رغم أداء الاعتبارات المهنية دوراً في تعيين قادة الجيش الإسرائيلي وضباطه، إلا أن التجربة العملية تؤكد على الحضور الموازي والقوي للاعتبارات السياسية الداخلية والشخصية في هذه التعيينات، التي قد ترقى في بعض الأحيان إلى أن تكون العامل المرجح. من هنا ليس مفاجئاً تعيين الجنرال نيتسان الون، قائداً للمنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، وتعيين اللواء احتياط، شاي افيطال، المقرب جداً من وزير الأمن ايهود باراك، لـ «قيادة العمق»، التي استُحدثت حديثاً، ومهمتها قيادة «عمليات متشعبة في العمق الاستراتيجي للعدو». وأكدت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تعيين الون هو رسالة موجهة من قبل باراك ورئيس أركان الجيش بني غانتس، تهدف إلى إظهار عدم التسامح تجاه المتطرفين اليمينيين من المستوطنين. ولفتت تلك التقارير إلى أنه حتى قبل أيام معدودة لم تكن محسومةً هوية الضابط الذي سيتولى قيادة تلك المنطقة، مشيرةً إلى أن المنافسة انحصرت بين العميد نوعام تيبون، الذي كان يتولى كلية القيادة والأركان، وفي مرحلة سابقة كان قائداً لفرقة يهودا والسامرة، وبين العميد نيتسان ألون، الذي أنهى ولايته منذ وقت قريب في قيادة الفرقة نفسها، لكن التطورات التي شهدتها الضفة في الأيام الأخيرة رجحت كفة ألون، وخاصةً أنه يملك خبرة مهمّة على الصعيدين الشخصي والقيادي في مواجهة نشطاء اليمين المتطرف والمتظاهرين الفلسطينيين ليتغلب بذلك على تيبون، الذي سيرقّى إلى رتبة لواء، ويعيَّن لاحقاً لقيادة الفيلق الشمالي، الذي توكل إليه قيادة هيئة المناورة الأساسية، والأهم في الجيش الإسرائيلي في حال اشتعال الشمال، وخاصة أن هذا المنصب يمثل منصة لتسلم قيادة المنطقة الشمالية لاحقاً.
وبحسب التقارير الصحافية، فقد وصف الون قبل شهرين المستوطنين المتطرفين بأنهم أقلية يجب محاربتها، فيما شن قادة المستوطنين هجوماً شديداً على باراك، متهمين إياه، بأنه يريد من وراء هذا التعيين إشعال حرب أهلية في اسرائيل، وشن حرب على الاستيطان والمستوطنين.
إلا أن الون لم يواجه وحده الاعتراض على تعيينه، إذ أثار اختيار اللواء شاي افيطال، قائداً لـ «قيادة العمق» الجديدة، استغراباً كبيراً داخل الجيش. ووصفت مصادر أمنية سابقة، تعيين افيطال بالمستهجن، ورأت أنه لـ «من الغريب جداً أن يأتي شخص من خارج المنظومة على رأس هذه القيادة»، بينما وصف عضو الكنيست عن حزب كديما «يسرائيل حسون » تعيينه بأنه اختيار لشخص نوعي يملك خبرة غنية، وسبق أن أدى دوراً جيداً في جميع المناصب التي تولاها.
في هذه الأثناء، أوضحت تقارير إعلامية إسرائيلية أن قرار إحياء «قيادة العمق» التي كانت موجودة بين عامي 1982و 1986 يرتبط بجملة أمور، من بينها الاهتزازات التي يشهدها العالم العربي والكلام المتزايد عن احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، والعبر التي جرى استخلاصها من حرب لبنان الثانية.
وبحسب ما أُعلن، فإن القيادة الجديدة ستكون مسؤولة عن تنفيذ العمليات الخاصة والاستراتيجية للجيش الإسرائيلي في عمق مناطق العدو، وستكون خاضعة مباشرة لرئيس الأركان. ورأى معلقون إسرائيليون أن المهمّات التي ستوكل إليها ستكون رئيسية في الحرب القادمة، إذ من المفترض أن تخطط لعمليات مشتركة بين الأذرع في العمق الاستراتيجي للعدو، وأن توجه تحركات القوات في هذه العمليات. وعلى سبيل المثال ستكون القيادة الجديدة مسؤولة عن التصدي للمهمّات المتعلقة بتهريب الوسائل القتالية إلى لبنان، وإلى غزة، ضمن «الدوائر الأبعد».
ووفقاً لمحلل الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت أحرونوت» فإن من المهمّات التي ستناط بالقيادة «تشخيص الفرص الكامنة في استهداف العمق الاستراتيجي واللوجستي للعدو، ضمن مسافات تبعد مئات الكيلومترات عن الحدود الإسرائيلية، وإفقاده توازنه عن طريق تشغيل مدمج لقوات برية وجوية وبحرية كبيرة نسبياً».
ومن المقرر أن يبلغ عديد القيادة الجديدة نحو مئة ضابط ورتيب، على أن تكون مهمة هؤلاء أركانية وتخطيطية بالدرجة الأولى، فيما سيجري تجميع القوات التي ستُكلف بتنفيذ المهمات الموكلة إلى القيادة من وحدات مختلفة داخل الجيش، بحيث إنها لن تكون تحت إمرتها المباشرة على نحو دائم، بل ستكون قوات مهمة يصار إلى تشكيلها لغرض تنفيذ عملية محددة، ثم تعود بعد ذلك إلى الالتحاق بوحداتها الأصلية.