قال شو بيقلك؟ قال الأونروا بدها تخفض المساعدات تبعونها. وبدها قال شو يا معلم توقف الدفع؟. طيب ما احنا عارفين، ما هي من 50 سنة بتحكي هالحكي كل يومين. احنا الفلسطينية ما بنقول مدارس الأونروا، كل الغربا بيسموهن هيك، احنا بنسميهن مدارس الوكالة، الحكي بسركو، هي خبرية الوكالة هاي جاي من إنه اسمها الحقيقي للأنروا الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل الفلسطينين، وطبعاً لإنه ما حدا قله خلق بإيام الشرشحة والبهدلة إنه يقعد يلفظ هادا الإسم كله، صرنا نقول: وكالة، ومشيت القصة.
هلق الخبرية إنه مدارس الوكالة اللي خرجت جيل طويل عريض من العباقرة، هلق صارت بدها تسكر. بس في خبريتين لازم نقولهن طالما عم نحكي عن مدارس الوكالة أولهن لما كانت الوكالة بأول إيامها تخرج العباقرة، ما كانت الخبرية أبداً أبداً أبداً حكاية إنه الوكالة منيحة، لأ أبداً، الحكاية كانت إنه الأساتذة بوقتها كانوا يعتبروا التعليم نضال وثورة وجهاد. عشان هيك كانوا يجوا على الصف وما يقبلوا يمشوا إلا ليكونوا الطلاب خلصوا كل التعليم تبعهن. حتى إنهم كانوا يبقوا بعد الصف بساعات طويلة عشان يعطوا لولاد الناس حقهم. كان الأستاذ شخصية مرموقة ومعروفة ومحترمة، بتعرفوا ليش؟ عشان كان بيستحق هاي الإيام، يعني مثلا إذا كان إلك قريب استاذ، كانت المنطقة كلها تحكي بإسمك وباسمه، هادا قريب الاستاذ فلان، هادا قريب الأستاذ علان، وهيك. بيومها ما كانت الوكالة منيحة أو عاطلة، بيومها كانوا الأساتذة مناح. أنا بتذكر لما تعلمت بمدارس الوكالة وكنت ساكن بمنطقة البقاع، علموني مجموعة من الأساتذة كانوا أكتر من رائعين، بتذكر أستاذ العربي اللي كان كل الوقت يقلنا: ولكو إذا بتحكوش عربي منيح ولكو كيف بدكو تقعدوا مع العالم؟ ولكو والله اللي بده يلخبط بالعربي بدي افشله نيعه. وفعلاً لما كان حدا يغلط كان يضربنا، بس ما كان يضرب بوحشية، يا عمي آه كان في ضرب، بس بحياته ما كان في وحشية، يا أخي والله كانوا يحبونا. بعرف كانوا يمكن يبينوا مرعبين ومخيفين مع أشكالهن والعصي اللي كانوا يحملوها، بس يمكن هن هيك تعلموا فحبوا يعلمونا بنفس الطريقة اللي تعلموا فيها. بس بتعرفوا شي؟ كمان تعليمهن واسلوبهم علمنا كتير، يعني جيلنا بأكمله كان "شاطر" ومجتهد ونشيط. يعني قارن بين هادا الجيل والجيل اللي بعده، بتشوف الفرق.
الخبرية التانية هي إنه الوكالة كانت عم تمشي على نظام "تجهيل" الناس شوي شوي، يعني كانت لما تحس في استاذ منيح، تضلها وراه وراه لتتخلص منه، شي خلص وقته، شي تبعته يعلم بصور وهو بيته بالبقاع، يعني تموته تمويت، يعني يتمنى يشتغل عتال وما يضل بالتعليم. وأكيد طبعاً لما تكون غريب مثلاً بمنطقة "مخيم" والطلاب اللي عندك مش مهذبين ولا بيفهموا ولا بدهم يتعلموا أصلاً بتصير إنت مكسر العصا، يعني اذا ضربت تلميذ أو صرخت عليه صوت هون الكارثة. مش بس بيجبلك أهله، بيجبلك المخيم بأكمله، وهادا الشي ما صار مرة، هادا الشي مرات وكتير.
عشان هيك كتير من الأساتذة المهمين كانوا يهربوا من التعليم بخارج مناطقهم. يعني الأستاذ بمنطقته، بيعرف الناس والناس بيعرفوه، بس الوكالة ما كان بيهمها ولا فارق معها، كان الهدف تكسير راس هادا الشعب. الناس بتقول إنه هادا الشعب كله متعلمين: إيه عظيم، ما رح يضل منهم حدا متعلم. وعلى هيك شوفوا نسبة التعليم بمخيم برج البراجنة مثلاً وقارنوها بمثيلاتها قبل عشر سنين بس، وشوفوا الحزن. مثلاً بمخيم برج البراجنة عدد "أساتذة الجامعات" من الأجيال الأصغر سناً (يعني تحت الثلاثين عاماً) في بنت واحدة (تخيلوا من كل المخيم في بس شخص واحد وحيد بيعلّم بجامعة) الباقيات اللي كانوا معها بالصف ببساطة بيشتغلوا: princess at my husband house؛ أه والله بحسب ما كاتبين على حساباتهن على الفيسبوك. مش المشكلة بالبنات نفسهن، المشكلة بإنه البيئة والجو والمدرسة كلهن ما بدهن ياها تتعلم. الأستاذ اللي كان سابقاً قائد بالمجتمع، صار مش قائد، صار أيا حدا، شخص ضعيف، ما بيمون على الناس. بالزمانات، بتذكر على وقت الأحداث يعني، اجو شي حزب من هالأحزاب الفلسطينية على المدرسة قال شو بدهن يتفاهموا مع تلميذ أو استاذ. وبتعرفوا شو كان قصدهم ب"يتفاهموا". وقتها إجا هادا الأستاذ اللي توفى من فترة قليلة، وقف بوجههن وقالهن الزلمة فيكو بيفوت على المدرسة؛ قام واحد فيهم الظاهر إنه كان مسؤولهم، قاله: زيح يا أستاذ، ما تخلينا نغلط معك. قام هادا الأستاذ شال الكف وشلخه ياه، قال شو ولى كبرت وصار عندك شوارب؟ مبارح كنت تهرب من الصف وأعلقك من اجريك، شو صارلك شوارب وصرت تصرخ علينا. بعدها فلوا هيدول الشباب وما عادوا رجعوا على هاي المدرسة. هلق هون رح تقولولي إنه كيف سكتوله ومش عارف شو. هادا التلميذ الحزبي اللي انضرب قدام صحابه، ما خاف من الأستاذ، خاف من أهله، خاف من المخيم، خاف من الناس اللي كانت رح توكله لو صار لهادا الأستاذ شي، خاف إنه لو هو "ضربه" أو قوص عليه لهادا الأستاذ الناس مش رح تقطعه بس، الناس رح تحرقله بيته وتعمل اشيا ما بتنعمل، لإنه هادا الأستاذ خدماته والاشيا المناح اللي عاملها مع ولاد المخيم ما بتنعد.
هيديك الإيام راحت، وهاي الإيام إيام الأستاذ اللي بيوخد معاش آخر الشهر وبيترك المواضيع كلها تفلت وتروح من بين إيديه. بتذكر آخر شي لما مرة قررت أروح أراقب وحدة من معلمات اللغة الإنكليزية بصفها، وأد ما كانت متمكنة من تعليمها وواثقة بنفسها رفضت بشكل قاطع إنه أفوت على صفها لأحضر حصتها. طبعاً بالمنطق ما كان حقها، كان بقدر أجيب قرار إداري واحضر صفها، بس أنا كنت بشوف تلاميذها وبعرف نتائجهم، فلشو كنت بدي أجيب، ما النتائج واضحة وضوح الشمس! هيدول هن الأساتذة اللي موجودين هلق، هيدول هن ببساطة اللي إذا سكرت الوكالة بيقعدوا بالبيوت وبيتركوا التعليم وينحرقوا التلاميذ. أما الجيل اللي علمنا، جيل الرواد كان بيحمل الولاد والمدرسة والمجتمع بأكمله على كتافه. احنا صايرين ما بنحس؟ يمكن، بس برأيي المجتمع بأكمله ما بيحس!