يبدأ اليوم ماراثون أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، وسط دعوات الى تأجيلها لظروف أمنية، ومحاولات استقطاب من قبل تيارات سياسية تطالب بإجرائها في موعدها، بوصفها أول استحقاق انتخابي بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت نظام حسني مبارك، بينما تتصاعد أصوات قليلة لإلغاء الانتخابات حتى تنقل السلطة في مصر إلى حكومة إنقاذ وطني مدنية لها صلاحيات واسعة. اللجنة العليا للانتخابات أكدت أن عدد المسموح لهم بالتصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات يصل إلى 17 مليون ناخب، يتوزعون على 9 محافظات، في مقدّمها القاهرة والإسكندرية، بهما 16 دائرة للقوائم و28 للفردي، ويشرف عليها 9000 قاضٍ وتتم في 3294 مركزاً انتخابياً.
وحسب قرار اللجنة، فإن التصويت سيجرى على يومين بدلاً من يوم واحد، على أن يبدأ في الثامنة صباحاً وينتهي في السابعة مساء، ويستأنف ثانية غداً الثلاثاء كيوم ثانٍ للتصويت، وهو الأمر الذي حذر منه مراقبون، تخوفاً من حدوث حالات تزوير لمصلحة عدد من المرشحين. كذلك حذر بعض القضاة من ترك الصناديق بعيداً عن إشرافهم لليوم التالي يخالف شروط الإشراف القضائي التي أقرتها محكمة النقض في الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية، فيما عقدت حكومة تسيير الأعمال اجتماعاً طارئاً أمس، برئاسة عصام شرف، لمتابعة الاستعدادات النهائية لإجراء الانتخابات. وبحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط، فإن الحكومة ناقشت «ما يتعلق بتأمين المقارّ الانتخابية».
إلا أن المفارقة الغريبة في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير، هي حالة التشتت التي يعانيها الناخب المصري، إلى درجة أن أغلب الحوارات الجانبية في وسائل المواصلات العامة تتناول هذه القضية، وكيفية الانتخاب، ومشاركة أعضاء في النظام المخلوع بالانتخابات البرلمانية، وكبر الدوائر الانتخابية بالنسبة إلى القوائم، وسط تساؤلات حول كيفية إجراء أول انتخابات بعد الثورة تحت حكم العسكر بصفة مباشرة. وفي نهاية كل نقاش، يودع المحاور من معه بالقول «والله ما حد فاهم حاجة».
فالمطالبون بتأجيل الانتخابات يرون صعوبة إجرائها في ظل حال الانفلات الأمني الذي تعانيه البلاد، والغياب الملحوظ لأفراد الداخلية، ويؤكدون عدم قدرة القوات المسلحة على تأمين المقار الانتخابية لأنه خارج عن تخصصها.
تحالف «الثورة مستمرة»، الذي يضم ائتلاف شباب الثورة، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والتيار المصري، ومصر الحرية، والمساواة والتنمية، وحزب الاشتراكي المصري، وعدد آخر من الأحزاب أصدروا أمس بياناً مشتركاً طالبوا فيه «بتأجيل الانتخابات لمدة أسبوعين فقط لحين تشكيل الحكومة الجديدة ولكي تتم الانتخابات في أجواء هادئة وآمنة». وأكدوا «دعم التوافق الذي نبع من ميادين مصر حول تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني التي ارتضاها الميدان، على أن تكون لها كل الصلاحيات السياسية وتكون مهمات هذه الحكومة الرئيسية الأمن والاقتصاد وإجراء الانتخابات».
كذلك أكد المطالبون بالتأجيل مشاركتهم في الانتخابات حتى وإن رفض المجلس العسكري طلبهم بتأجيل الانتخابات، خوفاً من سيطرة تيارات بعينها على المجلس المقبل.
في المقابل، التيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها كانت من أشد المطالبين بأن تكون الانتخابات في موعدها، بغض النظر عن أي ظروف. الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد سعد الكتاتني، حث الشعب المصري على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، لافتاً إلى أهمية الصوت الانتخابي في تلك المرحلة من تاريخ مصر.
بدوره، دعا مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع اليوم والتصويت «حفاظاً على الثورة ومكتسباتها».
على المنوال نفسه، أصدرت الجماعة الإسلامية بياناً حثت فيه جموع الشعب المصري على المشاركة في الانتخابات «بجدية وفاعلية وأداء هذا الواجب الوطني»، ورفض «ديكتاتورية التحرير»، منتقدةً الدعوات المنادية باستمرار التظاهر قبيل الانتخابات وأثناءها واعتبرتها محاولات لتعطيلها.
أما المفتي المصري، علي جمعة، فدعا المصريين إلى التكاتف من أجل إنجاح العملية الانتخابية لأنها «أولى الخطوات في اتجاه الاستقرار السياسي والاقتصادي وبناء مؤسسات الدولة المصرية في عصرها الجديد»، وانتقد استغلال بعض المرشحين دور العبادة والدعاية لأنفسهم، مشيراً إلى أن «عالم الدين ينبغي أن يظل بعيداً عن السياسة بمعناها الحزبي الضيق، وأن يترك الاختيار للشعب». ولم يفت المفتي أن يفتي بأن الخروج إلى التصويت واجب شرعي، قائلاً «أصواتكم أمانة فاعطوها لمن يستحقها»، منتقداً ظاهرة شراء الأصوات التي ترافق الانتخابات المصرية دائماً.
وعلى خطى جمعة، دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، في مؤتمر صحافي عقده في مشيخة الأزهر عقب لقائه أحمد الطيب، المصريين إلى عدم التقاعس عن تلك اللحظة التاريخية «لأنها فارقة في حياة مصر». وشدد على «ضرورة الجهاد لهذه المهمة لأنها فريضة وضرورة وواجب ينص الدين عليه»، مطالباً الناخبين بعدم الانسياق وراء دعوات بيع الأصوات.
وإلى المعتصمين بميدان التحرير، قال القرضاوي «لا تجعلوا اعتصامكم يمنعكم عن المشاركة في الانتخاب، حتى نبني هذه الأمة».
وفيما أكد عدد كبير من الموجودين في ميدان التحرير معارضتهم إجراء أي انتخابات في ظل حكم العسكر، مشددين على انعدام الثقة بالحاكم الذي قتل الثوار في ميدان التحرير، ومصرين على رفض مطالبهم بنقل السلطة إلى مدنيين، خرج محافظ القاهرة عبد القوي خليفة، أمس، ليعلن أن اللجان الانتخابية، الواقعة في النطاق الجغرافي الذي يضم ميدان التحرير، ومبنى وزارة الداخلية، ستكون جاهزة لاستقبال الناخبين صباح اليوم، بعد تعهد القوات المسلحة ووزارة الدخلية بتأمينها بالكامل.
وشدد في تصريحاته على أنه «لا تعديل في خريطة توزيع اللجان الفرعية بالمدارس على مستوى المحافظة»، لتبقى المشاركة في عملية الاقتراع رهناً بقرارات الناخبين المصريين الذين سيحظون اليوم بفرصة التصويت لأول مرة منذ عام 1981 بعيداً عن عهد حسني مبارك.