■ بعد مضي نحو تسعة أشهر على بداية الأحداث السورية، هل توافق على الرأي الذي يقول إن المعارضة باتت مقسمة إلى قطبين رئيسيين هما: المجلس الوطني، وهيئة التنسيق الوطنية، مع غياب الدور الفاعل للمعارضين المستقلين على الأرض؟
- أعتقد أنها لعبة إعلامية لا أكثر. مع بداية الأحداث وحتى هذه اللحظة، ساهمت وسائل إعلامية مختلفة في تكريس هذه الحالة لأسباب ترضي طموح أو رغبات من يدير هذه الوسائل، ومن يدعمها ويقف وراءها. لكن أستطيع القول وأنا متأكد تماماً، إن هناك آلاف المعارضين في الشارع السوري المنتفض، لا يندرجون تحت أي حزب أو حركة سياسية أو تجمع شعبي. الآن يتصدر كل من المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية مجمل الأخبار واهتمام جميع وسائل الإعلام، في نتيجة طبيعية لمجمل هذه الممارسات الإعلامية، مع العلم أن هناك شريحة واسعة من الشارع السوري المعارض، غير راضية عن أداء وممارسات كلا الطريفين.

■ ما هو تفسيرك المنطقي لظاهرة خروج العديد من أسماء المعارضة البارزة، بعيداً عن الأراضي السورية، بعدما كانت هي نفسها تنادي بالانخراط والتفاعل مع المتظاهرين في الشارع؟

- هناك سببان رئيسيان لهذه الظاهرة أو الخروج. الأول هو الممارسات القمعية والتعسفية، والتهديد المتواصل لسلامة هؤلاء المعارضين، التي تقوم بها أجهزة الأمن السورية. والثاني يتجلى بتجاهل وسائل الإعلام المختلفة لهم، والتي حرمتهم تماماً من التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم في الأحداث الدائرة، ما دفعهم إلى مغادرة الأراضي السورية كي يتمكنوا من التحدث إلى وسائل الإعلام.
ويجب ألا تغيب عن أذهاننا جملة الممارسات التعسفية والقمعية التي لا يزال النظام السوري ينتهجها منذ سنوات طويلة خلت، بهدف قتل وإجهاض أي مبادرة أو محاولة لخلق حياة سياسية تعددية ديموقراطية صحيحة. هذا ما دفع بالضرورة العديد من المعارضين السوريين إلى مغادرة بلادهم، في محاولة منهم لمزاولة النشاط السياسي الحر، لذلك نجد أن العواصم الخارجية لعبت دوراً كبيراً في استقبال هؤلاء المعارضين، وأفسحت لهم المجال للنشاط السياسي.

■ لكن النظام وطيفاً واسعاً من المجتمع السوري الموالي والمعارض على حد سواء، بدأ باتهام المعارضين الذين غادروا الأراضي السورية إلى الخارج، بالخيانة والتخلي والابتعاد عن جميع الأفكار التي كانوا ينادون من أجلها، ما هو تعليقك على هذا؟

- بداية علينا ألا نتقبل الأحكام المسبقة والمعدة سلفاً، والتي تخدم في النهاية مصلحة النظام. هناك العديد من المعارضين السوريين خرجوا من الأراضي السورية منذ سنوات عديدة، قبل بداية الأحداث، وأتحفظ عن مسألة تخوين هؤلاء إذ كانت مجمل نشاطاتهم تنحصر في جمعيات حقوق الإنسان المعروفة دولياً، لكن بعض هؤلاء المعارضين في الخارج يدعم وينادي بالتدخل العسكري الخارجي على الأراضي السورية، وهم يقيمون خارج البلاد، هنا الوضع مختلف تماماً، فكرة تخوينهم واردة ومقبولة من قبل الشارع والمتظاهرين السلميين، والموالين للنظام على حد سواء.
علينا أن نعي مسألة هامة جداً، مفادها أن الاحتكام للشارع المتظاهر بنحو عفوي، هو أسوأ أنواع الاحتكام على الإطلاق، لكن عندما اغلق النظام جميع منافذ وطرق الاحتجاج في وجه المعارضين له، اضطر البعض إلى الخروج للشارع، كما هي الحال مع مجمل المثقفين والمعارضين الذين غادروا إلى العواصم العالمية، بحثاً عن مساحة من حرية التعبير والإعلام التي لا تزال مفتقدة في سوريا حتى اللحظة.
المثقف والناشط السياسي، بحاجة دائماً إلى منبر حقيقي للتعبير عن آرائه ووجهات نظره، التي تتعارض حتماً مع سياسة النظام السوري، وما يفرضه من رقابة وقيود لا متناهية على حرية التعبير، وعلينا جميعاً الابتعاد أو تحجيم مسألة التخوين في هذا الوقت، لأنها ليست في مصلحة أي من الأطراف.

■ دعا وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، في العديد من المؤتمرات الصحافية، جميع المعارضين ومن جميع الأطياف، سواء كانوا داخل الأراضي السورية أو خارجها، إلى الحوار مع النظام، وأكد أيضاً ضمان سلامتهم، ما هو ردك على هذه الدعوات؟

- ليس وليد المعلم في موقع من يقدم ضمان سلامة أحد. السلطات السورية وأجهزتها الأمنية المختلفة، وخلال الـ11 سنة الماضية على الأقل، لم تصدق القول والفعل، وليست مسؤولة نهائياً عن أي تصريح يخرج من جهة رسمية. على سبيل المثال، قتل الناس في الشوارع خلال الأشهر التسعة الماضية، رافقته دائماً تصريحات دائمة بمنع أجهزة الأمن من إطلاق النار، وحتى خراب البلاد كلها لا تعدّ السلطات نفسها مسؤولة عنه، ربما هناك فصل تام بين السلطات السياسية والأمنية في سوريا. وإذا اعتقلت غداً وسئل وليد المعلم عن ذلك، فمن المؤكد أنه سيقدم تبريرات كثيرة تقنع الجميع بشرعية هذا الاعتقال، كما يحصل يومياً مع مجمل المعتقلين والنشطاء السياسيين.

■ هل وجهت إليك دعوات للانضمام إلى المجلس الوطني السوري، أو هيئة التنسيق الوطنية، قبل مساهمتك بتشكيل «تيار بناء الدولة السورية»؟ وكيف تقرأ أداء كل من كتلتي المعارضة الآن؟

- لم أدع شخصياً، أو بصفتي أحد مؤسسي «تيار بناء الدولة السورية» للانضمام إلى أي من الكتلتين. بالمقابل كانت هناك بعض المحاولات الجادة من قبل هذه الجهات، من أجل سحب بعض كوادر التيار إليها.
لكننا منذ بداية انطلاق تيارنا، قلنا إنه سيقوم من مجموعة مستقلين، بهدف رفد الحياة السياسية السورية بكوادر شبابية جديدة.
وبغض النظر عن مجمل الأفكار أو المبادئ والمطالب التي ينادي بها كل من المجلس الوطني، أو هيئة التنسيق الوطنية، أرى حالة الانقسام هذه سلبية بالمطلق، لأنها تساهم في خلق إقطاعيات سياسية، بعيدة عن مفهوم المعارضة الصحيحة.
قبل بضعة أيام زارنا بعض المعارضين في مناطق سورية بعيدة مثل القامشلي والحسكة، واستدان هؤلاء المعارضون أجرة الطريق للوصول إلى دمشق، هذا ما يؤكد أنهم غير قادرين نهائياً على السفر إلى العواصم العربية أو الأوروبية ولقاء وسائل إعلام مختلفة، حتى يعترف بهم.
ومجمل الاقطاعيات السياسية التي ظهرت خلال الفترة الماضية، ستزول قبل زوال النظام نفسه، ومجمل أنشطة المجلس الوطني وهيئة التنسيق لا تتعدى خيمة العربان لأنهم حتى الآن غير قادرين على الفعل أو التأثير الفعلي على أرض الواقع، وكلا الكتلتين متراجعتان خطوة على الأقل عن نبض الشارع.
■ بعد شهرين هما عمر «تيار بناء الدولة السورية» الذي كنت أحد مؤسسيه، كيف تقرأ نتائج تشكيل هذا التيار، ما هي الانجازات التي تحققت حتى الآن؟

- رغم أن عدد أعضاء التيار قليل نسبياً، استطعنا النشاط على أرض الواقع والعمل كبنية حزب سياسي، بعد لقاءات مختلفة مع جهات وطنية من مختلف المناطق السورية، ولقاءات خارجية كان آخرها في جامعة الدول العربية، التي استطعنا التأثير نسبياً عليها وعلى بعض العواصم الغربية التي كانت تقف على الحياد من مجمل الأحداث السورية، واستطاع التيار تشكيل نموذج لتحفيز وتشجيع الشباب السوري، من أجل تشكيل تيارات أو أحزاب جديدة.
استطعنا انجاز كل هذا على الرغم من السلبية التي قوبلت بها أنشطة التيار، من قبل النظام والموالين له، وبعض أطياف المعارضة الأخرى، التي وجدت على ما يبدو في مواقع التواصل مثل «الفايسبوك» وسيلة لضرب وإدانة معارضين
آخرين، وكلما ضربوا وشككوا في نزاهة معارضين آخرين، ساعدهم ذلك على تحقيق أنفسهم وتواجدهم على الساحة. منهم من حمّلنا بعض الأقوال أو النوايا البعيدة تماماً عن مبادئ التيار والأهداف التي لا تقتصر على معارضة النظام، إنما مصارعة الجهل والتخلف السياسي الهابط.

■ هل تعرض بعض أعضاء التيار لمضايقات من قبل النظام السوري أو أجهزته الأمنية لدى قيامهم بمجمل أنشطة التيار؟

- لم يتعرض أحد من أعضاء التيار إلى مضايقات مباشرة، إنما كانت هناك مراقبة دقيقة لمعظم الأعضاء، حتى بات البعض منا يشك بأن هناك اختراقاً للتيار من قبل البعض.

■ الاكتفاء بالمراقبة من قبل الأجهزة الأمنية، بعكس ما يتعرض له عدد من المعارضين الآخرين، فسره البعض بأنه مبني على اتفاق مع النظام السوري، ما ردك على مجمل هذه التفسيرات؟

- أترفع حقيقة عن الرد على هذا الكلام، وأعتقد أن الجو السائد في تقييم وطنية المعارض الآن، يقوم على مقدار تعرضه للعنف أو الاعتقال من قبل النظام. هناك تقييمات مضحكة قديمة ومستمرة حتى الآن، وازدادت وضوحاً هذه الأيام، تحدد وطنية المعارض السوري بمقدار سنوات اعتقاله. فالمعتقل لمدة 15 عاماً على سبيل المثال هو أكثر وطنية وصدقية من المعتقل صاحب العشرة أعوام.



يعد لؤي حسين (51 عاماً) من اوائل المعتقلين بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا، حيث اعتقل في ٢٢ آذار بعدما طرح بياناً للتضامن مع أهالي درعا. نجح في حزيران في تنظيم أول مؤتمر معارضة في سوريا والذي عرف بمؤتمر سميراميس، ثم أطلق في أيلول تيار بناء الدولة السياسي من دمشق بمشاركة من مثقفين وناشطين سوريين.