القاهرة | «برلمان ما برلمانشي، برلمان العسكر لازم يمشي» و«اللي باعك في الميدان، بكرا يبيع في البرلمان»، عبارتان هتف بهما الميدان يوم أمس، فانتشرا كسحر بين ثوار التحرير. إذاً هي رسالة ميدان التحرير الرافضة لإجراء الانتخابات قبل تشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور، واختيار حكومة إنقاذ وطني. الآلاف الذين أفلحت أمطار أول من أمس في تقليل أعدادهم، لم يفلح ضجيج اليوم الأول لانتخابات مجلس الشعب، في التقليل من عزائمهم الرافضة لانتخابات هزلية، يشرف عليها «مجلس عسكري فاقد للشرعية، وسارق لثورة الشعب، وقاتل للثوار»، حسب مراد محمود، الذي وقف يوزع منشوراً، لكل من يزور خيمته في قلب الميدان. يضحك عيسى عبد الستار، الشاب الصعيدي، العاطل من العمل، الذي جاء من أسيوط، ليدافع عن أشقائه الثوار، في التحرير. يكشف عن مكان الرصاصة التي أصابت كتفه اليسرى، يوم جمعة الغضب (في 28 كانون الثاني الماضي). ويقول إنه «لا برلمان قبل وضع الدستور، واختيار حكومة إنقاذ، يترأسها رجل شريف من اختيار الشعب. لا المجلس العسكري، وغير هذا، سوف ندفن هذا البرلمان، كما دفنت الثورة برلمان الفلول».
يرفض عيسى حكومة كمال الجنزوري، ويقول إنه قبل يومين بات ليلته عند شارع مجلس الوزراء، الذي يتخذه الثوار مقراً لمنع وصول الجنزوري إلى هناك. ويضيف «الجنزوري مات من سنين. كان الأولى أن يختار المجلس العسكري رئيس وزراء ميتاً منذ فترة قريبة». ويقول «الانتخابات الحالية هي محرقة لإرادة الثورة الشعبية، عبر انتخاب برلمان، نصفه من الفلول، ونصفه الآخر من الإسلاميين والإخوان الذين باعوا الثوار».
ووزعت حركة «امسك فلول» بياناً يفسر لثوار الميدان أن المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات استبعدت «القضاة الشرفاء من تيار استقلال القضاء من الإشراف على الانتخابات عقاباً لهم على فضحهم تزوير انتخابات 2005، ما يحمل معنى لا يخفى على أحد. ولا يزال أساتذة التزوير بوزارة الداخلية يشرفون على الانتخابات، ويباشرون عملهم، وستبيت الصناديق في أحضانهم ليلة كاملة، بحجة الحماية، ولا يكفي أن يختم القضاة الصناديق بالشمع الأحمر، لسهولة نزعه وتزوير أوراق الانتخاب وإعادة وضعه مرة أخرى».
أما سكان الميدان، الذين ردّدوا وراء أحدهم «يا بلدنا ثوري ثوري. لا طنطاوي ولا جنزوري»، رأوا أن «البرلمان المقبل هو مجرد ديكور للمجلس العسكري الاستبدادي الذي لن يحكم مصر طالما أن هناك ثواراً في الميادين»، وهو في نظر شخص، رفض ذكر اسمه، «حكاية أقرب إلى مهزلة الاستفتاء الذي أشرف عليه المجلس العسكري وجماعته»، قاصداً بذلك جماعة الإخوان المسلمين. في حين قال آخر إن المجلس العسكري «سارق لـ 24 مليار دولار، كانت في خزانة الدولة، بعد سقوط الديكتاتور مبارك، راحت فين؟ والمجلس متورط في قتل الثوار في شارعي محمد محمود وماسبيرو، يعني أنه مجلس فاقد للشرعية، يشرف على برلمان حرامية». وتبادل الثوار نكتتهم الرائجة «ما اجتمع صندوق والعسكري، إلا كان الشيطان ثالثهما».
لافتة البرلمان الشعبي، التي ظلّلت عدداً من الثوار، من فئات عمرية مختلفة، شهدت عدّة نقاشات بين الثوار عن الانتخابات، لكنّهم اتفقوا على ضرورة المحاكمات الثورية لكل رموز النظام السابق، وتنحية المجلس العسكري عن السلطة، ومحاكمة قتلة الثوار من قبل الشرطة والشرطة العسكرية، ورفض حكومة الجنزوري.
وعلى مقربة من البرلمان الشعبي، وقف الشباب يؤمّنون مداخل شارعي قصر العيني وقصر النيل، اللذين شهدا توافد الثوار بعد ظهر أمس. وعلى البوابة الحديدية لمدخل مبنى مجلس الوزراء، علق الثوار، الذين احتلوا الشارع الفاصل بين مجلسي الشعب ومبنى الحكومة، لافتة ورقية تقول «بأمر الثورة: مغلق لحين إسقاط النظام»، فيما قامت مجموعة من الشباب بتشكيل حكومة افتراضية، يترأسها الجنزوري وأربعة عشر وزيراً ميتاً، أبرزهم: فاروق سيف النصر للعدل، والمشير أبو غزالة للدفاع، وأنيس منصور للثقافة «على أن تعقد أول جلسات هذه الحكومة في مقابر البساتين».