صحافيون فرنسيون وإيطاليون وبلجيكيون توجهوا الى سوريا بين 12 و17 تشرين الثاني الجاري، بغية القيام بجولة على المدن والبلدات وزيارة المناطق الساخنة منها. بعضهم مرتبط بمؤسسات كاثوليكية إنسانية أو دينية، والبعض الآخر يعمل في شبكات إعلامية وصحف ومواقع إلكترونية أوروبية معروفة. وبعد الجولة في دمشق وحمص وبانياس والقصير، عاد الكلّ الى بلاده مصدوماً بالفرق الشاسع بين الصورة التي تلقاها على مدى أشهر من خلال الإعلام السائد وبين الواقع الفعلي.
من بين المشاركين في الوفد مصوّر ومراسلة «راديو وتلفزيون بلجيكا الفرنكوفوني» RTBF. فرنسواز والماك، تعمل في الشبكة البلجيكية وهي صحافية منذ 25 سنة. والماك تقول لـ«الأخبار» إنها أعدّت تقريرين عن جولتها في سوريا وبثتهما على RTBF و«الناس هنا كانوا مصدومين ولم يصدقوا ما سمعوه!». الصحافية البلجيكية، تروي عن «الرعب المتغلغل بين الناس» الذين التقتهم في حمص والقصير. «السكان خائفون من الخطف، ومن القتل، وهم مروّعون، والجنود أيضاً مستهدفون، الأمر معقّد كثيراً هناك». والماك، التقت في حمص إحدى النساء التي تعرضت لعملية خطف والتي تقول إن «من اختطفها رجال ذوو لحى طويلة». وفي المشفى الأهلي، شرح آخرون للصحافية «أن القتلة يرتدون ملابس القوى الأمنية، وبعضهم يتكلم لهجات غير سورية».
وفي المستشفى العسكري، لاحظت «أن بعض الجنود وبعض عناصر الأمن بثياب مدنية قتلوا بأسلحة ثقيلة وبالرصاص، والبعض الآخر قطعت أصابعهم». لكن ما أثار دهشة الصحافية هو «الحياة شبه الطبيعية» التي تعيشها مدينة حمص في النهار، «معظم المحال مفتوحة، والناس يتجولون في الطرقات، لكن الكل يلزم المنازل مع بدء غياب الشمس»، تقول «وقد نصحنا السكان بعدم التجوال في الشوارع بعد الساعة الخامسة». والماك لاحظت أيضاً أنه خلال تجوالهم في أحد الأحياء ذي الغالبية العلوية، «خرجت تظاهرات تلقائية بين الناس مؤيدة للرئيس بشار الأسد تصرخ بشعار «بشار احمنا»، وعلى جدران بعض الشوارع طليت شعارات معارضة بالأسود».
أما في القصير، وخلال زيارتها إحدى العائلات المسيحية، روى لها أفراد العائلة «إنهم تلقوا رسائل هاتفية تهديدية إذا ما رفضوا النزول الى الشارع والمشاركة في التظاهرات المعارضة»، وأردفوا «وعندما رفضنا المشاركة، عمد المسلحون الى قتل شقيقنا». والماك تذكر أن الوفد تعرّض لإطلاق نار مباشر خلال وجودهم في القصير، «لكن من جهة غير محددة». ألم يكن أحد يؤمّن لكم الحماية؟ نسألها، فتجيب «لا، كنا وحدنا مع الأم أنياس مريم الصليب فقط»، وتضيف «لكن بعدما تعرضنا لإطلاق نار، رافقَنا عناصر من الجيش». الصحافية البلجيكية، التي شاهدت أيضاً تظاهرات مؤيدة للنظام في دمشق وجالت بين المتظاهرين، تخلص إلى أن «جزءاً كبيراً من الشعب السوري ما زال يؤيد الأسد، لكن على الرئيس أن يسمح للإعلام بالدخول الى سوريا ونقل الواقع كما هو لأن منع الصحافيين الآن هو أمر انتحاري».
مصوّر القناة البلجيكية، الذي رافق فرنسواز في جولتها، جان فرنسوا فوكرد، يقول إن «الشهادات التي سمعها من الناس أهمّ من الصور التي استطاع التقاطها خلال الجولة ... وخصوصاً أنهم عبّروا جميعاً عن خوف عميق يعتري نفوسهم». المصوّر الصحافي يشير الى أنهم «لم يلتقوا أي تظاهرة معارضة سلمية في المدن التي زاروها. وقد شهدوا على واحدة فقط كانت سريعة كالـ Flash mobs تقوم بها مجموعات معارضة لدقائق ثم تتفرق سريعاً ... في حين شاهدنا الكثير من التظاهرات المؤيدة للرئيس الأسد».
فوكرد، عبّر عن استيائه من «التحريف الذي يقوم به الإعلام الغربي للواقع السوري»، ويصف وسائل الإعلام الأجنبية بـ«النمطية التي تبث رسائل محوَّرة». «كل ما وصل إلينا من ذلك الإعلام على مدى الأشهر الماضية كان عبارة عن مشهد واحد ورسالة تقول إن دبابات الجيش السوري تسحق المتظاهرين السلميين»، «لكن هذا ليس ما شاهدناه على أرض الواقع»، يختم المصوّر.
أما المفاجأة الكبيرة والصدمة بين ما ينقله الإعلام الغربي عن الأحداث السورية وما يجري على أرض الواقع، فقد عبّر عنها الصحافي الفرنسي الذي رافق الوفد مارك جورج. صاحب موقع Medialibre الإلكتروني الفرنسي، تلقى صدمته الأولى عندما وصل الى العاصمة دمشق «التي تخلو من أي مظاهر أمنية مكثفة»، إذ لاحظ «أن عدد عناصر الشرطة الموجودين في باريس يفوق عدد المنتشرين في دمشق!». جورج الذي قصد الأسواق والحانات الدمشقية ليلاً، اختلط بالسكان وتحدّث الى الكثيرين منهم وهو يستنتج أن «ثلثي السكان مع بشار الأسد وثلثاً يعارضه، وهؤلاء مفتونون في غالبيتهم بالنموذج الأميركي للحياة ويرغبون في تحقيق أرباح مالية سريعة في أعمالهم اليومية، كما يطالبون بحريات أكثر». وعن الحريات يتحدّث جورج قائلاً، «صدمتي الثانية كانت بتمكّني من مناقشة الأمور السياسية بصوت عال مع روّاد الحانات والمقاهي المكتظة في العاصمة»، «كما لو كنت في أي مقهى باريسي» يردف جورج.
أما عن حمص وبانياس، فيروي الصحافي أن «الأجواء والآراء مشحونة أكثر هناك، وخصوصاً أن أمواتاً يسقطون كل يوم». جورج ينقل عن سكان حمص وبانياس «تخوفهم الشديد من الانجرار الى حرب أهلية كانت حتى الماضي القريب غريبة عن واقعهم وبعيدة عنهم». هو يقول إن المواطنين يخافون أن «يقتلوا على أيدي الجهاديين»، ويشير الى أن الاعتقاد السائد هو أن «ميليشيات مسلحة تستهدف الجيش، وهي تتحصّن وراء المدنيين المسالمين». جورج يقول إن «النظام السوري يحاول الآن أن يقسم المتظاهرين ويفرّقهم، لكنه لا يحاول قتلهم». جورج يكرر ما أكّده زملاؤه الصحافيون بأنهم «لم يحظوا بأي مواكبة رسمية أو من عناصر استخبارات»، ويضيف «في بعض الأحيان، كنا بحاجة فعلياً إلى مرافقة أمنية للحفاظ على حياتنا، لكننا لم نحظ بها وكنا مسؤولين عن أمننا الشخصي». وهل تدخّل أحد بعملكم أثناء الجولة أو خلال مقابلة الأهالي؟ يجيب جورج «لا، لم يتعرض أحد لنا. وزارة الإعلام والجهات الأمنية كانت تعرف أماكن وجودنا، لكن لم يعطنا أحد أية توجيهات ولم يراقبوا عملنا أبداً».
وعن التغطية الإعلامية التي تقوم بها وسائل الإعلام الغربية حول الأحداث السورية، يبدي جورج امتعاضاً من «تغطية بروباغندية ينفذها الإعلام الغربي، ما يذكّرني بتغطية حرب الخليج الأولى». «علّة تلك التغطية أنها تعتمد على مصدر واحد لأخبارها وهو المعارضة السورية في لندن، التي تنشر أعداد القتلى في صفوف المعارضين»، يشرح الصحافي. ولكن النظام السوري يمنع الصحافيين من دخول سوريا وتأدية مهماته، يعلّق جورج «حتى لو سمح النظام للإعلام بالدخول، فإن تغطيتهم ستبقى كما هي، لن يتغير الكثير، لأن وسائل الإعلام تلك تتحرك وفق أجندة مصالح ووفق سياسة بروباغندية مرسومة مسبقاً».