دمشق ــ الأخبار المسافة بين ساحة الأمويين، حيث يحتشد آلاف من مناصري النظام، وبين الميدان، الحي العريق الذي بات مسرحاً لتظاهرات معارضة، لا تعدو بضع دقائق. لكن المنتقل من الساحة إلى الحيّ يشعر بكم التباين في المنطقتين الواقعتين في قلب العاصمة السورية.
ولطالما ارتبط اسم حيّ الميدان الدمشقي بكثرة المطاعم التي تغرق في تفاصيل المطبخ الشامي وحلوياته، فضلاً عن جمالية حاراته الضيقة وبيوته التي لا يزال بعضها يحتفظ بالطراز القديم. لكنه اليوم بات حياً دقّت الأزمة أبوابه، وباتت العناصر الأمنية ضيفاً شبه دائم فيه.
رواية شهود من أبناء الحيّ موالين للنظام تقول إن «الحكاية بدأت يوم الأحد الماضي، بدخول سيارة من طراز «كيا» بيضاء اللون منطقة الجورة الملاصقة للميدان والمعروفة بغالبيتها المذهبية الموالية للنظام، وقيام ركابها بإطلاق النار بصورة عشوائية قبل أن يلوذوا بالفرار». أهل الميدان، بحسب الرواية نفسها، اعتبروا أن حادثة كهذه لن تمر من دون رد. في اليوم التالي، الاثنين، تتابع الرواية، «هاجمت مجموعة من الشبان فتاة صغيرة وأبرحوها ضرباً معتمدين لهجة أهل الجورة. فوراً، انتشر خبر أن شباناً ينتمون إلى مجموعة مذهبية معينة حاولوا خلع حجاب فتاة، ولما رفضت، ضربوها حتى الموت. وسارعت معلمات مدارس المنطقة ممن ينتمين إلى حركات إسلامية راديكالية إلى تحريض التلميذات على الخروج في تظاهرات دفاعاً عن الحجاب، مع انتشار رواية أن تشييع الفتاة القتيلة في اليوم التالي في جامع المازي».
تضيف الرواية، التي تتقاطع في جزء منها مع رواية المقربين من النظام، أنه في هذا الوقت، «كانت امرأة مسنة من منطقة نهر عائشة قد توفيت وتشييعها مقرر في جامع الدقاق الثلاثاء». وتتابع أنه «أُوحي لأهل الميدان أن التابوت الذي وضعت فيه جثة المسنة هو تابوت الفتاة القتيلة، التي خرج أهلها عبر التلفزيون يؤكدون أنها لا تزال على قيد الحياة. التقت الجنازتان في منطقة أبو جبل وعبرتا معاً زقاق الشربجي الذي يصلها بالقرنيش. كان العدد يتجاوز ثلاثة آلاف شخص. في هذا الزقاق، أخذ المشيعون يكسرون المحالّ. في هذا الوقت، أشعل المتظاهرون حافلة في منتصف شارع الثريا لقطع الطريق على قوات الأمن، وأغلقوا جميع الطرق المؤدية إلى المنطقة بالسيارات، عدا تلك الخاصة بالمشاة التي قطعت بدواليب محترقة موضوعة على أعمدة حديدية».
تتابع الرواية تقول إن «شائعة انتشرت كالنار في الهشيم تفيد بأن الجثة اختفت وأن الأمن سرقها، قبل أن يبدأ إطلاق نار كثيف من وسط تجمع المتظاهرين. إطلاق نار استمر لنحو ثلاثة ساعات، قتل في خلاله ثلاثة من المتظاهرين، اثنان من منطقة الحجر الأسود وواحد من منطقة قدم، أصلهم من درعا. عمدت قوات الأمن إلى استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وبدأ التجمع يتلاشى شيئاً فشيئاً».
وتشير الرواية إلى أن «أقل من 20 شخصاً نزلوا يوم أمس إلى حيّ الميدان يهتفون ضد «الكفرة» وبشعارات معادية للنظام»، قبل أن تختم بأن غالبية سكان الميدان من درعا، وغالبية سكان الحجر الأسود فلسطينيون ومن الجولان المحتل، وسكان القدم معظمهم من حوران.
رواية أخرى لمقربين من النظام تنفي نفياً قاطعاً أي إطلاق نار من قبل قوات الأمن، مشيرة إلى «أوامر رئاسية تمنع إطلاق النار في العاصمة»، وتتحدث عن خروج تجار المنطقة وأصحاب المحالّ للتصدي للمتظاهرين، وتشير كذلك إلى سقوط 4 قتلى من رجال الأمن وعشرات الجرحى وقتيلين درعاويين من المتظاهرين في مواجهات يوم الثلاثاء.
غير أن لأهل المعارضة رواية مختلفة. يقول مروان، أحد الناشطين في المعارضة، إن «القصة بدأت باستشهاد الطفلة هلا الديراني، ومن ثم سريان أنباء عن استشهاد طفلة أخرى تدعى هالة المنجد. لذلك، فقد تقرر تشييع الطفلتين بحشد كبير عملت التنسيقيات في جميع أحياء دمشق على الدعوة إليه. وبالفعل، حضر الآلاف لتفاجئنا قناة الدنيا بأن الطفلة الثانية لا تزال حية ترزق، فيما الحقيقة أن الأمن نجح في نقلها بعد إصابتها إلى أحد المشافي، حيث أبلغ عن وفاتها، وربط تسليم الجثة بتوقيع إقرار بأن العصابات المسلحة هي من قتلتها، إلا أنه عاد وماطل في تسليم الجثة المفترضة، ليتبيّن بعد ذلك أن الطفلة لا تزال حية».
ويؤكّد مروان «استشهاد الفتاة الثانية ودفنها فجر اليوم نفسه»، مشيراً إلى أن إعلان قناة الدنيا لم يؤثّر على التظاهرة، حيث «تجمع أربعة آلاف شخص عند مدرسة ثانوية، ولفت انتباهي علم الاستقلال الضخم الذي يلوّح فوق رؤوس الجميع. وكان عدد كبير من المتظاهرين قادمين من مناطق عدة في الشام».
وتفيد أوساط المعارضة بأن التظاهرة انطلقت باتجاه المقبرة، واصطدمت بقوات الأمن، حيث دارت مواجهة أدت إلى سقوط عدد من القتلى، مشيرة إلى أن الرصاص نجح في تفريق المشيعين.
سقوط القتلى والجرحى دفع إلى تكرار التظاهرة في اليوم التالي، لكن الحال تغيرت؛ ففي اليوم التالي، بحسب قول فراس، من حيّ الميدان، «طوقت قوات الأمن المنطقة بآلاف العناصر المسلحين، إضافة إلى القناصة، وبات الدخول والخروج عبر الهوية الشخصية، فيما عمدت بعض سيارات الأمن إلى الدوران في الحارات الضيقة، ما دفع الناس إلى تأجيل التشييع حتى اليوم التالي».
وأشار الصحافي إياد شربجي إلى أن القوى الأمنية اقتحمت المناطق المحيطة بالميدان وأقامت حواجز في معظم الطرق، إضافة إلى حملة اعتقال. أما عمر، الطالب الجامعي المقيم في الحي، فأشار إلى أن «الأمن عمد إلى زرع مئات المخبرين في قلب الحي، حتى باتت إحدى حارات الميدان تلقب بحارة «العواينية»، وهؤلاء يتطوعون بأنفسهم لاعتقال أي متظاهر يقع بين أيديهم». ويضيف: «بالطبع هناك عدد كبير من المحال التجارية التي بات من المعروف بالنسبة إلى الأهالي علاقة أصحابها ومن يعملون بها مع القوى الأمنية، كل هذا يجعل الحال في المنطقة صعبة للغاية».
من ناحية أخرى، يقول وسام، الموظف، إن «التعاطي الإعلامي مع الميدان مختلف كلياً، وإنه بمتابعته للإعلام الرسمي يلاحظ غياب التحريض والكلام المليء بالعنف عند الحديث عن المنطقة، على عكس كل المناطق الأخرى في سوريا».
وتقول أوساط المعارضة إن عشرات الناشطين يُعدّون لتظاهرات في ساحة الأمويين والعباسيين، ستترافق مع وصول بعثة المراقبين العرب إلى العاصمة.