على الرغم من مهاجمتها المتواصلة لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلا أن فرنسا لا تزال تبدي حرصاً على استمرار الاتفاق النووي، مُتولّيِةً قيادة المساعي الأوروبية لإقناع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعدم الانسحاب من الاتفاق مقابل فرض عقوبات على طهران. في المقابل، تبذل السعودية، بقيادة ابن سلمان، أقصى جهودها للإطاحة بـ«الوثيقة المشتركة الشاملة»، محاوِلةً تقديم نفسها كبديل تمكن المراهنة عليه في الاستثمارات النووية، وابتزاز الأوروبيين بإمكانية حرمانهم من الفرص التي تتيحها «رؤية 2030». وإذا كان ولي العهد السعودي لم يجد صعوبة في التحريض على طهران داخل الولايات المتحدة - وإن بدت خطته لإقناع الأميركيين بمساعدة بلاده على تطوير برنامجها النووي غير مثمرة أقله على المدى المنظور - فإنه لم يلقَ الممالأة نفسها في باريس التي تجتهد في حماية اتفاق فيينا، بهدف شق طريقها نحو السوق الإيرانية الواعِدة بالنسبة إليها.
تم الإعلان عن استراتيجية جديدة لتصدير السلاح إلى السعودية
هذا الافتراق يستبين أيضاً في ملف لبنان، الذي لا يبدو «من السهل إطلاقاً لمستبد مثل ابن سلمان القبول» بتدخل ماكرون في قضية احتجاز رئيس وزرائه، سعد الحريري، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. تتطلّع باريس إلى أن «يكون لبنان مستقراً قدر الإمكان»، بحسب ما يؤكد خبراء فرنسيون، مشددين على أن «هذا الأمر لا يمر إلا باتفاق ما» مع «حزب الله»، وهو ما يمانعه السعوديون. أما في ما يتصل باليمن، فقد ظهر لافتاً أن الحكومة الفرنسية لم تَسْتَمِت، مثلما فعلت نظيرتها البريطانية، في إبطال دعوات المنظمات الحقوقية إلى وقف بيع الأسلحة إلى السعودية على خلفية الجرائم المرتكبة في هذا البلد، وتخفيف الحصار المفروض على الموانئ اليمنية. والأمر نفسه انسحب إزاء مطالبات منظمات أخرى بالضغط على الرياض لوقف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتذكيرها بأن «السعودية تحتل المرتبة الثالثة على قائمة أكثر الدول إعداماً للسجناء».
كل تلك الخلافات خيّمت على زيارة ابن سلمان الأخيرة ضمن جولته الأوروبية والأميركية، لتخلّف تأثيراتها على أجندتها ومخرجاتها. يوم أمس، أعلن مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الفرنسي أن ولي العهد السعودي ألغى زيارة كانت مقررة إلى مجمع «ستيشن إف»، أكبر مجمع للشركات الناشئة في أوروبا، على الرغم من أنه كان زار عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. وبرّر المصدر الفرنسي إلغاء الزيارة بأنه «تقرّر مواصلة العمل على تحديد المشروعات التجارية الفرنسية - السعودية قبل التطلع إلى زيارة رفيعة المستوى يمكن أن تجري الشهر المقبل». كذلك، أُرجئ توقيع العقود ذات الطابع الاستراتيجي إلى ما بعد «إعداد وثيقة استراتيجية ستصبح جاهزة بحلول أواخر 2018، على أن تَنتج منها عقود يتوجه ماكرون إلى السعودية بنهاية العام لتوقيعها»، بحسب ما أفادت به مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية.
بنتيجة ذلك، لن يتجاوز عدد البروتوكولات التي سيتم توقيعها خلال الزيارة 18 بروتوكول اتفاق في مجالات السياحة والطاقة والنقل، فضلاً عن اتفاقية تعاون لتطوير منطقة العلا في الحجاز، ذات الطابع الأثري التاريخي. ومن بين تلك الصفقات، المنتظر إبرامها اليوم الثلاثاء، ثمانية اتفاقات ستوقعها شركة «أرامكو» السعودية النفطية مع شركات فرنسية، بقيمة 10 مليارات دولار. أما على مستوى الدفاع، فقد أُعلن عن استراتيجية جديدة لتصدير السلاح إلى السعودية، والذي كانت تتولاه شركة «أو دي إيه سي». وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية، فإن الصادرات «ستصبح الآن مشمولة ضمن اتفاقية حكومية بين البلدين»، في حين «ستتولى شركة (أو دي إيه سي) فقط استكمال العقود القائمة». والجدير ذكره، هنا، أن فرنسا تُعدّ من أكبر مصدّري السلاح إلى السعودية، التي حصلت العام الماضي على تصاريح بتوريد أسلحة تفوق قيمتها 20 مليار دولار.