من دون إعلان مسبق، وفي شكل مفاجئ كما درجت العادة، حطّ ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة السعودية، حيث كان في استقباله بحفاوة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. اختار الحليفان مناسبة دخول قرارهما المشترك، مقاطعة قطر، عامه الثاني، لعقد اجتماع أحيط بتغطية إعلامية واسعة. مشهد الاجتماع عكس واقع البلدين، وبدا «قمة» بين حاكمين فعليين للبلدين الخليجيين، مع أن الرجلين يحملان لقب «ولي العهد» فحسب.توقيت الاجتماع المقصود بدا محاولة لإيصال رسالة إلى الدوحة، مفادها بأن الهجوم لا يزال مستمراً، وأن التحالف الذي نسجه «المحمدان» في الخليج والمنطقة عموماً، لا يزال قائماً ومتواصلاً، ويراد تعزيزه بصورة أعمق وأشمل. الرسالة القطرية المنبعثة من الصورة، يعززها تعليق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شريك الرباعي المقاطع للدوحة، والذي غرد على حسابه في «تويتر» بالقول: «تابعت باهتمام بالغ ما أسفرت عنه نتائج اجتماعات مجلس الأعمال التنسيقي السعودي الإماراتي... وما تمثله من تعزيز لآليات العمل العربي المشترك»، مضيفاً: «وإنني إذ أؤكد دعم مصر الكامل لكل الجهود المبذولة على صعيد تدعيم الروابط المشتركة بين الأشقاء... فإنني أُثمن هذه الخطوة متمنياً التوفيق لما فيه رخاء واستقرار شعوبنا جميعاً، وأؤكد أن النتائج المتحققة تُمثل نموذجاً يُحتذى به في تعزيز العمل العربي المشترك في شتى المجالات».
عقد الحليفان الخليجيان اجتماعهما تحت عنوان «الاجتماع الأول لمجلس التنسيق». مجلس أُعلن عن تشكيله في إطار اعتماد «استراتيجية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً» تتضمن 44 مشروعاً أُطلق عليها «استراتيجية العزم». تسمية الاستراتيجية المشتركة (العزم) وتوقيت الإعلان عنها وعن مجلس التنسيق المشترك ومشاريعه الضخمة ينبئ بأن الخطوة بمثابة تثبيت للتحالف العميق بين ابن سلمان وابن زايد، وإعلان وفاة غير رسمي لـ«مجلس التعاون الخليجي». فالمشاريع المعلن عنها للتعاون بين البلدين، والاستثمارات المشتركة الموقعة، تؤكد أن تحالف «الشيخ والأمير» لم يعد يعبأ بمفهوم التعاون الخليجي وعمل المجلس الذي حقق نجاحات نسبية في المرحلة الماضية بين البلدان الخليجية الست الغنية بموارد الطاقة. وتكمن أهمية لقاء جدة في كونه يثبّت مشهداً خليجياً جديداً، ويؤكد بعد عام على اندلاع الأزمة الخليجية طي الصفحة الماضية من الانسجام الخليجي النسبي. مشهد يعكس الوضع الإقليمي، من حرب اليمن إلى الانقسام الخليجي، ويبرز فيه الاصفاف الإماراتي السعودي قبالة قطر «المارقة»، وهناك على الهامش البحرين، المشيخة الملحقة بالثنائي (أبو ظبي ـ الرياض) والمسنودة بدعم اقتصادي وأمني وسياسي يمنعها من الانهيار، إلى جانب كل من الكويت وسلطنة عمان، اللتين تحاولان التوازن بين «النأي بالنفس» حيناً و«التمايز» بخجل عن الثنائي في أحيان أخرى.
أقرّ اجتماع جدة تشكيل مجلس تنسيق سعودي - إماراتي


هكذا ببساطة، ما عاد لـ«مجلس التعاون الخليجي» سوى الاسم، وأمين عام يطلق التصريحات المؤيدة للثنائي، لحساب قناة تنسيق مباشرة بين «المحمدين» تمسك بالمشهدين السياسي والاقتصادي في المنطقة، بانتظار إعلان انفراط عقد المجلس بصورة رسمية. وإذ يصر «المحمدان» على المضي في أجندتهما الخاصة، التي لا يتقاطع معها أي من الشركاء الخليجيين الباقين، لا تعود بعد ذلك أي قيمة تذكر لمشاريع تنسيق اقتصادي وأمني وتنموي شرع بها أعضاء «مجلس التعاون» في العقد الأخير. هذا المشهد الجديد كان ولي العهد الإماراتي واضحاً في التعبير عنه، بالقول: «نحن (الإمارات والسعودية) نشكل أكبر اقتصادين عربيين والقوتين الأحدث تسليحاً». وتابع ابن زايد مستخدماً العبارات نفسها التي كانت تتردد مع كل قمة خليجية قائلاً: «لدينا فرصة تاريخية لخلق نموذج تكامل عربي استثنائي، وبتكاملنا وتعاضدنا وتوحدنا نحمي مكتسباتنا، ونقوي اقتصاداتنا، ونبني مستقبلاً أفضل لشعوبنا».
وتأكيداً على تعميق التحالف الثنائي كبديل للواقع الخليجي، أقرّ اجتماع جدة 60 شهراً (خمس سنوات) كمهلة لتنفيذ «المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي بين البلدين». وعلى رغم واقع مقررات اجتماع جدة، أكد ابن زايد أن الاجتماع «دعم لمسيرة مجلس التعاون (الخليجي)». ولم يخف ولي عهد أبو ظبي، الذي تولى التصريح عن حليفه ابن سلمان، إضفاء صبغة «الزعامة العربية» على التحالف، بالقول: «نحرص من خلال التحالف مع السعودية على تشكيل نواة تعزز من التقارب وتوحد العرب حول قضاياهم المصيرية».
ويأتي اجتماع جدة بعد أيام من تدخل ولي العهد السعودي، لمصلحة أبو ظبي، في الخلاف الناشب بين الأخيرة وحكومة الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، الذي طلب منه ابن سلمان، في اجتماعهما الأخير، تجميد الخلاف، على وقع تعثر القوات المدعومة من «التحالف العربي» على جبهات الساحل الغربي لليمن. كذلك، في التوقيت، يحل الاجتماع بالتزامن مع تأجج الخلاف الخليجي، عبر عودة الحديث عن الخيار العسكري ضد الدوحة وفق التسريبات الفرنسية في شأن مخاوف السعودية من صفقة «أس 400» تنوي قطر إبرامها مع موسكو. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أمس، أن «أزمة الثقة» مع الدوحة مستمرة، مستبعداً تغير موقف الرباعي منها. وأعاد قرقاش، في حديث صحافي، سرد الاتهامات ضد قطر، والتي بدا لافتاً أنه أضاف إليها تهمة رعاية الحكومة القطرية في شكل منهجي لـ«المعارضة السعودية».