إسطنبول | بدأت التداعيات السلبية للعقوبات الاقتصادية التركية والسورية المتبادلة بالظهور على طرفَي النزاع، مع اعتراف حكام أنقرة، بطريقة غير مباشرة، بأنّ السبب الحقيقي لفرضهم عقوبات على سوريا هو معرفتهم بأنّ نظام الرئيس السوري «لا يمكنه الصمود اقتصادياً أكثر من عام واحد». ولأنّ الحدود السورية هي الأطول بالنسبة إلى تركيا (تناهز 900 كيلومتر)، فقد كان من الطبيعي أن تكون سوريا البوابة الاقتصادية لدخول تركيا ببضائعها إلى العالم العربي. لذلك، فإنّ السعي التركي منصبّ حالياً على إيجاد طرق بديلة لوصول الشاحنات التركية إلى الدول العربية من دون المرور بسوريا، في موازاة فرض عقوبات تركية جديدة على دمشق رداً أيضاً على العقوبات السورية.
وقال مسؤول تركي رفيع المستوى لـ«الأخبار» إنه «بحسب تقديراتنا، لا يمكن النظام السوري الصمود اقتصادياً أكثر من عام، لكونه يستنزف قدراته المالية على قمع شعبه». ويشرح المسؤول التركي تقديرات حكومته بالتأكيد «أنها عندما تقول إن النظام السوري قادر على الصمود الاقتصادي لعام واحد، فهي لا تقصد بأن عمر النظام سينتهي بعد عام، بل المقصود أنّ العمر الاقتصادي سينتهي في هذه المدة، وبالتالي فإنّ التغيير السياسي سيصبح ممكناً في سوريا بعد انتهاء العمر الاقتصادي للنظام». وفي السياق، يقارن المسؤول التركي نفسه ما بين العقوبات الاقتصادية التي فرضتها تركيا على سوريا (تجميد أصول المسؤولين السوريين ومنع سفرهم إلى تركيا ووقف التعامل مع المصرف السوري الرسمي)، والتي أُضيف إليها أمس عقوبة جديدة أعلنها وزير التجارة حياتي يازجي وهي فرض ضريبة 30 في المئة على السلع الآتية من سوريا، مع تلك التي اتخذتها دمشق بحق أنقرة (إلغاء اتفاقية التجارة الحرة وفرض رسوم على الشاحنات التركية وفرض ضريبة على السلع التركية)، ليخلص إلى أن العقوبات التركية محصورة بأركان النظام وليست موجهة ضد الشعب السوري، بينما العقوبات السورية تضرّ بالشعب السوري، «وإن كانوا يريدون الإضرار بشعبهم، فهذا قرار يعود إليهم». اطمئنان نابع من واقع أن أكثر من عشرة في المئة من واردات سوريا في 2010 جاءت من تركيا، في حين لم تمثّل الواردات من سوريا سوى 0.3 في المئة من إجمالي الواردات التركية، وبالتالي فإنّ «سوريا ستكون المتضررة أكثر بكثير ممّا سيصيب تركيا من ضرر اقتصادي»، على حدّ تعبير وزير الاقتصاد التركي ظفر شاغليان.
غير أنّ الواقع يفيد بأنّ العقوبات السورية بحق تركيا بدأت تضر بالتجارة التركية مع باقي الدول العربية، وهي سبّبت الاستعجال التركي في إيجاد طرق بديلة، علماً بأن حجم التجارة التركية مع الدول العربية يبلغ 33 مليار دولار، وتسعى تركيا إلى إيصاله إلى 100 مليار في غضون 5 سنوات. وبحسب نائب رئيس غرفة الصناعة في أنطاكيا، رمزي غوزل، فإنّ الإجراءات السورية بحق الشاحنات التركية بدأت بالفعل تضرب قطاع نقل البضائع إلى الكويت ودبي تحديداً. ووفق غوزل، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى سوريا وإلى الدول الأخرى عبر سوريا 144 مليون دولار في أيلول الماضي، وانخفضت في تشرين الثاني إلى 94 مليون حتى قبل العقوبات السورية ضد تركيا، رغم اعتراف شاغليان بأن دمشق بدأت بالسماح للشاحنات التركية بدخول سوريا منذ أول من أمس (الثلاثاء)، بعد منعها من الدخول الأسبوع الماضي رداً على العقوبات التي فرضتها أنقرة.
واقع دفع تركيا إلى المسارعة لفتح طرق تجارية جديدة توصلها إلى دول الشرق الأوسط، وفق «خطة أصلية وخطتين بديلتين جاهزتين بالفعل لتجنّب سوريا» على حدّ تعبير الوزير شاغليان، الذي كشف أن سفن الشحن ستبدأ السفر عبر طرق ترانزيت جديدة بين ميناء مرسين في جنوب تركيا على البحر المتوسط وميناء الإسكندرية المصري ابتداءً من اليوم الخميس، إضافة إلى أن الشاحنات التركية ستبدأ العبور إلى العراق ولبنان بدلاً من سوريا. ورأى الوزير التركي أنه «بمجرد أن بدأنا تنفيذ الخطوات (لفتح ممرات جديدة) مساء يوم الثلاثاء، بدأت الحكومة السورية على الفور السماح لشاحناتنا بالمرور»، في إشارة إلى توقف نحو ألف شاحنة تركية منذ 5 أيام على معبر باب الهوى الحدودي مع سوريا. وقال الوزير التركي «لدينا ثلاثة طرق عبر الإسكندرية وبيروت والعراق، ومن الممكن أن يكون هناك رابع عبر قناة السويس». سياسياً، كانت الأجواء بين دمشق وأنقرة أكثر راحة من الأوضاع الاقتصادية، إذ شدد دبلوماسي تركي لوكالة «فرانس برس» أن تركيا «لا تسمح بأي هجوم على دول أخرى انطلاقاً من أراضيها»، وذلك رداً على إعلان دمشق أنها صدّت هجوماً «لإرهابيين» قادمين من تركيا. ونفى الدبلوماسي التركي الاتهامات السورية، لافتاً إلى أن «تركيا لا تسمح لأي مجموعة مسلحة (بشنّ هجمات) ضد دول أخرى». وفي وقت لاحق، قال مسؤول تركي في وزارة الخارجية لصحيفة «زمان» إنه وقع حادث قبل شهر على الحدود التركية ـــ السورية حين أطلق جنود سوريون النار على سوريين اثنين حاولا الهرب إلى تركيا جرى نقلهما إلى أحد المستشفيات بواسطة آليات عسكرية تركية»، موضحاً أن الحادث الذي تحدثت عنه وكالة «سانا» لا يتعلق بهذا الحادث. وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» قد ذكرت أنّ قوات حرس الحدود السورية في محافظة إدلب أحبطت يوم الاثنين محاولة تسلل «مجموعة إرهابية مسلحة» إلى داخل الأراضي السورية عبر موقع قرية عين البيضا. وقد نال التنصّل التركي من مسؤولية الحادثة التي ذكرتها «سانا» ترحيباً سورياً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، جهاد مقدسي، الذي قال في مؤتمره الصحافي في دمشق «نرحّب بأيّ تصريح تركي هدفه الحفاظ على حسن الجوار مع سوريا».