تونس | يمكن القول إن الحكومة التونسية الجديدة التي تألّفت بتحالف براغماتي بين أكبر الأحزاب الثلاثة الفائزة في انتخابات المجلس التأسيسي، ذات نهجين فريدين: الأول نهج سياسي، حيث تتقاسم الأحزاب الثلاثة المتحالفة (النهضة الإسلامية والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من اجل العمل والحريات) الحقائب الوزارية، مع احتفاظ «النهضة» بـ 3 مناصب سيادية (الداخلية والعدل والخارجية)، في مقابل حصول حزبي المؤتمر والتكتل على حقائب وزارية أخرى مهمة، أبرزها الشؤون الاجتماعية والتكوين والتشغيل على سبيل المثال. النهج الثاني تكنوقراطي، إذ تضم الحكومة الجديدة شخصيات تكنوقراطية مستقلة تعمل في المناصب السياسية الحساسة، وخاصة تلك ذات الصبغة الاقتصادية كوزير المالية (المستقل) حسين الديماسي مثلاً. كذلك حرصت «النهضة» على تحييد المؤسسة العسكرية، وذلك باختيارها وزير الدفاع السابق في حكومة القائد السبسي، عبد الكريم الزبيدي، ليكمل مهمّاته على رأس الوزارة في رابع حكومة مؤقتة بعد الثورة. هذه الحكومة التي استطاعت «النهضة» تأسيسها على نهجين، تتكون في مجملها من 41 وزيراً وكاتباً للدولة، مع الأخذ في عين الاعتبار طاقماً من الوزراء والمستشارين، الذي عينه رئيس الحكومة حمادي الجبالي للعمل معه ضمن تكليفات بملفات اجتماعية، وهو ما طرح العديد من التساؤلات التي تفيد بأن الحكومة الحالية بوزرائها ومستشاريها، تتكون في مجملها من حكومة في قلب حكومة، وهو سيناريو مؤكد، وخاصة إذا ما عُلم أن معظم مستشاري الجبالي المكلفين بمهمات لدى الوزير الأول، هم مكلفون بملفات لها وزارات قائمة بالفعل. وفي السياق، يُلاحظ أن مستشاري الجبالي من قادة «النهضة»، ومهماتهم تتعلق في مجملها بملفات هي في الوقت نفسه مهمة في اللحظة الراهنة، لكونها تتعلق بالملفات الاجتماعية الاقتصادية، إضافة إلى وجود مستشار آخر هو لطفي زيتون، المكلف بالملفات السياسية.
هذه التركيبة الهجينة، وطاقم المستشارين الملحقين بالجبالي، عدّهما البعض عبارة عن خطة تعيد رسم صورة العهود الماضية، وخاصة عهد المخلوع زين العابدين بن علي، الذي كان يخصص طاقماً من المستشارين في القصر الرئاسي ليتخذوا القرارات عوضاً عن مجلس الوزراء، الذي كان في عدة أوقات مجرد مجلس صوري.
ورغم هذا الجدل الكبير، فإنّ التركيبة الحكومية الحالية تضم عدداً من المعارضين الذين اكتووا بنار النظام البائد، وخاصة بالنسبة إلى قادة «النهضة»، وأبرزهم وزير الداخلية الجديد علي العريض. كذلك رئيس الحكومة التونسية، الذي أراد أن يبعث بـ «رسائل تطمين» إلى مختلف فعاليات المجتمع التونسي، مؤكداً في بيانه الحكومي على ضرورة التكاتف والتآلف بين جميع الفئات الاجتماعية والسياسية (حتى المعارضة) في محاولة منه للقفز بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس منذ الثورة، بموازاة إعلان الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي «هدنة اجتماعية» لمدة ستة أشهر، وهو ما يشير إلى وجود بعض التماسك السياسي الذي يجمع الأقطاب الثلاثة لـ «ترويكا السلطة».
تماسك يبقى هشاً من حيث بنيته الفكرية البراغماتية التي تجمع حزبين علمانيين وحزب إسلامي، وقد يكون منطلقَه إحساسٌ بمسؤولية جماعية بأن الوضعية الحالية تستلزم بعض «الاستقرار السياسي الحذر» لإرجاع عجلة الإنتاج الصناعي إلى سكته، وخصوصاً أن الحكومة الحالية تواجه تحديات بالجملة.