تونس | انتهى أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التونسي من صياغة القانون المنظّم للسلطة العمومية أو ما يسمّى «الدستور الصغير» الذي سيسيّر الحياة السياسية وينظم المؤسسات الدستورية مؤقتاً حتى الانتهاء من صياغة الدستور المقبل للبلاد. ويكون هذا المجلس قد نفض يديه من عملية تشريع المرحلة الانتقالية بما سيسمح لاحقاً باختيار الأشخاص الذين سيمسكون بالبلاد في الفترة المقبلة. غير أن وضع هذا القانون لم يكن بالأمر الهين، رغم أنه لم يتجاوز في حجمه 26 فصلاً. إذ شهدت قبة المجلس التأسيسي جدلاً واسعاً بين أعضاء النواب، وتبايناً شاسعاً بين من اصطلح على تسميته فريق الأغلبية وبين أعضاء المعارضة. مشاحنات تمحورت بالخصوص حول البنود المرتبطة بالصلاحيات السياسية التي سيتمتع بها أصحاب السلطات الثلاث: رئيس الدولة، رئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي، إلا أن تحالف أحزاب حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، كان له الكلمة الفصل في الحسم في العديد من القوانين محل الخلاف.
المجلس صادق على مشروع قانون التنظيم المؤقت للسلطة العمومية إجمالاً وفي صيغته النهائية بغالبية 141 صوتاً مؤيداً، مقابل 37 صوتاً معارضاً وامتناع 39 عضواً في المجلس. ولعل أهم النقاط التي أجّجت النقاشات في صلب المجلس، الفصل 14 من القانون الذي يخصّ صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث اعتبر أعضاء المعارضة أن هذا القانون يجعل من رئاسة الدولة منصباً شكلياً عبر التقليص من مهمات رئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة التي يحظى بدور أكبر، ما أعطى انطباعاً بأن واضعي مسودة القانون يرغبون في جعل الناس يعتادون النظام البرلماني الذي يعد مرفوضاً من جزء كبير من الطبقة السياسية التونسية. أعضاء المجلس التأسيسي استقرّ بهم الرأي على منح صلاحيات أكبر لرئيس الدولة حتى يحدث شكل من أشكال التوازن بين السلطات، في انتظار تضمين الدستور الذي ستجري صياغتة للشكل المرتقب للدولة التونسية.
كذلك دقّت صفارات الإنذار إيذاناً بعودة الديكتاتورية بصيغة جديدة بمجرد الإعلان عن طريقة تشكيل الحكومة. ففي النسخة الأصلية، قدم اقتراح بأن تتم الموافقة على تركيبة الحكومة المعينة من طرف رئيس الوزراء بأغلبية 50 زائداً واحداً، لكن في حال ارتكابها للعديد من الأخطاء، وسعي بعض أعضاء المجلس إلى إقالتها، فإن هذا الأمر لا يتم إلا بالأغلبية المطلقة، قبل أن يتقرر في الأخير الموافقة على عزلها بنفس الطريقة التي يتم تعيينها من خلاله.
واتفق المجلس أيضاً على عدم تحديد مدة ولايته، رغم أن غالبية الأحزاب التي تم انتخابها وقّعت قبل يوم الاقتراع على وثيقة مبادئ تلتزم فيها بعدم تجاوز السنة الواحدة لاشغال إعداد الدستور. كما صادقوا على الفصل 21 الذي يكرس الاستقلالية الحقيقية للجهاز القضائي بعد عشرات من السنين وظّف خلالها النظام السابق المحاكم لتصفية خصومه السياسيين. أما خارج المجلس التأسيسي، فيواصل العشرات من التونسيين للأسبوع الثاني على التوالي اعتصامهم في خيام، يجتمع حولها عاطلون من العمل، ومطالبون بمدنية الدولة وفصل الدين عن الدولة. ويشهد المكان يومياً توافد العشرات من الغاضبين والمتضامنين والفضوليين يلتفّون في حلقات نقاش تعرف بين الفينة والأخرى مشاركة نواب عن أحزاب المعارضة، منهم من يحضر للبروز أمام شاشات التلفزيون، ومنهم من يعبر عن انشغاله عن انحراف أشغال المجلس عن أهدافه الحقيقية. ويبقى أبرز مكاسب ذلك الاعتصام المتواصل أنه فرض بث القناة الحكومية لمداولات المجلس التأسيسي، ما مكن التونسيين من التعرف إلى مواقف نوابهم، وهم الذين سيطّلعون كذلك مساء اليوم الاثنين عبر عملية انتخاب الرئيس الذي سيحكم بلدهم، علماً بأن اتفاقاً بين ائتلاف الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي ينص على أن منصب رئيس البلاد سيؤول إلى منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بينما ستؤول رئاسة الحكومة إلى حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية.