي الحقائق إلى أراضيها»، مع «إبلاغ الامين العام للامم المتحدة (بان كي مون) القرار والطلب إليه اتخاذ الاجراءات اللازمة بموجب ميثاق الامم المتحدة لدعم جهود الجامعة العربية في تسوية الوضع المتأزم في سوريا»، بحسب نص القرار الذي أصدروه بغياب ممثل عن سوريا، وهو ما رأى دبلوماسيون عرب شاركوا في الاجتماع أنه «يفتح الباب المؤدي الى الامم المتحدة، وبالتالي مجلس الامن الدولي». ونص قرار الوزراء العرب أيضاً على «دعوة الحكومة السورية الى التوقيع على البروتوكول الخاص بالمركز القانوني ومهام بعثة مراقبي الجامعة العربية الى سوريا بالصيغة التي اعتمدها الوزراء العرب» خلال اجتماعهم في الرباط الأربعاء الماضي، وهو ما يعني رفض الوزراء النسخة التي تقدمت بها الجزائر، والتي هدفت إلى تقديم صيغة «حل وسط» بين التعديلات السورية المرفوضة على نص البروتوكول القانوني، والنص الأصلي الذي اعتُمد في المغرب. وأضاف القرار أنه «في حالة عدم توقيع الحكومة السورية على البروتوكول أو إخلالها لاحقاً (بعد توقيعه) بالالتزامات الواردة فيه وعدم إيقاف عمليات القتل وإطلاق سراح المعتقلين، يجتمع المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوم السبت (غداً) للنظر في فرض (حزمة من) العقوبات الاقتصادية». وأكد الوزراء أن نتائج اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يضم وزراء المال والاقتصاد في الدول العربية ستعرض على وزراء الخارجية الذي سيجتمعون مجدداً الاحد المقبل (بعد غد). وحدّد قرار وزراء الخارجية العرب حزمة العقوبات التي سيصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بـ«وقف رحلات الطيران الى سوريا، ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري، ووقف المبادلات التجارية الحكومية مع الحكومة السورية باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري، وتجميد الارصدة المالية للحكومة السورية، وأخيراً وقف التعاملات المالية مع الحكومة السورية». كذلك دعا المجلس الحكومة السورية وأطياف المعارضة السورية إلى عقد «مؤتمر للحوار الوطني»، وفقاً لما تضمنته المبادرة العربية (الصادرة في الثاني من الشهر الجاري) لحل الأزمة في سوريا بهدف الاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية «لتسيير المرحلة الانتقالية».
وقبل صدور القرار العربي، تضاربت الأنباء بشأن موافقة دمشق من عدمها على التوقيع على البروتوكول القانوني المنظم لعمل بعثة المراقبين، خصوصاً بعدما أعلن كل من وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ومصادر صحيفة «الأهرام المصرية» وقناة «روسيا اليوم» ووكالة «أنباء الشرق الأوسط» أن «سوريا وافقت على نشر مراقبين داخل البلاد لتقييم الوضع فيها». وقال زيباري إن «دمشق وافقت، بشكل كامل، على بروتوكول لإرسال بعثة مراقبة إلى سوريا لتقييم الوضع فيها». وأضاف زيباري أن «نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد سيوقّع على البروتوكول بعدما كانت الجامعة رفضت في وقت سابق طلب دمشق إدخال تعديلات عليه». غير أن التلفزيون الرسمي السوري نفى موافقة سوريا على التوقيع على البروتوكول. وفي وقت لاحق، شرح دبلوماسيّون عرب ملابسات المسألة، وأوضحوا لوكالة «فرانس برس» أن سوريا «عرضت التوقيع على البروتوكول مع اضافة التعديلات التي تقدمت بها والمراسلات التي جرت بينها وبين الجامعة العربية كوثائق ملحقة بالبروتوكول، ولكن الوزراء العرب رفضوا الأمر، وأصرّوا على ألا تكون هناك إلا مرجعية قانونية واحدة هي الوثيقة الأصلية» الصادرة في الرباط. وكشف الدبلوماسيون أنه نتيجة الرفض العربي، أبلغت سوريا الجامعة العربية أنها «ستحدد موقفها بشأن التوقيع من عدمه على البروتوكول (اليوم) على ضوء ما إذا كان قرار الوزراء العرب سيتضمن عقوبات ضدها أو لا».
وفي رواية أخرى، أوضح دبلوماسي عربي حضر الاجتماع الوزاري لوكالة «يونايتد برس انترناشونال» أن نبيل العربي عرض على المجتمعين رسالة تلقّاها من وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في وقت سابق من يوم أمس، «تتضمَّن موافقة الحكومة السورية على التوقيع على بروتوكول بعثة المراقبين وتسمية نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ممثلاً لسوريا في توقيع هذا البروتوكول». وقبل ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية عربية أن اللجنة الوزارية العربية المكلفة الاتصال بالسلطات السورية، والتي ترأسها قطر، وافقت على جزء من التعديلات التي اقترحتها سوريا، مشيرة إلى أن هذه الموافقة حصلت بعد اقتراح تقدمت به الجزائر إلى اللجنة التي اجتمعت بعد ظهر أمس «كحل وسط بين نص مشروع البروتوكول الأصلي الذي أقرّه وزراء الخارجية العرب في الرباط الأربعاء الماضي، وبين التعديلات التي اقترحت سوريا إدخالها عليه». وأوضحت المصادر أن الحل الوسط الذي اقترحته الجزائر «لا يمس جوهر البروتوكول، ويؤكد أن البعثة مهمتها توفير الحماية للمدنيين السوريين».
وبحسب فضائية «العربية»، انسحب وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي من اجتماع وزراء الخارجية العرب بعدما طلبت بلاده إدراج التحفظات على البروتوكول المذكور ضمن نصوصه الأساسية. كذلك أكدت الفضائية السعودية أن الاجتماع شهد «سجالاً حاداً حول آلية عمل المراقبين، وذلك وسط مخاوف من محاولة سوريا استغلال البروتوكول للتسويف في تسوية الأزمة الناشبة».
وكان وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور قد جزم بأن حكومته لن تؤيّد أيّ عقوبات قد يتخذها مجلس وزراء الخارجية العرب بحق دمشق. ورداً على سؤال عمّا إذا كان لبنان سيعارض قرار العقوبات أم سيمتنع عن التصويت، أجاب منصور «سنقرر ذلك خلال الاجتماع في ضوء ما سيطرح».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)