الدابي «راضٍ» وامتحان حمص اليوم

توحي الصورة أن امتحان المراقبين العرب، الذين وصل نحو 50 منهم إلى سوريا أمس، يبدأ جدياً اليوم، وسط إعراب رئيس وفدهم عن رضاه التام عن تعاون السلطات «حتى الآن»، في مقابل ضغوط المعارضة السورية لتكليف مجلس الأمن مهمة تطبيق المبادرة العربية
يبدو أن الخلاف على نتيجة عمل بعثة المراقبين العرب، التي وصلت الدفعة الأولى من مراقبيها إلى دمشق أمس، قد بدأ مبكراً وسط استمرار المباحثات الغربية لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي حيال الوضع في سوريا. وبينما خرج الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي ليؤكد أن المراقبين في سوريا الذين يقدَّر عددهم بنحو 50، سينطلقون في مهماتهم اليوم، شدّد رئيس البعثة، محمد أحمد مصطفى الدابي، على أن مهمته تسير من دون عوائق «حتى الآن»، محذراً من يتابعون تحركات البعثة من القفز إلى استنتاجات بشأن نتائج المهمة. وطالب الضابط السوداني بمنح فريق عمله بعض الوقت، على وقع كشف مصدر في بعثة المراقبين أن الفريق «سيبدأ مهمته في سوريا بزيارة مدينة حمص الثلاثاء (اليوم) لأنها أكثر المناطق اضطراباً».
في هذا الوقت، عقد رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض، برهان غليون، مساء أمس، مؤتمراً صحافياً من باريس، أشار فيه إلى أن مراقبين للجامعة العربية «وصلوا إلى مدينة حمص، لكنهم لا يستطيعون القيام بمهمتهم». وأضاف غليون أن «هؤلاء أعلنوا أنهم لا يستطيعون الوصول إلى أمكنة لا تريد السلطات (السورية) أن يصلوا إليها»، متحدثاً عن وقوع «مجازر في حمص، وخصوصاً في حي بابا عمرو»، ومطالباً الجامعة العربية بـ«التدخل للتنديد بهذا السلوك». وأصرّ أيضاً على ضرورة «تدخل الأمم المتحدة وأمينها العام والقادة الأوروبيين للقول إنه ينبغي وضع حد لهذه المأساة».
من جهةٍ ثانية، طالب غليون بأن «يتبنى مجلس الأمن، بدعم من أعضاء الأمم المتحدة، المبادرة العربية (بشأن سوريا) وأن يعطي فرصة لتطبيقها»، بعدما أعرب عن اعتقاده أن «الجامعة العربية لا تملك الوسائل الفعلية لتطبيق هذه الخطة». وجاءت تصريحات غليون بشأن عمل المراقبين العرب لتتناقض مع تصريحات رئيس البعثة العربية، الذي قال لوكالة «رويترز»: «لقد قمنا بكل الإجراءات والتحضيرات، وهناك تعاون وثيق مع الإخوة السوريين، وهم يتعاونون بصورة جيدة لأبعد الحدود حتى الآن». كذلك أشار الدابي إلى أن السوريين سيتولون توفير وسائل الانتقال لبعثة المراقبين، وهي الخطوة التي قد تثير حفيظة المعارضة والمحتجّين، وهو ما يتناقض مع ما أعلنه نبيل العربي عن أن «الأمانة العامة للجامعة العربية استأجرت سيارات لنقل الفرق، نظراً إلى تأخر وصول السيارات المخصصة لنقلهم» إلى المناطق المختلفة في سوريا.
وفي السياق، نقلت «رويترز» عن أعضاء بعثة المراقبة العربية قولهم إنهم سيحاولون إبقاء عنصر المفاجأة من خلال إعلان المناطق المحددة التي يعتزمون زيارتها في اليوم نفسه لإتمام الزيارة. من جهته، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، أول من أمس أن لجنة المراقبين «ليست لجنة تفتيش، بل مراقبة فقط»، ووصف لقاءاتها بالمسؤولين السوريين بالإيجابية.
وفي موازاة الاستعدادات الجارية لانطلاق أعمال البعثة، كان الجامع الأموي في دمشق يشهد يوم السبت الماضي تشييع الضحايا الأربعة والأربعين للتفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في دمشق، وسط نفي جماعة الإخوان المسلمين مسؤوليتها عن التفجيرات التي استتبعت مزيداً من المواقف المنددة من حركة «حماس» وتركيا وإيران إلى جانب العراق وروسيا والصين. واتهمت جماعة «الإخوان المسلمين» النظام بالوقوف وراء هذه الاعتداءات، وبمحاولة إلصاق التهمة بها، مشيرةً إلى أن «بعض عملاء النظام زوّروا صفحة باسم الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين على الإنترنت، ووضعوا عليها بياناً مختلقاً ينسبون فيه إلى الجماعة تبنيها العمليتين».
وفي السياق، كشفت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي» أن أجهزة الاستخبارات الروسية سلمت تقريراً لدمشق، تضمّن «معلومات عن اختراقات في أجهزة الأمن والجيش السوريين»، وعن «انشقاقات غير معلنة» لضباط ومسؤولين سوريين. ونقلت الوكالة عن مصدر لم يكشف عن هويته قوله إن التقرير احتوى على معلومات تحذيرية بشأن «عمليات إرهابية ستقوم بها جهات أمنية سورية (مخترقة)، ضد أعضاء بعثة المراقبين العرب» بهدف توريط دمشق بـ«اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وقمع المحتجين وارتكاب جرائم حرب».
في غضون ذلك، تتواصل المشاورات في مجلس الأمن الدولي في مشروع قرار حيال الأزمة السورية، وسط استمرار الرفض الروسي لفرض مزيد من العقوبات على دمشق. وفي السياق، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف رفضه فكرة أن جميع أطراف المعارضة السورية أناس سلميون وغير مسلحين، مؤكداً أنه يعرف بنحو موثق كيف تجري عمليات إمداد المعارضة ودعمها من الخارج. وفي إطار متصل، كشف مصدر في «المجلس الوطني السوري» أن عدداً متنامياً من أعضائه يضغطون للإعلان صراحة عن تأييد العصيان المسلح ضد الحكومة، لكنهم لا يزالون يواجهون بمقاومة من داخل صفوف «المجلس». في المقابل، تحدث السفير الألماني لدى الأمم المتحدة بيتر فيتيج عن ضرورة تضمين القرار الجاري مناقشته في نيويورك «مطالب الإفراج عن السجناء السياسيين، وإشارة واضحة إلى محاسبة الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان» فضلاً عن دعم المبادرة العربية.
ميدانياً، تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مواصلة القوات السورية حملتها الأمنية لليوم الثالث لاستعادة السيطرة على حي بابا عمرو في حمص، «ما أدى إلى سقوط 23 قتيلاً، فضلاً عن سقوط عدد آخر من القتلى خلال الأيام الماضية في حمص وحماه وريف دمشق وإدلب ودير الزور». في المقابل، أفادت وكالة الأنباء السورية «سانا»، عن مقتل 7 من العناصر الأمنية وجرح آخرين في درعا وحمص خلال اليوميين الماضيين، فيما أُعلن تشييع «جثامين 9 شهداء» من المستشفيات العسكرية. وأشارت أيضاً إلى اغتيال طبيب ضابط برتبة عقيد في الجيش السوري في عيادته الخاصة، فضلاً عن اغتيال عضو اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم غازي زغيب وعائلته في مزرعته الكائنة في حي بابا عمرو.
(أ ف ب، رويترز، أ ب، يو بي آي)