كشف جدول لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن قراءة اسرائيلية ترى في تعزيز العلاقات مع الطرف الروسي مدخلاً للتأثير في خيارات موسكو بما يضمن الخطوط الحمر الإسرائيلية، إن بالنسبة للجولان، أو تجاه اي صيغة اتفاق مستقبلي تتصل بالساحة السورية، وتحديداً ما يتعلق ببقاء سوريا عمقاً استراتيجياً لحزب الله وممراً لأسلحته الاستراتيجية. وعلى هذه الخلفية تحوّلت العاصمة الروسية خلال الاشهر الماضية الى قبلة الحراك السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي. ولم يكن هذا التوجه إلا بعد تقدير وتسليم القيادة السياسية في تل أبيب، بالواقع المستجد على حدودها الشمالية. وأحد أهم معالمه تحوّل روسيا إلى قوة أساسية مقرّرة في الساحة السورية.وللمفارقة بدلاً من أن تتركز مساعي تل أبيب بالدرجة الأولى على بحث قضايا الجولان ومستقبل الوضع في سوريا مع الطرف الأميركي، وهي تفعل ذلك بالتأكيد، تتوالى زيارات ولقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم الروس، من ضمنها 4 لقاءات بين نتنياهو وبوتين خلال سنة واحدة، لبحث قضايا تتصل بمستقبل الوضع في سوريا، وكيفية مراعاة المصالح الاسرائيلية. ويعود ذلك إلى تقدير إسرائيلي بتراجع ما للاهتمام الاميركي بالمنطقة، من دون أن يمس ذلك طبيعة التحالف القائم بين واشنطن وتل ابيب، وحاجة الاخيرة الى احتضان ودعم الولايات المتحدة الاميركية. والى قناعة إسرائيلية بأنه لم يعد بالامكان الاكتفاء بتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة التقليدية، بل ايضاً مع قوى دولية صاعدة. وضمن هذا الإطار، يأتي أيضاً تعزيز العلاقات مع الصين والهند، ونسج تحالفات مع دول شرق المتوسط (اليونان وقبرص).
برغم العلاقات الوثيقة بين موسكو وكل من دمشق وطهران، تستند إسرائيل إلى امكانية احداث اختراق ما يحقق المصالح الإسرائيلية، قائمة بالدرجة الأولى على رغبة روسية بعلاقات مميزة مع إسرائيل، وعدم تبنيها نهجاً عدائياً تجاهها الامر الذي قد يسمح ببلورة مساحة مشتركة يمكن ترجمتها في أكثر من مجال.
على هذه الخلفية، لم يستخدم نتنياهو الكناية والمواربة في التعبير عن مصالح إسرائيل ومطالبها أمام الرئيس بوتين، بل جدّد أمامه الحديث عن خطوطها الحمر التي ينبغي مراعاتها في أي صيغة مستقبلية لسوريا، إلى جانب تعزيز التنسيق الأمني بينهما. وكرّر مواقفه بأسلوب التذكير واستعادة ما سبق أن عرضه في لقاء سابق بالقول «لقد استعرضت في لقاءاتنا السابقة سياستنا الأمنية على حدودنا الشمالية. لإسرائيل خطوط حمر واضحة للدفاع عن نفسها. أولاً، نعمل بقصارى جهودنا على منع تحويل أسلحة متقدمة من إيران وسوريا إلى حزب الله في لبنان. ثانياً، نعمل على إحباط فتح جبهة إرهاب أخرى ضدنا من الجولان. هذه هي خطوط حمر وسنواصل التمسك بها». أما بخصوص الجولان الذي بات عنواناً اساسياً في المرحلة الحالية، فأكد نتنياهو «إذا ما جرى التوصل إلى تسوية بسوريا أم لا، الجولان سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية».
وبحسب ما أدلى به نتنياهو، نقلاً عن المعلق السياسي اودي سيغل، فإن «رسالته حول الجولان استوعبها الرئيس بوتين الذي لم يرد على ذلك». ولفت نتنياهو الى أن "هذا لا يعني أن السياسة الخارجية الروسية ستواصل موقفها التقليدي».
وكشف نتنياهو في نهاية اللقاء أنه كان هناك «مشاكل في التنسيق بين الطرفين اضرت بحريّة عمل سلاح الجو (الاسرائيلي) في سوريا، وجرى حلّها الآن في اللقاء مع وزير الدفاع الروسي».
في هذا الاطار، رأت صحيفة «معاريف» أنّ نتنياهو «يرى في التسوية السياسية مع سوريا تهديداً فعلياً للجولان، ويخشى حتى من اقتراح منح الأسد منطقة الجولان كتعويض معين له». لكن مواقف نتنياهو اثارت بحسب الصحيفة نفسها، «الاستغراب حتى في أوساط كبار المسؤولين السابقين في المؤسسة الأمنية، الذين يدّعون أن تصرف نتنياهو لا يمثل الاستراتيجية التي ينبغي اعتمادها مقابل مع روسيا».
ولفتت «معاريف» ايضاً، الى أن الرئيس بوتين «لم ينضم الى التنديدات التي نشرت في الايام الاخيرة حول اعلان نتنياهو بأن اسرائيل لن تنسحب من الجولان» ورأت أن ذلك لا يعود الى كون الرئيس الروسي يؤيد ضمه بل لأنه سبق أن اعلن ضم شبه جزيرة القرم.
من جهته رأى رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي الاسبق، اللواء غيورا ايلاند، أن المشكلة لا تكمن في الموقف الاسرائيلي من الجولان وانما من التكتيك الذي جرى اعتماده. ولفت الى أنّ طرح الموضوع على جدول الاعمال بشكل علني يمثل تحدياً، لأن إسرائيل تبدو كمن يفرض أمرا واقعا ثم تأتي للحديث عنه، مؤكداً على حاجة اسرائيل لبحث هذه القضية مع واشنطن وموسكو. ورأى أنه كان من المناسب عدم الاعلان مسبقاً عن الموقف في الجولان كما حصل من قبل نتنياهو، والسبب أنه «كلما جرى العمل بسرية، هكذا يكون اسهل على الجانب الثاني القيام بالعمل المطلوب (لنا ايضا)، ولكن عرض ذلك كقرار من قبله وليس كقرار نجم عن الضغط او التأثير. اذا جرى القيام بمثل هذه الخطوة السرية امام روسيا، فلماذا يجب اغضابها بواسطة التصريح من على منبر في هضبة الجولان. واذا لم يتم ذلك بعد، فليس هناك ما هو أسوأ من وضع روسيا أمام حقيقة واقعة».