«هي ليست ثوراتنا. لسنا من أطلقها، وهي لم تقم من أجلنا ولا ضدنا، لكن لنا دوراً فيها بالتأكيد»، هكذا تحدّثت وزيرة الخارجية الاميركية، هيلاري كلينتون، عن ثورات العالم العربي في حفل توزيع جوائز الديموقراطية من «المعهد الوطني الديموقراطي» الأميركي بداية الشهر الماضي. في خطابها، حاولت هيلاري كلينتون الاجابة عن أسئلة قالت إنها سمعتها خلال جولاتها على دول المنطقة حول علاقة الولايات المتحدة بتحركات «الربيع العربي».

«لدينا مواردنا وقدراتنا وخبرتنا في تقديم الدعم لمن يسعى إلى إصلاح جدي سلمي وديموقراطي»، أشارت كلينتون، وأضافت «مع كل الاحتمالات الممكنة من أن تحدث أمور خاطئة أو صائبة، لا يمكننا تحمّل تفويت فرصة الاستثمار في الديموقراطيات الناشئة في العالم العربي». ومع التشديد على أن «للولايات المتحدة مصلحة وطنية فعلية بتغيير ديموقراطي حقيقي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا»، شرحت كلينتون كيف أن «معادلة التطور أو الاستقرار التي فرضتها الانظمة الديكتاتورية وقبلتها الولايات المتحدة، تحولت الى معادلة جديدة هي الاصلاح أو الاضطرابات».
وفيما دافعت وزيرة الخارجية عن دعم الولايات المتحدة للثورات في دول عربية دون اخرى، قالت إنها أوضحت للمملكة العربية السعودية بأن الاتجاه نحو الديموقراطية بات جزءاً ضرورياً من المستقبل. كلينتون أعلنت أيضاً موقفاً متعاوناً وغير رافض لوصول بعض الإسلاميين الى الحكم. وقالت «ليس كل الاسلاميين متشابهين. تركيا وإيران مثلاً يحكمهما حزبان دينيان لكن النظامين مختلفان جوهرياً في النماذج والتصرفات». كلينتون أردفت «أن على جميع الاحزاب دينية كانت أم علمانية أن تحكم بنحو صائب لا لتكسب ثقتنا فحسب بل لتثق شعوبها بها من أجل الحفاظ على حقوقهم المنتزعة بعد جهد». «الولايات المتحدة ستتعاون مع الحزب الاسلامي الذي فاز في الانتخابات التونسية أخيراً لأن ما يجمعنا هو إحلال نظام ديموقراطي حقيقي في تونس»، شرحت كلينتون.
كلام وزيرة الخارجية عاد ليفتح باب الانتقادات والمخاوف والاسئلة العالقة من قبل بعض المحللين الاميركيين الذين كتبوا طوال الشهر الفائت حول موضوع علاقة الولايات المتحدة والربيع العربي. ومن بينهم نتوقف عند روبرت م دانين، في مجلس العلاقات الخارجية. دانين انتقد كلام كلينتون عن تعاون الولايات المتحدة مع الاحزاب الاسلامية في المنطقة، وقال إن «الشعوب العربية ستفهم من كلام كلينتون أن الولايات المتحدة تدعم الأحزاب الاسلامية». فهل ما أعلنته الوزيرة يعبّر عن تحوّل كبير وأساسي في السياسة الاميركية تجاه الاحزاب الاسلامية؟ يسأل المحلل الاميركي. دانين يشير الى أن البعض يرى «أن ذلك التحوّل قد حصل فعلاً بعدما أعلنت الولايات المتحدة رغبتها في فتح قنوات الاتصال مع الاخوان المسلمين في مصر وأيضاً بعد صفقة الأسير الاسرائيلي لدى حماس جلعاد شاليط».
لكن الكاتب يسأل «لماذا أطلقت كلينتون تلك المواقف في هذا التوقيت بالذات علماً أن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية كان قد أعلنها الرئيس الاميركي في أيار الماضي». ويتابع «لماذا لم توضح كيف ستتصرف الادارة الاميركية تجاه إيران وسوريا؟ وما هي الخطط المستقبلية التي ستعتمدها الولايات المتحدة لدعم التغيير في تلك المنطقة؟».
وخلال الشهر الماضي، أثارت طروحات المرشحين الجمهوريين للرئاسة موجة كبيرة من التخوف والانتقادات، إذ أظهرت جلسة حوارية متلفزة بينهم، جهلاً كبيراً في السياسة الخارجية الاميركية وعودة صاروخية الى نظريات جورج والكر بوش المتطرفة والداعية الى الحرب. ريك بيري قال مثلاً إنه «سيفرض حظراً جوياً على سوريا عند تسلمه الرئاسة»، وهيرمن كاين أعلن أنه «سينضم الى إسرائيل في هجومها على إيران».
من جهة اخرى، أعدّت مجموعة من المتابعين الاميركيين والعرب في معهد «بروكينغز» كتاباً بعنوان «النهضة العربية: الولايات المتحدة وتحوّل الشرق الاوسط» وأقاموا جلسة نقاش حوله منتصف الشهر الماضي. وفي مقدمة الكتاب يشرح كينيث بولاك كيفية «فهم النهضة العربية»، ويقول إن البعض «داخل المنطقة العربية لم يفهم بعد ما فرضه الامر الواقع من تغيير آت لا محالة»، ويضيف «لسوء الحظ، لا تملك الولايات المتحدة ترف الانتظار ريثما تستوعب هي ما الذي جرى أيضاً». بولاك ينتقل الى شرح الاسباب التي أدت الى إطلاق التحركات في العالم العربي، ويعدد «الاقتصادية منها والتأخر في النظام التعليمي وعدم تطوير الفكر الشاب إضافة الى ضيق آفاق العمل وتراكم القمع». وعند تطرقه الى الأنظمة الملكية التي لا تزال قائمة، يشير بولاك الى أن «بعض الممالك العائلية تحظى بشعبية عند شعوبها مثل المملكة العربية السعودية وعلى رأسها الملك عبد الله بن عبد العزيز»، ويضيف أن «ردّ الفعل السعودي حول التحركات الشعبية كان بتوزيع المال على مواطنيها وعلى بعض الانظمة الاخرى» بغية إخمادها.
أما حول «المصالح الاميركية والربيع العربي»، فيشير بولاك الى أن ما كانت «تردده الولايات المتحدة خلال عقود عن أن مصلحتها الأساسية في الشرق الاوسط هي تحقيق الاستقرار هو مجرّد كذبة». ويردف «النفط هو المصلحة الاميركية الاولى في المنطقة». لذا، يشرح بولاك، فإن المساعي الاميركية كانت تصب في كيفية الحفاظ على سعر النفط في السوق، إضافة الى حماية أمن إسرائيل واستقرارها. «لكن الولايات المتحدة، قد أساءت التصرف، في سعيها إلى الحفاظ على «ستاتيكو» ليس فقط بين دول المنطقة بل داخل تلك الدول أيضاً»، يضيف المحلل. «لذا، عسى التحركات الشعبية في المنطقة تكسر النظرة الاميركية للمنطقة، لأن التغيير آت شاءت الولايات المتحدة أم أبت»، يقول بولاك. ويشرح كيف «دفعت الولايات المتحدة ثمن عدم تطبيق قيمها الديموقراطية والانسانية في المنطقة العربية خوفاً على مصالحها».
لكن بولاك يخلص الى القول إن «التصادم بين مصالحنا القريبة والبعيدة المدى في المنطقة ستستمر، وخصوصاً أن عدداً من الانظمة لن يسقط مباشرة كما فعل نظام حسني مبارك، بل ستأخذ فترة طويلة لتطبيق الاصلاحات». وفي ما يشبه تبريراً للولايات المتحدة، يقول بولاك «إن بعض الانظمة العربية لا تزال مترددة بالقيام بالاصلاح، وهي ستقاوم الضغوط الاميركية لتنفيذها. لكن الولايات المتحدة ستحتاج الى تلك الدول بالذات لمساعدتها على تحقيق أهدافها في المنطقة كإحلال الاستقرار في العراق وتونس ومصر وليبيا، الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي، الابقاء على أسعار النفط منخفضة، احتواء انتقال عدوى الحرب الاهلية في اليمن وسوريا، والضغط لدفع محادثات السلام الاسرائيليين والفلسطينيين».
لكن، خطايا الولايات المتحدة في التعامل مع دول الربيع العربي ظهرت جلية في مداخلة مارتن إنديك، خلال محاضرة ثانية لمعهد «بروكينغز» بعنوان «سياسات أوباما في الشرق الاوسط». إذ قال إنه «طالما تجاهلت الولايات المتحدة مبادئها الداعية للحرية والديموقراطية والعدالة في تعاملها مع دول العالم العربي، وذلك بغية تحقيق مصالحها». وأضاف «لكن إدارة باراك أوباما استطاعت اللعب بين مصالحها ومبادئها في كل من ليبيا والبحرين والسعودية وسوريا»، مفضلة في بعض الاحيان الحفاظ على مصلحتها أكثر من دعم مبدأ حق الشعوب بالحصول على حريتها.



السياسة الخارجية لصالح أوباما


مايكل كوهين في مجلة «فورين بوليسي»
، يشرح كيف من الممكن للرئيس باراك أوباما أن يستغل السياسة الخارجية الأميركية في حملته الانتخابية. يقول كوهين إن المرشحين الديموقراطيين لم يعتمدوا تاريخياً على عامل السياسة الخارجية في حملاتهم، لكن رغم إلحاح المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة، وخصوصاً الاقتصادية منها، هل يغير أوباما العادة ويسلط الضوء على إنجازاته خارج الحدود الاميركية؟ يسأل كوهين، ويعطي أمثلة على بعض «الانجازات» التي قد تؤثر في قرار الناخبين مثل: التخلص من أسامة بن لادن، الانسحاب من العراق، المساهمة في إسقاط معمر القذافي... لذا، يستنتج كوهين أن موضوعي السياسة الخارجية والأمن القومي يمكن أن يشكلا نقاطاً إضافية للمرشح الديموقراطي. الكاتب الاميركي يشير الى أن استطلاعات الرأي تبيّن تقدّم أوباما عند المواطنين الاميركيين أكثر لكونه «قائداً قوياً» و«لمكافحته للارهاب»، و«للحفاظ على أمن الولايات المتحدة».