أكثر الأشياء التي أكرهها في حياتي هي الزواحف والقوارض. فشِلّة «أبو بريص» و«إم أربعة وأربعين» و«الفئران» وغيرها هي من الكائنات التي أحتقرها بشدّة، لكن ما أحتقره أكثر من كل هذه المجموعة هو «الجردون»، أي الجرذ، بلغة سيبويه. فالجرذ، هو سبب وباء «الطاعون» الخطير الذي قضى على ربع سكان العالم إبّان الحرب العالمية الأولى، والذي لشدّة فتكه استخدمه اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية من خلال تطوير سلاح بيولوجي يعتمد على الطاعون لنقل المرض إلى الأسرى الصينيين والكوريين لديهم، وأيضاً هو المرض الذي قلّص عدد سكان مصر من ثمانية ملايين إلى ثلاثة ملايين عام 1805!ومع ذلك، إن أردتُ أن أذهب إلى مخيم شاتيلا، فعليّ أن أعقد الصُلح مع الجرذان، لأنني ببساطة سأصادفها بجانب «بناية جيش التحرير» عند مدخل المخيم، وقد تمشي معي أيضاً في الزواريب حتى أصل إلى بيت أحد أصدقائي هناك. لا يمكنني أن أصرخ عليها أو أن أهرب منها، فكرامتها ستجرح، وستنتقم مني إذا استشرست، فلماذا أُعرّض نفسي لعضّة «جردون» وأنا في أوّل عمري؟ أأنا ناقصة «طاعون» مثلاً؟ عليّ أن أمشي وأنا مترقّبة، وخاصةً اذا غادرت المخيم في وقت متأخّر. «ويا عين» اذا كانت الكهرباء مقطوعة، هنا سأعيش حياتي في فيلم رعب أكون فيه أنا الضحية، و«الجردون» هو «فرانكشتاين» أو «هانيبعل» آكل لحوم البشر. أمشي جانب الحيط وأقول «يا الله استر عليّ كي لا يراني الجردون، اللهم اجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً»، وهو يمرُّ بجواري ويُصدر تلك الأصوات كي أعرف أنه قريب مني، ملعونٌ هو وحربه النفسية تلك عليّ! البارحة حصلت كارثة، ارتكبت جريمة اغتيال بالخطأ بحق أحد الجرذان بجوار بناية جيش التحرير، وأنا أغادر المخيم بالسيارة. «كأني دعست جردون!» قلتُ بقلق لصديقي، فرد بقوله «منيح، خدمتي المخيم وريّحتيه من واحد!»، لكن، تخيّلوا لو رأتني عصابة الجرذان، وكانت هي تفهم ما حصل. من المؤكد أنهم كانوا سيُعلنون الحرب عليّ، ويستهدفونني كما استهدفت زعيمهم «الجردون الأكبر»، يا ويلي، الحمد لله أن الجرذان لا تفهم!
شاتيلا، عاصمة كل مخيمات الشتات، تعاني أزمة حادة بانتشار الجرذان والفئران، تلعب مع أطفالها في أزقّة المخيم، تنام على مداخله قريرة العين في الليل، و «تسرق» من نفاياتها الطعام أوّل النهار، وبالطبع لا حياة لمن تنادي. لا لجان لتكافح هذا الوباء، ولا تنظيمات تبالي بالمشكلة الخطرة! «حبيبي أبو سمرا»، هو لقب أطلقه على كل جرذ صادفته وسأصادفه في شاتيلا، لأنني لا شك سأصادقه وسأعيش معه «على الحلوة والمُرة» برضاي أو «غصباً عني»!