رام الله | يبدو أنّ الاستيطان الإسرائيلي الذي يأكل أراضي الضفة المحتلة، لم يعد كافياً لقضم هذه المساحة الموعودة بأن تكون ملكاً للفلسطينيين في دولتهم التي يسعون إليها، بل إن السلطة الفلسطينية، الموكلة بإدارة المناطق (أ) من الضفة، تُسهم في ضياع تلك الأراضي.قرار استملاك جديد من السلطة لأراض خاصة لمواطنين من مدينتي طولكرم ونابلس في الضفة يلوح في الأفق، وهذه المرة لمصلحة إقامة مصنع ضخم للإسمنت وللصناعات الإنشائية، إضافة إلى مقالع ومحاجر.

المشروع أعلنته شركة «سند» للصناعات الإنشائية، التي تتبع صندوق الاستثمار الفلسطيني (يتهم بأنّ أمواله تديره السلطة بطريقة غير قانونية)، وقد أطلقت شركة «سند الشمال» لتحقيق الغاية بتكلفة أولية تصل إلى 310 ملايين دولار، وعلى مساحة 2000 دونم من أراضي المواطنين في منطقة تقع شرق طولكرم وشمال غرب نابلس، شمال الضفة المحتلة، وهي مليئة بأشجار الزيتون المثمرة.
رئيس بلدية عنبتا، ثابت أعمر، أكّد لـ«الأخبار» تخوّف أصحاب الأراضي من أن يمرّ قانون الاستملاك على أراضيهم كما سبق أن مرّ على أراضي المواطنين في ثلاث قرى شمال رام الله لمصلحة مشروع إقامة مدينة «روابي» ــ ثارت عليه ضجة كبيرة ــ قائلاً إن أصحاب الأراضي والبلدية وفصائل العمل الوطني «تقف ضد تطبيق مشروع سند على الأرض»، وذلك من مبدأ «رفض سلب المواطنين أراضيهم رغماً عنهم، ورفض إقامة مصنع الأسمنت الذي سيشكل كارثة صحية وبيئية على المنطقة».
وفي تجربة «روابي»، استُملكت أراضي المواطنين وأجبروا على بيع الدونم الواحد من الأراضي ببضعة آلاف من الدنانير الأردنية لتبنى عليها شقق سكنية تباع بعشرات آلاف الدولارات، كذلك جرى التنكّر لحقوق العشرات من أصحاب الأراضي ولم يحصلوا على أي أموال بعد سنوات من استملاكها. وظلت روابي تزحف حتى وصل الأمر إلى استملاك بيوت قائمة في القرى الثلاث التي التهمت أراضيها.
وأعلنت «سند»، كما تقتضي الإجراءات القانونية، في الصحف المحلية نيتها التقدم بطلب رسميّ إلى مجلس الوزراء الفلسطيني بعد 15 يوماً من تاريخ الإعلان، لتحصل على حق الاستملاك المطلق والحيازة الفورية للأراضي لتبدأ مشروعها.
وفي أول رد فعل لأصحاب الأراضي، اندلعت يوم الجمعة الماضي، «انتفاضة» على مدخل عنبتا، شرق طولكرم، في المكان الذي من المقرر أن يقام المصنع عليه. وأغلق أصحاب الأراضي الطريق الرئيسية هناك لساعات وهتفوا مشبهين الاستملاك بالاستيطان الإسرائيلي، وتوعدوا بالتصدي للمشروع بدمائهم. كذلك كان لكل من محمد مصطفى (رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الذي تتبع له شركة سند)، ورامي الحمدالله (رئيس حكومة الوفاق وابن بلدة عنبتا)، نصيب من الهتافات المضادة.
ومشروع «سند»، إذا ما طُبِّق، فهو لا يلتهم مئات الدونمات الخضراء وحسب، بل يسحق كل المحاجر والكسارات والمقالع القائمة في المنطقة المحيطة بأكملها، ويحتكر الصناعة هذه وأرباحها.
ووفقاً للقانون الأردني الذي يسري في الأراضي الفلسطينية في الضفة، لا يجوز استملاك الأراضي الخاصة للمواطنين إلا لأغراض المنفعة العامة. لكن رئيس السلطة، محمود عباس، كان قد أقرّ من قبل قانون الاستملاك على أراضٍ خاصة في محافظة رام الله لمصلحة مدينة «روابي»، وهو مشروع ربحي لمنفعة أصحابه كما هو حال مشروع «سند الشمال» الجديد، الذي لا يسند إلا جيوب مالكيه.