حين يرفض لاعب فريق الأنصار السابق الفلسطيني عمر ادلبي تلبية دعوة نجله محمد لمشاهدته وهو يلعب مع فريق الأنصار للشباب، رغم تكرار الطلب من «أعز الناس»، تشعرب مدى عمق الأسى الذي يشعر به واحد من أهم اللاعبين الذين شهدتهم الملاعب اللبنانية في أواخر الثمانينيات وحتى عقد من الزمن. إدلبي، أو «ملك النص» كما كان يلقّب، حصد المجد مع الأنصار عبر ألقاب عديدة وحمل على الأكتاف أكثر من كثير من الزعماء السياسيين. أما الآن، فهو لا يتابع كرة القدم، والسبب بكل بساطة أنه «لم تنفعني إلا في اكتساب محبة الناس. أما مادياًً فلا شيء». 23 عاماً قضاها إدلبي في ملاعب كرة القدم، وكانت خلاصته «لا أحب أن يزاول ابني لعبة كرة القدم، ولا أشجعه على ذلك». والغريب أن الندم في حديث إدلبي على مزاولته كرة القدم، ليس موجوداً في حديث زميله الحارس الفذ محمد الشريف، أحد أعضاء الجيل الذهبي، الذي لا يشعر بالندم على الفترة الماضية؛ «فتلك هي أجمل أيام حياتي».وقصة إدلبي لا تختلف عن قصص لاعبين كثيرين، منهم فلسطينيون قدموا أفضل سنين حياتهم في الملاعب ولم يحصلوا على شيء. واللاعب الفلسطيني ليس جديداً على اللعبة، لكن بعد إصدار القانون ارتفع العدد تدريجاً. ففي لبنان، حالياً ما يفوق مئتي لاعب موزعين على درجات الاتحاد وفئاته العمرية. في الدرجة الأولى هناك 16 لاعباً موزعين على 12 نادياً، وفي الدرجة الثانية عدد مماثل موزع على 14 نادياً. في السابق، كان اللاعب الفلسطيني يُعَدّ أجنبياً، لكن بعد فورة اللاعبين الأجانب وتراجع حظوظ الفلسطينيين في حجز أماكنهم في الأندية، عدّل الاتحاد اللبناني لكرة القدم قوانينه، بحيث سمح لكل ناد بأن يشرك لاعباً فلسطينياً واحداً، وفي حال تخطي هذا العدد يكون اللاعب الثاني والثالث أجنبيين. لكن هذا نادراً ما يحصل؛ إذ يبقى شعار الأندية «كل شي فرنجي برنجي».
وبعكس ما هو شائع في المجتمع اللبناني، لا يعاني اللاعب الفلسطيني التمييز في الأندية اللبنانية، وخصوصاً أن «الكل في الهم شريك»، والواقع المادي والاجتماعي الصعب للاعبين لا يفرّق بين لبناني وفلسطيني.
يبقى هناك بعض المعوقات التي تواجه اللاعب الفلسطيني وتحرمه مكاسب من الممكن أن يحصل عليها في ما لو كان لبنانياً، كالوظيفة على سبيل المثال. فبعض الأندية تعمل على تأمين وظائف للاعبيها، لكن حين يصل الأمر إلى اللاعب الفلسطيني تصطدم تلك الأندية بالقوانين اللبنانية التي تحد من امكانية حصول الفلسطيني على وظيفة. هذا ما عبّر عنه إدلبي بحسرة؛ «فكوني لاعباً فلسطينياً أثر عليّ سلباً وحرمني الكثير من الفرص، إن كان على صعيد المنتخب أو الحصول على وظيفة. وحتى في السفر، كانت هناك بلدان لم أستطع الدخول إليها. ولو كنت لبنانياً، لربما حصلت على حقوق أكثر».
هذا الواقع يدفع اللاعب الفلسطيني الحالي في فريق الراسينغ وسيم عبد الهادي (29 عاماً) إلى توجيه نداء إلى الجيل الجديد من اللاعبين الفلسطينيين بضرورة الاهتمام بتحصيلهم العلمي الذي هو ضمانتهم للمستقبل بعد أن يعتزلوا كرة القدم. فعبد الهادي حائز إجازة جامعية في إدارة الأعمال، وقادر على الحصول على وظيفة بعد نهاية مشواره الكروي؛ إذ يبقى الهاجس المعيشي مسيطراً على عقول اللاعبين، وهو ما تلمسه من خلال حديث لاعب فريق الإخاء الأهلي عاليه مصطفى حلاق (26 عاماً) الذي يشعر بالاطمئنان بعض الشيء نتيجة تأسيس عمل خاص له في مجال الملابس، يضمن معيشته بعد اعتزال كرة القدم، وخصوصاً أنه يتوافق مع رأي اللاعب السابق عمر إدلبي في عدم التشجيع على مزاولة كرة القدم؛ فهو يدعو اللاعبين الصغار إلى هجر اللعبة والتفرغ لبناء مستقبلهم بعيداً عن كرة القدم، رغم أنه يعشقها ويبرز فيها، لكن في الوقت عينه «أنصح أي شخص يفكر في كرة القدم أن يتخلى عن هذه الفكرة ويهتم بأعماله وتحصيله العلمي؛ فهذا أفضل له».
هذا الرأي يتضارب مع رأي عبد الهادي الذي يشجع على لعب كرة القدم، وليس نادماً على مزاولتها، لكن شرط ضمان المستقبل وعدم ربطه بكرة القدم. ويأسف عبد الهادي على فرص كثيرة ضاعت على زملاء له بسبب جنسيتهم، وهو ما حصل معه ومع زميله محمود بوشكار في التضامن صور في موسم 2006 ـــــ 2007. فوجود لاعبين فلسطينيين في ظل القانون الحالي فرض بقاء بوشكار على المدرجات خارج تشكيلة الـ 18 للتضامن في المباريات، وهو ما أثر على نفسية بوشكار ومستواه الفني الذي تراجع نتيجة فقدان الحافز. والحادثة تكررت أيضاً في الراسينغ في عام 2009 حين اجتمع عبد الهادي مع محمد بلاوني في فريق واحد، ما أجبر بلاوني على الابتعاد عن الملاعب «رغم أنه يلعب في مركز مغاير عن المركز الذي أشغله. مرة واحدة تجرأ المدرب العراقي حينها جاسم حسون، وأشرك بلاوني لاعباً أجنبياً بدلاً من السيراليوني دونالد ماكينتاير، لكن نادراً ما يتشجع المدربون ويفضلون اللاعب المحلي أو الفلسطيني على اللاعب الأجنبي مهما كان مستوى الأخير متدنياً».
هاتان الحادثتان دفعتا عبد الهادي إلى الحرص على عدم التعاقد مع فريق يضم لاعباً فلسطينياً منعاً للدخول في دوامة تفضيل لاعب على آخر. تبقى المشاركة مع المنتخب الوطني الأعز على قلب كل لاعب كرة قدم. وسبق لعبد الهادي أن لعب مع منتخب فلسطين في بطولة غرب آسيا في إيران عام 2008، لكن هذه المشاركات توقفت مع إقامة مباريات المنتخب في فلسطين، فأصبح صعباً على عبد الهادي الانتقال إلى هناك. أما على صعيد منتخب لبنان، فالأمور صعبة عموماً على صعيد تجنيس لاعبين غير لبنانيين، انطلاقاً من معادلة عدم تجنيس الفلسطيني، حرصاً على موضوع التوطين. لكن في كرة القدم قد يكون هناك استثناء عبر تسهيل أمور تجنيس أي لاعب يبرز فنياً، وخصوصاً أن واقع اللاعب الفلسطيني المقيم في لبنان يساعد في عملية التجنيس. فالاتحاد الدولي يشترط أن يكون اللاعب المنوي تجنيسه مقيماً في البلد منذ خمس سنوات وأكثر، أو لديه جذور لبنانية عبر وثائق رسمية. بناءً علىه، ينطبق على اللاعب الفلسطيني الشرط الأول ويسمح له بالتجنّس لبنانياً، لكن هذا مرهون بالمستوى الفني للاعبين ومدى حاجة المنتخب إليهم.
لبنانياً كان أو فلسطينياً، يبقى لاعب كرة القدم ضحية الواقع المزري للكرة اللبنانية بعيداً عن فورة منتخب لبنان، هذا المنتخب الذي أصبح اللعب معه حلماً لدى جميع اللاعبين، ومنهم الفلسطينيون كمصطفى حلاق الذي رغم اعتزازه بفلسطينيته يتمنى لو كان لاعباً لبنانياً أو حتى مواطناً لبنانياً في مجتمع غير قادر على نبذ التمييز بين فلسطيني ولبناني.



لا تتوقف الأمور عند جنسية لاعب كرة القدم التي قد تحرمه في بعض الأحيان مكتسبات من الممكن أن تغيّر حياته. فلاعب الأنصار السابق عمر إدلبي والذي كان يدربه عدنان الشرقي حُرم فرصة الاحتراف في الإمارات نتيجة تمسك ناديه به ورفضه منحه حق الانتقال إلا بشرط أن يؤمن بديلاً له مع الفريق. حينها، كان إدلبي من أفضل لاعبي خط الوسط، إن لم يكن أفضلهم، ومن الصعب عليه أن يجد لاعباً بديلاً يسمح له بالانتقال إلى الإمارات، فضاعت فرصة الاحتراف التي كان من الممكن أن تغيّر حياة إدلبي ومستواه المعيشي.