القاهرة | دخلت ثورة التحرير الثانية مرحلة جديدة، بعدما توقف القتال صباح أمس، وبدأت المشاورات السياسية لتأليف حكومة إنقاذ وطني. القتال توقف بعد تدخل عدد من القوى السياسية وقيام رجال الجيش ببناء جدار عازل في منتصف شارع «محمد محمود» ليفصل بين قوات الأمن والمتظاهرين السلميين، كما عمدت قوات الجيش إلى تأسيس مستشفى داخل ميدان التحرير لعلاج المصابين. وكانت الساعات الماضية قد شهدت اجتماعات عديدة بين المجلس العسكري وعدد من القوى السياسية منفردين لمناقشة تأليف حكومة إنقاذ وطني. وقد بدأت اللقاءات بلقاء مع محمد البرادعي، وكان مدهشاً أن من التقى البرادعي هو مراد موافي رئيس الاستخبارات، وليس المشير أو أي من أعضاء المجلس العسكري. البرادعي طلب صلاحيات واسعة للقبول، وهو ما رفضه المجلس والاستخبارات، وقد اعترض بعض أعضاء المجلس على أن اختيار البرادعي سوف يغضب الرئيس المخلوع مبارك. وقد شهد الاجتماع توتراً بين الطرفين، ولم يتوصلا إلى أي حلول لينتهي الاجتماع بإبلاغ البرادعي رفض جماعة الإخوان له لتأليف الحكومة، وقد أجرى اتصالاً بقوى الإخوان التي أكدت له عدم رفضها له.

وقد التقى المشير بعمرو موسى، الذي وافق على تأليف الحكومة. وقد عقد موسى بعد لقاء المشير اجتماعاً ثلاثياً مع الدكتور محمد سليم العوا، المرشح لرئاسة الجمهورية، والمهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط لمناقشه تأليف حكومة إنقاذ. وقد صدر عن الاجتماع بيان يدعو القوى الوطنية إلى ضرورة العمل لإنهاء الوضع العدواني في ميدان التحرير وحماية المتظاهرين.
إلا أنه جرى التراجع عن ترشيح موسى في اللحظات الأخيرة بعد اعتراض أجهزة سيادية عليه، لأن الاختيار من شأنه أن يزيد من غضب متظاهري التحرير. وحتى ساعة متأخرة من مساء أمس، استقرت بورصة التكهنات على الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء في عهد مبارك، عام 2000، بعدما التقى بالمشير وبعض أعضاء المجلس العسكري. وذكرت قناة «الجزيرة» القطرية أن المجلس كلف الجنزوري رسمياً لتأليف الحكومة.
إلا أن الجمعية العامة للتغيير رشحت عدداً من الأسماء، ليس من بينها الجنزوري. ومن أبرز الأسماء التي تم التوافق عليها: البرادعي والدكتور عبد الجليل مصطفى، وحسام عيسى وزكريا عبد العزيز، فضلاً عن عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وهي الترشيحات التي قدمتها جماعة 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير.
وقد حدد المجلس العسكري، في بيان، أن شرط تولي شخصية لرئاسة الحكومة هو توافق القوى السياسية عليه. وربما لهذا تم استبعاد اسم عبد المنعم أبو الفتوح الذي رفضت جماعة الإخوان (التى كان منتمياً لها) ترشيحه، ووافق عليه التيار السلفي، بينما رفض التيار السلفي اسم البرادعي.
ويبدو اليوم في القاهرة حاسماً، إذ سيشهد ثلاث مليونيات، الأولى في ميدان التحرير والميادين الرئيسية في محافظات مصر، تحت عنوان «جمعة الفرصة الأخيرة والشهيد» والتي يعدّ أبرز مطالبها رفض خطاب المشير طنطاوي الذي «لم يلبّ الحد الأدنى لإرادة الشعب وتطلعاته، الى جانب أنه تضمن العديد من المغالطات، ولم يتضمن الاعتراف بالجريمة التي ارتكبت بحق الشعب على مدار الفترة الانتقالية»، حسبما جاء في البيان الذى وقّعته 40 حركة ثورية.
كذلك دعت جماعة الإخوان، في تحدّ للقوى الوطنية إلى مليونية في ميدان التحرير أيضاً تحت اسم «إنقاذ الأقصى». وقالت في بيان إن المليونية يشارك فيها الشيخ يوسف القرضاوى خطيباً للجمعة. وقد رفضت القوى السياسية مليونية الإخوان واعتبروها مزايدة سياسية. وسخر عدد من الفلسطينيين على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» بكتابة عبارة: «كفلسطيني، أنصح الإخوان بإنقاذ مسجد عمر مكرم قبل إنقاذ المسجد الأقصى».
أما المليونية الثالثة، فقد دعا إليها «أبناء مبارك» في ميدان العباسية ... ولم يستجب للدعوة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» سوى 300 شخص، ويدعو أفرادها الى استمرار حكم العسكر، ومبايعة عمر سليمان أحمد شفيق لرئاسة الجمهورية.
في هذا الوقت، واصل المعتصمون احتجاجهم أمس، بينما كان اعضاء المجلس العسكري يؤكدون في مؤتمر صحافي أن الانتخابات التشريعية ستجرى في موعدها، 28 نوفمبر الجاري، «الشباب المعتصم في الميدان يعتصم، لكن الانتخابات ستجرى في مواعيدها بمراحلها الثلاث»، بهذا صرح اللواء مختار الملا، عضو المجلس العسكري.
الملا اعترف أخيراً بمشروعية المطالب التي يرفعها الثوار. وقال «الموجودون بالميدان مواطنون شرفاء، لهم مطالب معظمها مقنعة للمجلس العسكري، ومن المؤكد أنهم لن يعطلوا الانتخابات، ومن حق أي مواطن التظاهر والاعتصام».
وواصل عضو المجلس نفيه استخدام الرصاص الحي في تفريق التظاهرات التي تتواصل منذ السبت الماضي، ودافع عن جهاز الشرطة بقوله «جميع الأسلحة التي استخدمتها الداخلية ضد المتظاهرين كانت مطابقة للمواصفات العالمية والمسموح بها». وأضاف «لم تستخدم الذخيرة الحية ولا الخرطوش ضد المتظاهرين، وما تردد عن استخدام غازات سامة أو غازات محرمه دولياً كلام غير حقيقي بالمرة».
وعندما واجهه الحضور بأن هناك قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين، قال «ننتظر تقارير الطب الشرعي لتحديدد سبب الوفاة أو الإصابة، وتقرر تشكيل لجنة من قبل النائب العام للتحقيق في الأحداث برمتها».
اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكري، حضر هو الآخر المؤتمر الصحافي، وخاض حرباً مختلفة، هذه المرة على الإعلام والصحافة، وكان رده مفاجئاً عندما سئل عن كيفية تطبيق قانون إفساد الحياة السياسية في ظل إجراء الانتخابات خلال ساعات، «الذين أفسدوا الحياة السياسية ليسوا أعضاء الحزب الوطني فقط، بل هناك كثير من رجال الإعلام شاركوهم هذا الفساد»، وليس شرطاً أن يصدر القانون قبل إجراء الانتخابات بفترة طويلة.
الثوار في ميدان التحرير، وعلى الفايسبوك وتويتر، ردوا بسرعه على ما جاء في المؤتمر، ولم يغفروا لأعضاء المجلس وقوفهم دقيقة حداد على أرواح ضحايا التحرير في بداية المؤتمر، حيث هتف المعتصمون «مش عايزين كلام كتير ... مجلس عار لازم يغور».