غضب واستياء في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وغضب واستياء لدى السياسيين في تل أبيب، واتجاه لفتح تحقيق في التسريبات. هذا هو ردّ الفعل على كشف الرئيس السابق للحكومة ولوزارة الأمن، إيهود باراك، أن إسرائيل شارفت على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ثلاث مرات خلال الأعوام الماضية، إلا أنها تراجعت عن مخططاتها، بناءً على «نصيحة» من الجيش الإسرائيلي، وبسبب مخاوف تتعلق بموقف الولايات المتحدة.
الدفعة الثانية من التسريبات جاءت أمس مثل «صاعقة» كما وصفها الإعلام العبري، وستدفع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الرد على باراك. إذ عادت القناة الثانية وبثت في نشرتها المسائية أمس، تسجيلات جديدة، اتهم فيها باراك، نتنياهو بأنه «شخصية ضعيفة ولا يرغب في القيام بخطوات صعبة، ما لم يكن مجبراً عليها».
ورغم «الضجيح» وانشغال الإعلام الاسرائيلي بتصريحات باراك، أمس وأول من أمس، التي وصفها البعض بأنها «ثرثرة» وتسبب الضرر للمصلحة الإسرائيلية العامة، وأنها مفيدة للموقف الإيراني في ظل الحرب القائمة على الاتفاق النووي والتصويت في الكونغرس، لكن السؤال الأبرز كان بشأن الكشف عن أمر آخر في إسرائيل، وهو أن الرقابة العسكرية صدّقت بعد الاطلاع على تصريحات باراك، وسمحت بنشرها في القناة الثانية العبرية.
قرار الرقابة العسكرية لا يأتي من فراغ، وهي لا تصدر قراراتها تحديداً بشأن موضوع حساس يتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي ــ كما هو توصيف الضربة العسكرية للمنشآت النووي الإيرانية ــ إلا لغايات وأهداف محدّدة. كذلك لا يصدر الرقيب العسكري قراراته، في حالات كهذه، إلا بعد مراجعة أرفع المستويات في تل أبيب، وصولاً إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.
صحيحٌ أن تصريحات باراك تكشف عدداً من السياسيين والعسكريين، السابقين والحاليين أمام الجمهور الإسرائيلي، على أنهم يظهرون مستوى عالياً من الشجاعة، ويدفعون إلى المواجهة مع إيران في العلن، فيما هم على طاولة القرار جبناء ــ وتحديداً وزير الأمن موشيه يعلون، والوزير المكلّف الملف النووي الإيراني، يوفال شتاينطس ــ لكن السماح بعرض التصريحات، كما وردت، ولا سيما أنه جاء بقرار من بنيامين نتنياهو نفسه، قد يفيد الحملة القائمة ضد الاتفاق النووي، وذلك في إظهار جدية إسرائيل بشأن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، ويفيد بأنّ تل أبيب مصرّة بالفعل على الخيارات العسكرية، وأن لديها القدرة على تنفيذ تهديداتها، بدليل أنها كادت أن تهاجم إيران، في مناسبات ثلاث، إلا أن التصويت عليه، أو الظروف، حالت دونه.
ورغم تأكيد القناة الثانية العبرية، التي بثت التسجيلات الصوتية لإيهود باراك، أنها استحصلت بالفعل على تصديق الرقابة العسكرية لنشر التسجيلات، إلا أن رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي (الليكود)، تعهّد بإجراء تحقيق في ما إذا كان نشر أقوال باراك جاء بعد الحصول على تصريح لازم بشأنها، وإن كان كذلك، عن الأسباب التي دفعت بالرقابة إلى السماح بنشرها. وفي حديث إذاعي، أشار هنغبي إلى أن الإدلاء بأقوال من هذا النوع لا تصبّ في مصلحة أمن الدولة.
وفيما استغرب وزير الداخلية، سيلفان شالوم، تصريحات باراك ووصفها بالضارة جداً، أشار إلى أن القضية من شأنها أن تدفع كبار المسؤولين للخشية من الإعراب عن مواقفهم حتى في الجلسات المغلقة. وأكد الوزير الليكودي، زئيف الكين، أن التصريحات «هائلة الأضرار»، على اعتبار أنها تسريبات عن مداولات أمنية سرية.
واتهم وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، باراك بالكشف عن أسرار الدولة، واصفاً تصريحاته بـ«المضرة». وقال في مقابلة مع إذاعة الجيش إن تصريحات كهذه يقوم بها وزير سابق تخدم في نهاية المطاف الموقف الإيراني، و«هذا يدل على أنك (باراك) ثرثار وغير جدي وشخصية غير موثوق بها».
وأفردت الصحافة العبرية، أمس، صفحاتها الأولى للتسريبات، مع تحليل واسع جداً لأسبابها وتداعياتها. وكاد المعلّقون أن يجمعوا على أن رواية باراك منقوصة، وفي أقل تقدير لا يمكنها أن تقنع أحداً بأن رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، ايهود باراك، ما كانا قادرين على توفير غالبية في المجلس الوزاري المصغر، لو كانا بالفعل مصمّمين وحازيمن في توجيه ضربة عسكرية لإيران.
ولفتت صحيفة «معاريف» إلى أنه لا يوجد رئيس حكومة إسرائيلية لا ينجح في تجنيد التأييد لقرار يتعلّق بالأمن القومي وبـ«التهديد الوجودي»، لكن نتنياهو كان قوياً بالأقوال وضعيفاً بالأفعال. وأضافت أن نتنياهو لم يتخذ أساساً القرار بتوجيه الضربة العسكرية لإيران، وإلا ما كان ليسمح بعرقلة هذا القرار ويسمح للوزراء شتاينطس ويعلون وغيرهما، بفرض آرائهم ومخاوفهم.
وأكدت الصحيفة أن ما ورد في تسريبات باراك، وتحديداً ما يتعلق بتحميل رئيس الأركان السابق، غابي أشكنازي، المسؤولية عن عرقلة قرار الخيار العسكري ضد إيران، لا يعبر بالفعل عن الحقيقة، إذ إن المؤسسة الأمنية، برمتها، كادت أن تجمع على معارضة هذا الخيار وليس أشكنازي فقط، وإن كان الأول بين المعارضين. وأشارت إلى أن المعارض الأكثر تصميماً كان رئيس «الموساد» في حينه، مائير داغان، كذلك عارض رئيس الأركان اللاحق، بني غانتس، ورئيس «الموساد» اللاحق، تامير بردو، ورئيس «الشاباك» يورام كوهين، ورئيس شعبة الاستخبارات أفيف كوخافي (قائد المنطقة الشمالية حالياً). وخلصت الصحيفة إلى القول: رغم كل ذلك، كان بمقدور رئيس الحكومة أن يتجاهل المعارضين، ويصدر الأمر بتنفيذ الهجوم، لكنه لم يحاول.