الخرطوم | أربعة عشر حزباً كوّنوا ما يشبه حكومة الظل في «الحكومة العريضة» التي أماط اللثام عنها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الأسبوع الماضي؛ فلم يبد من القائمة الطويلة التي أعلنت، أن هناك تغييراً ما في البلاد، حيث احتفظ وزراء الصف الأول في الحزب بجميع مقاعدهم في الوزارة الجديدة. كذلك فإن نافذي الحزب أملوا على اللجان المكلفة أسماءً بعينها وحددوا لمقربين مواقع بعينها لتصبح الصورة الأخيرة للتشكيل أكثر غرابة وأدعى للاندهاش.
فالحزب الحاكم لم يتنازل عن الوزارات المفصلية لأيٍّ من شركائه الجدد، مفضلاً أن يتمسك بجميع الوزارات السيادية مثل الدفاع والخارجية والداخلية والبترول والمال. ولأن المقاعد امتلأت بفعل ذلك المسلك أمام طلبات الوافدين الجُدد، استحدث الحزب ذو القاعدة العريضة وزارات لإرضاء الأحزاب التي قبلت المشاركة معه، لتخرج للعيان حكومة عريضة تسع الجميع وتدحض فرضية أن تكون الحكومة «رشيقة» مثلما روّج لذلك بعض كوادر الحزب الحاكم.
غير أن آخرين، وفي الحزب ذاته، يرون أن تلك النظرية روّجت لها عناصر «صغيرة داخل الحزب» وأنها لم تكن مقنعة لهم في يوم من الأيام، وهو ما أكده وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء أمين حسن عمر الذي تحدث لـ«الأخبار» في وقت سابق، مشيراً إلى صعوبة الجمع بين أن تكون حكومة عريضة تسع جميع الأحزاب، وأن تكون رشيقة في آن واحد.
وكغيره من الأحزاب الممسكة بزمام الأمور في بلدان تنقصها الديموقراطية، فإن حزب المؤتمر الوطني عندما أعلن فتح باب المشاركة أمام القوى السياسية توقع المراقبون ألّا تنقص حصة الحزب في الحقائب الوزارية وأن تكون ممارسة الديموقراطية المختزلة في مشاركة صورية على شكل مناصب تؤلَّف وفق الطلب، ما يعني زيادة أعباء اقتصادية جديدة على الاقتصاد المنهار في الأساس منذ أربعة أشهر، وهو ما يتبدى في ما حملته ميزانية عام 2012، التي أجازها بسرعة الحزب الحاكم عبر البرلمان قبل إعلان التشكيل الجديد. وتعاني الميزانية الجديدة عجزاً في ميزان المدفوعات، وقد مثّل تعنت النواب الحكوميين في إمرارها، لأول مرة، ضغطاً مضاعفاً للحكومة وحرجاً أمام الرأي العام الذي يتابع كيفية تعاملها مع مترتبات انفصال الجنوب وفقدان النفط؛ إذ رفض النواب إجازة خطط حكومية لزيادة أسعار الوقود قدمها وزير المالية، ليضيقوا بذلك من خياراتها في التعامل مع الأزمة.
ويرى مراقبون أن خطوات تنفيذ ميزانية العام الجديد ستصحبها عقبات ومشكلات قد تفاقم الوضع الاقتصادي القاتم، وترفع من درجة السخط الشعبي على الحكومة، ملمحين إلى أن تبعات التشكيل الحكومي الجديد المالية بترهله اللافت ستضيف أعباءً جديدة لن تنجح خزانة الدولة في تجاوزها.
ولم تتجاوز ردود أفعال الشارع العام السوداني على التشكيل محطة الضيق حتى الآن؛ فالمواطن لم يتوقع أن يكافأ على صبره طوال الشهور الماضية واحتماله للأوضاع السيئة بتحميله أعباء قرابة 60 وزيراً وما يتبعهم من مظاهر سيادية. ويقول المواطن سامر سيد أحمد لـ«الأخبار» إن الحزب الحاكم لا يدرك حقيقة الأوضاع في الشارع السوداني، ولا يتفهم مطالب التغيير التي يرفعها المواطنون بعد أن حكم لأكثر من 20 عاماً، وإن حكومته الجديدة لا تحمل إشارة واحدة على حدوث تغيير، سواء في الوجوه أو البرنامج.
ورغم أن أول حكومة في «الجمهورية الثانية» تضم في مكوناتها أحزاباً مختلفة وكيانات قبلية وجهوية وطائفية، أضحى نجاحها في تحقيق الاستقرار والأمن محل شك. والملاحظ أن التشكيل الجديد يضم عدداً كبيراً من أبناء إقليم دارفور المضطرب، الذي يمثّل تحدياً أمنياً كبيراً للخرطوم بجانب جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
إلّا أن قدرة المشاركين من أبناء الإقليم على التأثير في أوضاع أرض الإقليم تعد ضئيلة، إن لم تك معدومة؛ لأن أغلبهم إما أتى بمقتضى اتفاق سلام لا يجد قبولاً هناك، أو لأنه محسوب على توجهات الحزب الحاكم، وهو ما ينطبق على الشخصيات التي استوزرت تحت عباءة تمثيل جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. فالولايتان اللتان تكابدان الحرب، يقود الحياة السياسية فيهما الحركة الشعبية قطاع الشمال ومن مثل الولايتين في التشكيل انشق حديثاً عن الحركة، ويواجه بطبيعة الحال اتهامات بعدم تمثيله لأحد هناك. أما مشاركة الحزب الاتحادي «الأصل» بزعامة عثمان الميرغني في الحكومة، فيتوقع أن تكون خلافية؛ لأن الميرغني أعلن منذ البداية أنه لن يستمر في الحكومة إن لم يُنفَّذ برنامجها المتفق عليه مع القصر الجمهوري الذي ظل يعمل منذ شهور على دفع حزب الميرغني للمشاركة بأي طريقة، فيما تنظر قيادات داخل الحزب الوطني الحاكم إلى مشاركة الميرغني على أنها ستأتي خصماً عليها. وهذا ما بدا للمراقبين حقيقة لحظة توقيع الاتحادي والمؤتمر الوطني اتفاق المشاركة؛ إذ صاحب التوقيع اشتباك لفظي بين مندوبي رئيسي الوفدين، وعبر كل منهما عن رؤيته الخاصة للبرنامج الحكومي قيد التفيذ. إلا أن وزير رئاسة مجلس الوزراء عن الحزب الاتحادي نفى ذلك تماماً لـ«الأخبار». وأكد أحمد سعد عمر أن مشاركتهم ستكون فاعلة وأنها ستتصدى لكل قضايا السودان الداخلية والخارجية بكل فاعلية. ورأى الوزير الاتحادي أن حزبه سينجح في أداء التزاماته الوطنية والجماهيرية. وأوضح أن عدم رضى بعض قيادات الاتحادي الأصل عن المشاركة لن ينتقص من فرصها في النجاح.
ولا يبدو الوضع مختلفاً بالنسبة إلى بقية الأحزاب المشاركة، فأغلبها أحزاب صغيرة ولا تملك قواعد أو شعبية، ما يجعل من وجودها في الإطار الحكومي صورياً، ما دفع المحلل السياسي حمد عمر الحاوي إلى التأكيد أنه في مقدمة التحديات والضغوط التي تواجه التشكيل الجديد خلوه من القوى السياسية المؤثرة مثل المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي وحزب الأمة وقوى اليسار الأخرى.



اشتباكات جنوب كردفان


دارت مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني ومتمردين جنوبيين سابقين في منطقة في جنوب كردفان، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 19 شخصاً. وأوضح المتحدث باسم المتمردين، أرنو نغوتولو لودي، أنه «وقعت مواجهات عنيفة السبت في وارني شرق تالودي. وصد الجناح الشمالي للجيش الشعبي لتحرير السودان (الذراع المسلحة للحركة الشعبية لتحرير السودان) هجوماً للجيش، ما أوقع 19 قتيلاً».
وبحسب المتحدث باسم المتمردين، فإن المواجهات أعقبت ثلاثة أيام من المعارك في شمال رشاد حيث نجح المتمردون في صد الجيش السوداني في قطاع أبو الحسن، من دون أن يتسنى الحصول على أي تعليق على الفور من الجيش السوداني. يذكر أن المعارك اندلعت بين القوات الحكومية وأنصار الحركة الشعبية لتحرير السودان ـــــ قطاع الشمال مطلع حزيران في جنوب كردفان، المنطقة الحدودية الشمالية مع جنوب السودان، حيث تسعى سلطات الخرطوم إلى بسط سلطتها، فيما يرفض قسم من السكان الذين قاتلوا في صفوف الجنوبيين خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب المستقل حديثاً تسليم أسلحتهم، مطالبين بإيجاد حل عادل لقضيتهم، متهمين السلطات في الشمال والجنوب بتهميشهم.