الرباط | كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار من يوم الأربعاء حين ورد خبر مقتضب على وكالة الأنباء الرسمية، جاءنا البيان التالي: الملك المغربي محمد السادس يعين فؤاد عالي الهمة مستشاراً له بالديوان الملكي. لم يكن الخبر عادياً على الإطلاق، فآخر ما كان منتظراً هو أن يعيد الملك صديقه الحميم إلى مكان دافئ إلى جانبه بعدما لفظته الاحتجاجات الشعبية الجارفة وطالبت برحيله عن المشهد السياسي بوصفه واحداً من رموز الفساد. تفاوتت ردود الفعل بين من رأى في القرار رسالة من الملك الى الشارع مفادها «لم أفهمكم»، وخصوصاً بعد تعيينات السفراء الأخيرة التي رآها البعض غير دستورية وبين من رأى تموقع الهمة إلى جانب الملك طبيعياً وتصحيحاً لوضع سابق كان غير صحي لمؤسس حزب «الأصالة والمعاصرة».
في هذه الأثناء، كان الجميع في انتظار ردّ فعل حزب «العدالة والتنمية»، الذي اكتسح الانتخابات النيابية الأخيرة، ولطالما كان له الهمة بمثابة «البعبع» المرعب، وحضرت الى الأذهان فوراً تصريحات زعيمهم عبد الإله بنكيران الشهيرة التي قال فيها «لا مكان للهمة والماجدي والعماري في مغرب ما بعد الخامس والعشرين من تشرين الثاني». مع ذلك كان ردّ الإسلاميين أكثر هدوءاً وصادماً، وظهر أنهم بدأوا بقبول قواعد اللعبة والتطبيع مع الواقع، بحيث أعلن القيادي مصطفى الرميد، «كنا دائماً نقول إن الهمة صديق الملك، ووضعه الطبيعي أن يكون إلى جانبه في موقع رسمي بعيداً عن النسق الحزبي والتنافس السياسي، فممارسته السياسة أثارت مشاكل كبيرة، وخصوصاً بعد خلق حزب سياسي غير طبيعي ألحق الضرر بالحياة السياسية».
أما محمد خليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب «الاستقلال»، الذي عُرف بانتقاده الدائم لرفيق دراسة الملك، فرأى أن هذه التسمية داعمة للمسلسل الديموقراطي لأن «مقام أصدقاء الملك هو العمل بجانبه وهذه أفضل خدمة يمكنهم تقديمها للبلد».
في مقابل هذا الموقف، هناك من رأى في تعيين الملك للهمة المرفوض شعبياً مستشاراً له وفي ظرف دقيقة كهذه إشارات سلبية جداً، ما يفتح الباب أمام تأويلات واسعة. ورأى الناشط الحقوقي عبد الحميد أمين التعيين استفزازاً لمطالب الشعب، قائلاً «الهمة مفسد سياسي وتعيينه مستشاراً يعني منح حصانة لمدبري الفساد السياسي، ولذلك أتوقع أن يثير تعيينه استياء في أوساط حركة 20 فبراير».
وذهبت تحليلات أخرى أبعد من ذلك، معتبرةً أنّ الملك من خلال هذا التعيين يكون قد استكمل تشكيل حكومة ظل موازية للحكومة التي يشكّلها بنكيران، هدفها إفراغ حكومة الأخير من محتواها والإمساك بقبضة من حديد بالملفات الكبرى والاستراتيجية وتحديد السياسات العامة للبلد، وهو رأي يشاطره نجيب شوقي، الناشط في حركة «20 فبراير»، قائلاً لـ«الأخبار» «بتعيينه الهمة يكون الملك قد أتم تشكيل الحكومة الفعلية في المغرب، وهي التي ستقوم بتطبيق السلطة التنفيذية للملك، مع العلم أنها حكومة خارج صناديق الاقتراع ولا تخضع للمراقبة والمحاسبة»، مضيفاً أنّ «القصر يؤسس للاستبداد القديم الجديد من خلال تعيينه لأشخاص سيشرفون على الورش السياسية والاقتصادية والأمنية الكبرى بعيداً عن الرقابة الشعبية وحتى عن رقابة البرلمان، وهذا يزكّي موقفنا من مقاطعة الانتخابات». وكان الملك قد عين في الأسابيع الأخيرة عدداً من الشخصيات الوازنة مستشارين له في الديوان الملكي، شأن عبد اللطيف المنوني ومصطفى الساهل وعمر عزيمان وياسر الزناكي.
لجهة الهمة، الرجل القوي، فإن أول ردّ فعل له على هذا التعيين، الذي كان بمثابة هدية عيد ميلاد، بما أنه من مواليد 6 كانون الأول 1962، كان الاستقالة من حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه ليتفرغ لمسؤوليته الجديدة.
ورأى مراقبون أن هذا الأمر مثّل نهاية لعلاقة رجل «المخزن» القوي بالحزب، وانطلاقة جديدة لحزب «الأصالة والمعاصرة» كحزب عادي وهو الذي كان يعرف بحزب «القصر». ورأى المحلل السياسي محمد ضريف أن «تعيين الهمة في هذا المنصب يعني فك ارتباطه نهائياً بحزب الأصالة والمعاصرة، وأن تعيينه جاء لرد الاعتبار له بعد الهجمات التي تعرض لها في مسيرات 20 فبراير» .
وفي نبذة مقتضبة عن المحطات الأساسية في حياة الهمة، فقد كان رفيق الملك في تعليمه في «الكوليج المولوي». استقال فجأة من وزارة الداخلية في 2007، ظفر بعدها بمقعد في البرلمان ثم أسس حركة لكل الديموقراطيين وانتهى بتشكيل حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان موجهاً للوقوف في وجه الإسلاميين.