ضباب كثيف يخيّم على الأجواء التركية ـــ العراقية هذه الأيام. الطائرات التركية ممنوعة من الهبوط في المطارات العراقية منذ الأحد الماضي،
والعكس صحيح. المعنيون بهذا الملف في بغداد يتوقعون الأسوأ على شكل تصعيد من طرف بغداد عقاباً لأنقرة على موقفها من الأزمة السورية، في مقابل مبادرات لإيجاد تسوية لهذه الأخيرة، وفتح الأسواق العراقية أمام البضائع السورية.
مصادر عراقية وثيقة الاطلاع أكدت أن السلطات العراقية ألغت قبل نحو 10 أيام جميع القيود على دخول البضائع السورية إلى العراق، من رسوم وضرائب ومواصفات، في خطوة تستهدف استيعاب جميع البضائع السورية التي تُرسل إلى بلاد الرافدين للتخفيف من تأثير أي عقوبات عربية اقتصادية محتملة على سوريا. وتضيف المصادر نفسها، رداً على سؤال عمّا جرى للقرار الذي اتخذ قبل أشهر بتقديم 150 ألف برميل نفط يومياً هبة لسوريا، إنه «للأسف، لم يجد طريقه إلى التنفيذ. في البداية كانت الأسباب لوجستية، حيث إن خطوط أنابيب النفط التي تربط بين البلدين غير صالحة للعمل، وتبيّن أن نقل هذه الكمية عبر الصهاريج غير عملي. وبعد العقوبات الأوروبية على سوريا (التي تصدّر 90 في المئة من نفطها إلى القارة القديمة)، امتلأت الخزانات السورية بهذه المادة، بل إن سلطاتها خفضت الإنتاج لصعوبات التصريف». وتفيد الأرقام المتداولة بأن البضائع السورية التي يجري تصريفها في العراق تمثّل 31.4 في المئة من الإنتاج السوري، يليه لبنان (12.7 في المئة) ثم ألمانيا (9.2 في المئة) فالسعودية (5.2 في المئة). وتستورد سوريا بالدرجة الأولى من الصين (10.8 في المئة) ومن السعودية (10.1 في المئة) ومن تركيا (7 في المئة) ومن الإمارات (5 في المئة) ومن لبنان (4.1 في المئة) ومن مصر (4.1 في المئة).
مصادر عراقية قريبة من وزارة النقل العراقية أفادت بأن هذه الأخيرة قد اتخذت قراراً بمنع الطائرات المدنية التركية من أن تهبط في المطارات العراقية. وأضافت، رداً على سؤال عن السبب في اتخاذ هذا الإجراء، «الحجة المعلنة هي المعاملة بالمثل، لكنها ضمناً رسالة واضحة لتركيا عن العقوبات التي يمكن أن يلحقها بها العراق في حال استمرت في عدائها هذا لسوريا». وأوضحت أن «بغداد تعكف حالياً على دراسة الخسائر التي يمكن أن تلحق بالعراق من جرّاء مقاطعة اقتصادية لتركيا. ويبدو أن الاتجاه العراقي نحو التصعيد»، مشيرة إلى أن «السفير التركي لدى بغداد زار وزير النقل هادي العامري قبل يومين، وطلب بصلف وعنجهية إلغاء قرار حظر هبوط الطائرات التركية في المطارات العراقية، فأُسمع كلاماً مناسباً وغادر يجر خلفه ذيل الخيبة». وأوضحت أن «تركيا، يوم أوقفت الرحلات الجوية العراقية إلى أراضيها، قالت إن السبب هو أن شركة سومو العراقية النفطية مدينة لها بـ5 ملايين دولار لم تدفعها، لكن السبب الفعلي كان معاقبة بغداد على عدم تصويتها لصالح قرارات الجامعة العربية بحق سوريا». وختمت بالقول «لا حركة طيران اليوم بين العراق وتركيا في الاتجاهين. بات على رجال الأعمال الأتراك، ممن لهم استثمارات في العراق، المجيء إلى بغداد عبر عاصمة ثالثة. الرحلة التي كانت تستغرق بالنسبة إليهم نحو ساعة ونصف، بات يمكن أن تستغرق نهاراً كاملاً».
ومعروف أن الاستثمارات التركية في العراق تبلغ مليارات الدولارات، بينها استثمارات بمئات الملايين لأبناء وأقارب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
وفي السياق، كشفت مصادر قريبة من دمشق وبغداد عن محاولة عراقية للتوسط بين دمشق وكلّ من الدوحة والرياض، موضحة أنها مبادرة أطلقها المجلس الأعلى بقيادة السيد عمّار الحكيم، نظراً إلى علاقته الوثيقة بالأطراف الثلاثة، خلافاً للأطراف العراقية الأخرى، وخاصة حكومة نوري المالكي التي تعمّدت الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، إبقاء العلاقة متوترة معه منذ تولّى الحكم في 2005. وتضيف هذه المصادر أن «اتصالات جرت الثلاثاء مع الأطراف المعنية في سوريا التي أعطت موافقتها، والعمل جار حالياً على الحصول على موافقة القطريين والسعوديين على تلك الوساطة».
يشار إلى أن الملف السوري من أكثر الملفات إثارة للانقسام داخل العراق، حيث لم تتمكن الأطراف المعنية حتى اليوم من بناء دولة متماسكة، رغم كل محاولات المالكي للسيطرة، والتي أكسبته لقب «صدّام الجديد». ولعل السجال الذي نشب عقب امتناع وزير الخارجية هوشيار زيباري عن التصويت على قرارات جامعة الدول العربية الخاصة بسوريا خير مؤشر. التحالف الكردستاني هاجم وزير الخارجية، معتبراً أن موقفه «لا يمثّل موقفنا في الحكومة العراقية، بل يمثّل موقف العراق الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف التحالف الكردستاني يؤيد تغيير النظام السوري الدكتاتوري القمعي». كذلك فعلت القائمة العراقية التي رأت أن موقف العراق كان يجب أن يكون مع الإجماع العربي ومؤيّداً للقرارات العربية تجاه سوريا. حتى نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، رأى أن «العراق عضو في الجامعة العربية وعليه الالتزام بالإجماع العربي وعدم التغريد خارج السرب، لكون مصلحة العراق هي في المقام الأول».
في المقابل، بررت كتلة دولة القانون التي يرأسها المالكي التحفظ العراقي بأنه وفاء لسوريا التي احتضنت المعارضة العراقية، وخاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة، أيام حكم الرئيس السابق صدام حسين، وبوجود مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين في سوريا حالياً. ولعل عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية آلا الطالباني كانت أفضل من اختصر الوضع بقولها إن «وزير الخارجية هوشيار زيباري ليس مسؤولاً عن رسم سياسة العراق الخارجية، ونحن إلى اليوم لا علم لنا بالشخص المسؤول عن رسم هذه السياسات».