راوح السجال العربي ـــــ السوري بشأن شروط دمشق لتوقيع بروتوكول المراقبين الذين قرر وزراء الخارجية العرب ارسالهم إلى سوريا، والرد العربي على هذه الشروط، مكانه على الأقل إعلامياً في اليومين الماضيين. وبانتظار خروج «الدخان الأبيض»، استمرّت الضغوط الخارجية على سوريا، ومعها المواقف الروسية المؤيدة للنظام على وقع استمرار الأوضاع الميدانية على حالها، وخصوصاً في المناطق الساخنة كحمص. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي، في مؤتمر صحافي في دمشق، أمس، أن «الدخان الأبيض لم يظهر بعد من أروقة الجامعة العربية، ونحن لا نعتمد في ردودنا على تسريبات، والموقف الرسمي هو أن الأمين العام نبيل العربي قال إنهم يدرسون ما قدمته سوريا من طروحات منطقية بعيدة جداً عن أي شروط»، وذلك رداً على سؤال عما إذا كانت الجامعة العربية قد ردّت على التعديلات السورية على بروتوكول المراقبين.
وتابع المسؤول السوري: «نحن بانتظار هذا الدخان الأبيض إذا كانت النيات العربية سليمة، ونأمل أن تكون سليمة حرصاً على البيت والحل العربي». وتحدث مقدسي عن وجود «جهود عربية نأمل أن تكون نبيلة لمصلحة إجلاء الوضع، وأن تكون خطوة نحو طريق الحل، والموضوع ليس موضوع مراقبين، ولسنا بوارد تدويل أي شيء، ولكننا نرحب بأي مساعي حميدة من أي طرف».
وبدا أن الرد العربي على الشروط السوري لم يصدر بعد؛ إذ اقترح الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، عقد اجتماع عاجل لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، واجتماع آخر للجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية، «لتقويم الموقف السوري الجديد من بروتوكول بعثة مراقبي الجامعة إلى دمشق». وكشف مصدر دبلوماسي عربي لوكالة «أنباء الشرق الأوسط» الحكومية المصرية، أن العربي أبلغ اقتراحه إلى الدول العربية المعنية بالأزمة السورية ومن بينها قطر، لكونها رئيسة للجنة الوزارية المعنية بسوريا ورئيسة للدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية.
غير أنّ عدم صدور القرار العربي لم يمنع الأمين العام للجامعة من التنديد «بالجرائم وأعمال العنف والقتل التي تشهدها مدينة حمص وأنحاء أخرى مختلفة من سوريا». تنديد صدر في بيان، أمس، ورأى فيه العربي أن «استمرار تلك الجرائم التي أدت إلى سقوط العشرات من المواطنين السوريين الأبرياء يهدِّد الجهود العربية المبذولة لإنقاذ سوريا ومساعداتها على الخروج من المأزق السياسي الراهن وتجنب التدخل الخارجي».
وفي إطار مساعي بعض العرب، شددت الجزائر، التي تتولّى مهمة نقل الرسائل بين دمشق والجامعة العربية في الفترة الأخيرة، على ضرورة «إعطاء فرصة كاملة للمبادرة العربية لحل الأزمة وإحداث تغيير في السلطة عبر الحوار بين الحكومة والمعارضة وتجنب حرب أهلية»، بحسب وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي. وقال مدلسي أمام أعضاء في البرلمان الفرنسي في باريس، إن «سوريا تمثل قلقاً بالغاً للدول العربية التي تجد نفسها اليوم في أجواء تشبه ما يحدث قبل الحرب الأهلية». وتابع رئيس الدبلوماسية الجزائرية: «نحن اليوم في وضع نمارس فيه ضغوطاً على الحكومة السورية، ومن ناحية أخرى نتحدث مع المعارضة لتهيئة الظروف للحوار الذي لن يحدث الانتقال، فعلينا أن نعطي الفرصة كاملة لهذه المبادرة العربية». وعن المراقبين المقرر إرسالهم إلى سوريا، لفت مدلسي إلى أن المراقبين «مطلوبون لتأكيد ما يجري في سوريا، نظراً إلى أن المعلومات التي ترد منها ليست واضحة دائماً».
في غضون ذلك، جدد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عدم اعتقاده بأن تشهد سوريا تدخلاً أطلسياً مماثلاً لما حدث في ليبيا، بما أن مجلس الأمن لم يصدر، مثلما حصل في ليبيا، قراراً بتكليف حلف شماليّ الأطلسي حماية المدنيين السوريين، «حتى إنه يستحيل صدور مثل قرار كهذا بسبب الفيتو الروسي والصيني». أما وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية أليستر بيرت، فقد أكّد بدوره أن «عزلة سوريا ستزداد إذا لم يتوقف النظام عن قتل المتظاهرين»، مرحباً بقرار الجامعة العربية فرض عقوبات على الحكومة السورية.
وبالحديث عن احتمالات التدخل الأطلسي، أوضح ضابط رفيع المستوى في الحلف، لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن «الأطلسي لا يستعد للعمل ضد النظام السوري، ولا يعتزم التدخل في سوريا، كذلك فإنه لا يعد خطة طوارئ لعملية عسكرية»، مبرراً ذلك بأن «الشروط الحتمية لهذه العملية لم تنضج». ورفض الضابط الإجابة عن سؤال عما إذا ما كان الحلف ينظر بقلق إلى المعطيات العسكرية التي صدرت عن سوريا خلال الأيام الأخيرة، في إشارة إلى المناورات العسكرية، مكتفياً بالإشارة إلى أن تدخل «الأطلسي» في سوريا «مشروط بتوافق قانوني يكون عبر قرار صادر عن مجلس الأمن». في هذه الأثناء، جدّد الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، لدى تسلمه أوراق اعتماد السفير السوري الجديد رياض حداد في الكرملين، دعوته إلى حل الأزمة السورية من دون تدخّل خارجي. ورأى وزير الخارجية سيرغي لافروف أن المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا «تحتاج إلى بعض الوقت لتؤتي ثمارها مثلما حدث للمبادرة الخليجية في اليمن»، مكرراً عرض بلاده إرسال مراقبين إلى سوريا إن طلب ذلك النظام أو المعارضة أو الجامعة العربية. ومن ناحية أخرى، لفت لافروف إلى أن المراقبين المنوي إرسالهم إلى سوريا «يمكن أن يضموا مراقبين غير عرب إذا كان هذا يناسب دمشق».
ميدانياً، كان الأبرز استمرار التقارير عن تواصُل العمليات الانتقامية في حمص بين موالين ومعارضين. وبحسب وكالة «سانا»، اشتبكت قوات الأمن السورية مع «مجموعة إرهابية حاولت قطع الطريق الدولي بين حماه وإدلب، بينما فكّكت عناصر الهندسة العسكرية 7 عبوات ناسفة كانت مزروعة في محافظة حماه». وأكدت مصادر سورية اغتيال الطيار السوري برتبة مقدم قصي حامد المصطفى على أيدي مسلحين في مدينة حمص، إضافة إلى «إقدام مجموعة إرهابية مسلحة على قتل أربعة مواطنين في محافظة حماه». وأضافت المصادر أن «مجموعات إرهابية مسلحة اغتالت مدرِّساً واختطفت آخر وقتلت ثلاثة مواطنين ومثلت بجثثهم بريف حماه».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)