إرضاء نجم السياسة العجوز هو الموضوع الرئيس في القصة. والقصة خطفت الأضواء من مؤشرات نتائج انتخابات الجولة الثانية من الانتخابات. المهم أن الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الجديد، يجب أن يمر إلى مبنى مجلس الوزراء على السجادة الحمراء. عنصر الإثارة هنا هو أن دماء الثوار المرابطين عند مجلس الوزراء منذ قرابة الشهر، هي الصبغة التي لونت سجادة عبور رئيس الحكومة. الوقت ينفد: أول اجتماع لمجلس الوزراء يجب أن يعقد في مبنى المجلس (غدا الأحد تقريباً)، والثوار هناك، عقبة، لذا كانت الحرب التي اشتعلت بدءاً من فجر أمس بين معتصمي مجلس الوزراء، وقوات الجيش والشرطة التي أصابت العشرات، واختطفت متظاهرين، وعذبت آخرين، وخرجت روايتها الرسمية تتهم المتظاهرين بمحاولة اقتحام مبنى مجلس الشعب. مشاهد الكرّ والفرّ مستمرة حتى كتابة هذه السطور. ولا أحد يعرف منتهاها، فالأمور قد تتطور باتجاه «محمد محمود» جديد. القصة بدأت عندما قام أحد المعتصمين أمام مجلس الوزراء، وهو الناشط عبودي السيد عبودي، بلعب الكرة مع الثوار لتمضية الوقت، لكن الكرة طارت إلى مبنى مجلس الوزراء. طلب عبودي الكرة من مجندي جيش يحرسون مجلس الوزراء، سمحوا له بالدخول لأخذها، لكن الشاب خرج جثة هامدة (حالته خطرة وفقاً لبيان وزارة الصحة). كان هذا هو الفتيل الذي أشعل الحرب، حسب رواية أكدها ناشطون لـ«الأخبار». غير أن الرواية الأكثر ترجيحاً، وفقاً لمتظاهرين كانوا عند مجلس الوزراء، أن قوات الجيش اختطفت عبودي، وأنه لم يكن هناك من يلعب الكرة. بكل حال، احتج المعتصمون على الاعتداء، وبدأت الحرب بتدخل قوات الجيش، من المنطقة المركزية لضرب المعتصمين بالهراوات، والصواعق الكهربائية، والرصاصات في الهواء. الاعتداءات كانت وحشية، حتى ضربت الفتيات المعتصمات ضرباً مبرحاً، وكثير منهن أصبن إصابات بالغة، في الأنف والفك، وضرباً موجهاً إلى منطقة اليدين والأرجل، فكانت الحصيلة الأولى عشرين مصابا، نقلوا إلى مستشفى قصر العيني. الحرب استمرت، وكانت عدّة الثوار هي الحجارة، فزاد عدد المصابين في صفوفهم، ليصل إلى 99، وفقاً لتصريح الدكتور عادل العدوي، مساعد وزير الصحة لشؤون الطب العلاجي، بينهم مجندون، وخمسة مدنيين مصابين بطلق ناري.
المعارك لم تتوقف، وأدت إلى سقوط قتيلين من المتظاهرين. جنود من وزارة الداخلية والجيش احتلوا أسطح مجلس الشورى وألقوا بالحجارة على المتظاهرين، فرد المتظاهرون بالحجارة. «الأخبار» تحدثت إلى ثوار يقفون عند أول شارع قصر العيني، ويشاركون في المواجهات الدائرة مع قوات الجيش، التي مزقت خيام المعتصمين. وقال أحدهم، محمد عبد العليم، شاب جامعي، إن «النية كانت مبيتة لفض الاعتصام منذ واقعة الأغذية المسممة، وخصوصا أن كل القوى السياسية خذلتنا، هذه القوى أعطت الضوء الأخضر لما حدث، نحن ليست لنا مصلحة سوى أهداف الثورة». يقول شاب آخر، والدماء واضحة على وجهه، «إن ما حدث جريمة يجب أن يحاكم عليها المشير طنطاوي والمجلس العسكري، لدينا أيضا زملاء مختطفون الآن، نريد أن نعيدهم، ونريد دعما من القوى السياسية والثوار، لأننا لن نمشي من شارع قصر العيني وميدان التحرير».
ردود الفعل السياسية على «حرب مجلس الوزراء» المشتعلة، تصاعدت. المرشح الرئاسي حمدين صباحي يقول لـ«الأخبار» إن «ما حدث جريمة في حق أبناء الشعب، يجب أن لا تمر مرور الكرام. لا بد من محاسبة من فضوا الاعتصام بهذه الطريقة الشنيعة. وكذلك المسؤولين عن جر البلاد لأزمات متتالية، أنا متضامن مع الثوار السلميين عند مجلس الوزراء، وسوف أتناقش مع قوى سياسية لاتخاذ موقف عملي». محمد البرادعي، المرشح الآخر للرئاسة، قال على «تويتر»، إنه «لا يمكن أن تُدار بهذه الطريقة. هل المجلس العسكري استشار المجلس الاستشاري في هذا الفض العنيف؟ وإذا كان رئيس الوزراء لديه صلاحيات رئيس جمهورية، فبأي سلطة تتدخل الشرطة العسكرية».
ردود أخرى جاءت من المجلس الاستشاري، المقرب من المجلس العسكري، الذي قرر عدد من أعضائه تقديم استقالاتهم منه احتجاجا على ما يجري عند مجلس الوزراء. معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قدم استقالته، وقال على صفحته على «فايس بوك»: «سأستقيل. وقد يلحق بي آخرون من المجلس الاستشاري احتجاجا على هذا العنف غير المبرر من الشرطة العسكرية ضد المعتصمين السلميين».
استقالة عبد الفتاح سبقتها استقالة عضو آخر في المجلس الاستشاري، هو أحمد خيري، عضو المكتب السياسي لحزب «المصريين الأحرار»، الذي احتج على أحداث العنف المذكورة، في وقت علقت فيه الدكتورة نادية مصطفى، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، عضويتها بـ«الاستشاري» للسبب نفسه. كمال الجنزوري، رئيس الوزراء، بدا عليه الإرهاق والإحباط، ولم يصرح للصحافيين بكلمة واحدة، وهو كان يتابع من مقر وزارة التخطيط ما يجري بالاتصال التليفوني المباشر مع الأجهزة الأمنية. حادثة مجلس الوزراء دفعت نشطاء سياسيين إلى القول إن الجنزوري خالف وعده، الذي قطعه على نفسه في مؤتمر صحافي قبل أربعة أيام بأنه «لن يستخدم العنف ولو بالكلمة مع معتصمي مجلس الوزراء». الجنزوري ترك مقر «التخطيط»، وركب سيارته، في حدود الرابعة والنصف من يوم أمس، وأختفى نهائياً عن الأنظار.
في سياق آخر، ذهبت المؤشرات الأولية لنتائج الجولة الأولى لانتخابات المرحلة الثانية، إلى جولة إعادة، في أغلب دوائر المحافظات التسع، على مقاعد الفردي، فيما تقول مؤشرات من غرف القوى السياسية إلى تقدم حزب الحرية والعدالة يليه النور ثم الكتلة المصرية. ووفقاً لمصادر من داخل غرفة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية، لجماعة الإخوان المسلمين، فإن مرشحي الحزب قد يحصلون على أكثر من 60% في القوائم، فيما تشير نفس المصادر إلى أن مرشحي الإخوان على الفردي، أقرب للإعادة في كل الدوائر. أما حزب النور السلفي، الذي يتوقع أن يحقق مفاجأة في نسب الفوز، فقد حسم مرشحوه المقعد الفردي فئات في السويس، في حين أنه في الإسماعيلية تقول المؤشرات إن قائمة حزب الحرية والعدالة متقدمة تليها قائمة حزب النور.
وفيما يتراجع الحديث عن أي تقدم لقائمة الثورة مستمرة، تقول مصادر من داخل غرفة الكتلة المصرية إن مرشحيها قد يحصدون 24 مقعدا من جملة 180 يتنافس عليها المرشحون الفرديون في الجولة الثانية، حيث تتوقع الكتلة أن تحقق تفوقاً متميزاً في محافظات الوجه البحري، وخصوصا الشرقية.