في البدء سمّوها «ثورة» ثم «الربيع العربي» ثم «الحراك» و«التمرّد» فـ«النهضة العربية»... أما الآن، وبعد عام على مواكبة التحركات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقف الإعلام الغربي مصدوماً يفتّش عن تسمية جديدة تليق بالسيناريوهات المبهمة والاسئلة الكثيرة التي يطرحها أمام قرّائه. هل انتقلنا الى «شتاء عربي»؟ سأل البعض، فيما سلّم البعض الآخر بأن المجهول هو سيّد الموقف، لتتكرر الفكرة القائلة إن الأكيد الوحيد في المشهد العربي الآن هو أننا لسنا متأكدين من أي شيء.

روبرت ساتلوف، مدير «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، يتوقف بداية عند التسمية بحدّ ذاتها. هو يرى أن «الربيع العربي» ما عاد الاسم المناسب، فذلك «الربيع» الذي بدأ «غداة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥»، حسب الكاتب «لم يعد اسماً ملائماً» خصوصاً بعد انتصار حزب الله في البلد. ثم ينتقل ساتلوف الى كلمة «النهضة» التي استعملت لوصف الحراك العربي، فيذكر أنها عندما استخدمت للمرة الاولى عام ١٩٣٨ في كتاب بعنوان «النهضة العربية» للبناني جورج أنطونيوس، حملت معنى قومياً عربياً. لكن «نهضة عام ٢٠١١ حرّكت قومية كل بلد على حدة ولم تحمل أيديولوجية قومية عربية جامعة» يشير ساتلوف، رافضاً بذلك تسمية «النهضة» أيضاً. الكاتب يقترح كلمة «انتفاضة» لتوصيف التحركات العربية، إذ، هو يرى أنها تشبه الطبيعة الشعبوية لا النخبوية لما جرى في الشوارع العربية، كما تحمل في ذاتها معنى المجهول أو عدم التيقّن من النتائج التي قد ترشح عنها.
وبعد إيجاد التسمية «المناسبة» يسأل ساتلوف «ما الذي تعنيه اذاً تلك الانتفاضات؟»، وهنا توجد «فخاخ كثيرة» أيضاً؟ يضيف الكاتب. وبينما يجزم بأن الرابحين من «الانتفاضات العربية» هم الاسلاميون السنّة والخاسران هما إسرائيل وإيران، يقول الكاتب إنه «من المبكر جداً تكهّن النتائج الآن وما اذا كانت ستدوم، او كيف سيكون تأثيرها على الاستراتيجيات العامة في المنطقة العربية».
وبغض النظر عما ستؤول اليه نتائج تلك «الانتفاضات»، يشرح الكاتب أن هناك ٥ متغيرات جذرية محت مفاهيم قديمة طالما ارتبطت بالمنطقة وهي: المبدأ القديم القائل إن النخبة فقط وليس القدرة الشعبية هي التي تتحكم باستمرارية الانظمة أو سقوطها. ثانياً، أن الانظمة القمعية يمكنها، وستستخدم كل سلطات الدولة للحفاظ على نفسها وديمومتها. ثالثاً، يرى الكاتب أن الخطر المحدق بالانظمة الحليفة للغرب في المنطقة لم يعد إيران أو «الهلال الشيعي» بل حلّ محله «الهلال السنّي». رابعاً، المملكة العربية السعودية لن تكتفي بعد اليوم بسياسة دفع الاموال لأعدائها أو الاتكال على الولايات المتحدة لحماية أمنها. خامساً، لم يعد جائزاً الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستعتمد على مبدأ أن «الشيطان الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه» في تحديد أولويات الحفاظ على مصالحها في المنطقة.
دانيال بايمان من جهته، يحسم في مقال في «ذي واشنطن بوست» أن ما كان «الربيع العربي» بات «شتاءً بارداً». بايمان يستثني من تشاؤمه هذا تونس فقط، إذ «هي الوحيدة التي ستنجح في الانتفال الى الديموقراطية» حسب الكاتب. فماذا عن الباقين؟ يقول الكاتب الاميركي إن «سبب عدم صلاحية الأرض العربية لتقبّل بذور الديموقراطية لا يكمن في شعوبها بل هو نتيجة سنوات طويلة من القمع والكبت وتدمير المجتمع المدني الذي مورس من قبل الحكام... لذا فإن سقوط الانظمة القمعية لا يسقط سبلهم بالحفاظ على السلطة». ويذكر الكاتب أمثلة المجلس العسكري الحاكم في مصر الآن، والقبائل والعشائر في ليبيا واليمن، وفي باقي الدول العربية حيث لا يوجد بديل جاهز لتسلم السلطة. «ثم إن أغلب التحركات المعارضة التي أسقطت الانظمة ليست منظمة واعتمدت على مواقع التواصل الاجتماعي لتبلورها، ولا يمكن أحداً أن يحكم بلداً من خلال التجمعات السريعة» يضيف الكاتب. وفيما يرى بايمان حسنة وحيدة لما حصل في العالم العربي، وهي إسقاط ظاهرة «عبادة الشخص ـ القائد»، يقول إن «الانظمة القديمة الباقية ستكون ضعيفة، لكن الانظمة الحديثة ستكون أضعف». وفي الحالتين، يردف الكاتب، سنشهد على عدم استقرار داخلي، وعدم تناسق في السياسات الخارجية، وتضارب بين الحملات الانتخابية للمرشحين الجدد ومصالح بلدانهم. وهنا، يبرز همّ الكاتب الاكبر ومصدر «قشعريرته» التي سببتها «برودة الشتاء العربي»، وهو أمن إسرائيل. بايمان يشير الى نتائج استطلاع للرأي قام به «مركز بيو للابحاث» وأظهر أن ٥٤٪ من المصريين يريدون إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل. الكاتب يخلص إلى أن «حكام الانظمة الجدد الذين يدركون معاداة الرأي العام في بلادهم لإسرائيل، لن يجلسوا مع القادة الاسرائيليين للدفع نحو أي سلام معهم».
مصدر آخر لتشاؤم الكاتب الأميركي، هو العلاقة مع الولايات المتحدة. بايمان يشير الى مفارقة في الموقف الاميركي، فالولايات المتحدة «لاقت تأييداً من الانظمة القمعية أكثر من الانظمة الديموقراطية في المنطقة». لذا، يستنتج الكاتب فإن الولايات المتحدة «واقعة بين ازدراء القوى الديموقراطية لها بسبب دعمها للحكام القمعيين، وبين ازدراء الانظمة القمعية لها بسبب دعمها ومد يدها للديموقراطيين، علماً أن تلك الانظمة هي حيوية ومهمة جداً للاقتصاد الاميركي». وأخيراً يحذّر بايمان من «الخطر الأكبر» وهو خطر انتشار الحروب الاهلية انطلاقاً من سوريا واليمن ووصولاً الى البلدان المجاورة لها.
تشاؤم بايمان أكّده دانيال برومبرغ على موقع «فورين بوليسي» إذ أكّد الأخير أن على الولايات المتحدة الاميركية أن تتهيّأ لـ«مرحلة طويلة وشاقّة تسودها الفوضى والاضطرابات والركود» في المنطقة العربية. برومبرغ يذكر أسباب هذا التصور الأسود للمنطقة، ومنها قمع الحكم السنّي في البحرين متظاهرين أغلبيتهم من الشيعة، وممارسات المجلس العسكري المصري حالياً بحق المتظاهرين، وبوادر الحرب الاهلية في سوريا واليمن وبداية أزمة بين المجلس الوطني الليبي وعشرات الميليشيات المسلحة في ليبيا...
سبب آخر يدعو إلى التشاؤم بنظر الكاتبة إيزوبيل كولمان في «فورين بوليسي»، وهو وضع المرأة. فكولمان ترى أن «التخلّص من سطوة الرجل على المرأة في العالم العربي هو أصعب من التخلص من الطغاة»، على الرغم من بروز النساء عنصراً أساسياً ومهماً في التحركات التي شهدتها المنطقة. وتردّ كولمان أسباب خشيتها تلك الى مجتمع بطريركي مسيطر والى صعود الحركات الاسلامية وتسلّمها السلطة في أكثر من بلد عربي، خصوصاً مع السلفيين في مصر وليبيا، «حيث ستتراجع الحرية الشخصية للمرأة وقد تخسر بعض ما كسبته في السابق من حقوق».
فرنسياً، دعا الكاتب الصحافي ألان غريش الشعوب العربية «إلى الاستفادة من حضاراتها وثقافتها وتقاليدها لابتكار نماذج حكم خاص بهم، ما سيستغرق وقتاً». غريش يبدو من جهته متفائلاً لأن «الشعوب التي ثارت لن تقبل بحكم ديكتاتوري بعد اليوم، ولأن «الاخوان المسلمين» طوّروا أفكارهم بشكل كبير»، ما سيضمن «عدم نشوء ديكتاتوريات إسلامية» في أنظمة ما بعد الثورة. غريش استنكر «غطرسة الدول الغربية وغرورها» الذي تمارسه تجاه الانظمة الاسلامية الجديدة الناشئة في المنطقة، ودعاها الى عدم الاعتراض على نتائج الانتخابات.



دروس في الاستعمار الغربي

وحده الكاتب سوماس مايلن، قدّم وجهة نظر مختلفة عما ورد في الاعلام البريطاني السائد. في مقال في «ذي غارديان»، يرى مايلن أن الشرق الأوسط لم يتحرر يوماً من الاستعمار بنحو كامل، وأنه لم يسلم قط من التدخلات الخارجية. الكاتب الذي نبش أرشيف «بريتيش باتيه» للأشرطة المصورة قارن ردود فعل الدول الغربية على بعض الاحداث التاريخية وعلى تغيّرات اليوم في المنطقة العربية. واستخلص ٧ دروس هي: ١ـ لم يوقف الغرب يوماً مساعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، ٢ـ تتوهم القوى الامبريالية بأنها تفهم ما يفكر فيه العرب، ٣ـ طالما انتهجت القوى العظمى سياسة تجميل صورة زبائنها من الدول للإبقاء على تدفق النفط، ٤ـ شعوب الشرق الاوسط لا تنسى تاريخها، ٥ـ طالما صوّر الغرب من يصرّ من العرب على إدارة شؤونه بنفسه بالمتعصّب، ٦ـ التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يجلب الموت والدمار و «فرّق تسد»، ٧ـ رعاية الغرب للاحتلال في فلسطين تمنع أي علاقات طبيعية مع العالم العربي.