كانت العائلة الصغيرة تجلس كي تتناول طعام الفطور، فجأة ومن دون أي نذير، بدأ السقف بالانهيار على رؤوس عائلة الأشوح التي تقطن في مخيم برج البراجنة للفلسطينيين. هذه العائلة البسيطة المكونة من أبٍ وأمٍ وزاهر الطفل الصغير الذي لم يتجاوز العامين بعد.هذا كله حصل في دقائق معدودة، نجت العائلة من الموت، لكن إصاباتهم بدت أكثر من قاسية. زاهر الصغير بدت إصابته الأخطر بعد والدته إسراء، فقد تساقطت حجارة السقف فوقه ووالدته ولو أنهما لم يتحركا سريعاً لكانت الإصابة أخطر بكثير. لم يصب زاهر مباشرة، ولكن مع هذا فإنَّ الضربة كانت قويةً للغاية على طفلٍ في الثانية من عمره.

هنا يكمن السؤال الخالص: كيف حصل هذا؟ لماذا وقع سقف المنزل فوق هذه العائلة الصغيرة، ألم يكونوا يعرفون بأن سقفهم مهدد بالسقوط فوق رؤوسهم؟ ألم يكن الوالد يعلم.
يخبرنا الوالد بأنه كان يعلم أن السقف آيل للسقوط، ولكن القوى الأمنية اللبنانية تمنع نهائياً إدخال مواد البناء إلى المخيّم تحت حجّة أنه "ممنوع العمار في المخيم بشكل نهائي"، بالطبع من أجل الحفاظ على حق العودة! والحقيقة أن ما لم يقله الوالد يعرفه سكان المخيم جميعاً: "فإذا كانت واسطتك قوية لا تستطيع فقط إدخال مواد بناءٍ إلى المخيم، بل ويمكنك البناء دون أن يعترض أحدٌ على ذلك. لكن ما العمل إذا ما كنت فقيراً؟!". هل كان منزل عائلة الأشوح الصغيرة هذه هو الوحيد الآيل للسقوط؟ كلا... بالطبع.
هناك إحصائية كانت قد قامت بها إحدى المؤسسات الإنمائية الغربية تقول بأن هناك أكثر من 30 منزلاً في المخيم معرضاً للسقوط بين يومٍ وآخر على رؤوس ساكنيه، ومع هذا فإن سكان هذه المنازل يرفضون إخلاءها، لأنه "لا مكان آخر نسكنه، فماذا نفعل؟" كما يقولون. ويضيف آخرون: "لن نترك المخيم إلا إلى فلسطين، لذلك فإن خروجنا منه يكون إما إلى قبرنا أو إلى فلسطين، وإذا ما كانت هذه المنازل هي قبورنا فلتكن!".
يشار إلى أن كثيراً من العائلات الفلسطينية لم تغادر المخيّم إبان العدوان الصهيوني على ضاحية بيروت الجنوبية في عام 2006، وكانت هذه الضربات الجوية العنيفة قد سببت كثيراً من الأذى لبنية تلك البيوت، خصوصاً القريبة من حدود المخيّم.
ماذا عن الأنروا ومساعداتها والقسم المسؤول عن ترميم البيوت؟ ألم يطالب سكان هذا البيت الأنروا ترميم سقف بيتهم أكثر من مرة؟ بلى، فعلوا كغيرهم من سكان المخيم الذين يرون ان بيوتهم ستقع على رؤوسهم عاجلا ام آجلاً، طالبوا. ولكن من بيده تحديد أي بيت بحاجة للترميم، لم ير ان هذا البيت يستحق الترميم! تماما كما حصل مع بيت مجاور لعيادة الأنروا، ما دفع صاحب المنزل الى جمع المبلغ المطلوب من الأقارب و شراء المواد اللازمة لترميم سقف بيته. حتى انه عمل بنفسه واعانته سواعد زوجته وابنائه ليوفر كلفة عمال الهدم!
ها هي الآنروا تعمد، مرة أخرى كعادتها، الى "تطنيش" البيوت المحتاجة للترميم تحت حجج مختلفة، منها ان التقييم يظهر بأن هناك بيوتا أكثر تضرراً، ومنها أن هذا البيت متضرر بعض الشيء لكن ليس لدرجة السقوط. لكن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا الاهمال لبيوت دون غيرها هو في الأشخاص المسؤولين عن تحديد البيوت التي ستخضع للمساعدة و الترميم. هذا هو الحال في المخيم، ان لم تكن تعرف احداً منهم معرفة شخصية او لديك معه مصلحة متبادلة، فلن تحصل منهم شيئاً!
هي قضيةٌ تعني الوسط الفلسطيني، وبرسم السفارة الفلسطينية قبل أي أحدٍ آخر، ففي النهاية هي من يستطيع التحاور مع الدولة اللبنانية، وتنصّب نفسها حاميةً للشعب الفلسطيني ووكيلة شرعية له، ولكن مع هذا حينما يحتاجها قد لا يجدها أبداً. فمشاكل السكن اللائق ليست المشكلة الوحيدة، فأزمة المجارير لا تنتهي، فضلاً عن "شهداء" الإهمال الذين يقتلون بتشابك أشرطة الكهرباء مع الرطوبة التي تسببت حتى اللحظة بأكثر من عشر حالات وفاة، من دون أي حلٍ من أي نوعٍ. لا شك أن قدرنا جميعاً الموت، ولكن، يبدو في النهاية أن قدر الفلسطيني هو أن يموت بحادث ما وهو يبحث على الأقل عن حياة أفضل.