من هذا الذي يخوض معركة ضدّ كندا؟ سؤالٌ طرحه عدد من الكتّاب والصحف خلال الأيام الأخيرة. فحوى السؤال الذي تكرّر في تغطية هجوم السعودية على كندا، أراد في الحقيقة معرفة سبب شنّ حملة ضد كندا «الدولة الليبرالية، متعددة الثقافات، ذات التأمين الصحي المجاني، وبرئيس وزراء يرتدي جوارب كُتب عليها تمنيات بعيد مبارك»، مثلما ورد في موقع «ذي إنترسبت» على سبيل المثال. السعودية فعلتها. هاجمت إحدى أكثر الدول المعروفة بـ«مسالمتها» و«انفتاحها»، والأهم من ذلك أنها إحدى الدول الرئيسة في تسليحها. كل هذا لم يكبح غضب هذه الأخيرة الذي انفجر بعدما طالبت أوتاوا بإطلاق سراح ناشطتين سعوديتين اعتقلتهما الرياض أخيراً.
حملة إعلامية كبيرة على كندا، رافقت الإجراءات التي اتخذتها السعودية ضد الدولة الغربية، مثل استدعاء السفير السعودي من أوتاوا، مع آلاف الطلاب السعوديين الذين يتعلمون في جامعات كندا، وغيرها من الإجراءات الصارمة. حتى أن بعض الناشطين السعوديين على «تويتر»، انشغلوا بدعم استقلال مقاطعة كيبيك، في محاولةٍ لـ«الثأر» من كندا. هذا الأداء السعودي رآه البعض انعكاساً لشخصية ولي العهد محمد بن سلمان «المندفع» و«الحساس حيال النقد».

كيف بدأت الأزمة؟
يوم الجمعة الماضي، أصدرت السفارة الكندية في الرياض بياناً طالبت فيه السلطات السعودية بإطلاق فوري لسراح الناشطتين السعوديتين سمر بدوي، شقيقة الناشط المعتقل رائد بدوي، ونسيمة السادة.
في آخر خطواتها ضدّ الحكومة الكندية، أوقفت السعودية برامج العلاج الطبي في كندا، في وقتٍ تجهز فيه لنقل كل المرضى السعوديين من المستشفيات الكندية إلى مستشفيات خارج البلاد.
وبعدما استدعت سفيرها في أوتاوا وأمهلت السفير الكندي لديها 24 ساعة للمغادرة، جمّدت السعودية صفقات تجارية مبرمة حديثاً مع كندا، علماً بأن قيمة التجارة السنوية بين البلدين تبلغ 4 مليارات دولار، فيما تبلغ قيمة الاتفاقيات العسكرية الثنائية 13 ملياراً.
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد قال عبر موقع «تويتر» قبل يومين، إن «الموقف الكندي المستغرب مبنيّ على معلومات مضلّلة»، مؤكداً أن «إيقاف المذكورين (بدوي والسادة) يخضع لأنظمتنا القضائية التي كفلت حقوقهم». وأشار إلى أن السعودية لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى ولن تقبل أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، وأنها تتعامل مع ذلك «بكل حزم».
كندا ردّت من جهتها، عبر وزيرة خارجيتها، أنها ستظلّ دائماً تقف إلى جانب حقوق الإنسان في العالم، كما علّقت على الإجراءات السعودية بتعبيرها عن القلق حيال التصعيد السعودي، في وقت تحاول فيه الاستعانة بحلفاء الرياض في بريطانيا والولايات المتحدة لتهدئة الأوضاع.




حملة إعلامية سعودية
بموازاة الإجراءات الحكومية، شنّت قناة «العربية» التابعة للحكومة السعودية حملةً على كندا، مركزةً على سجل حقوق الإنسان هناك. انتقدت القناة التلفزيونية توقيفات جرت في كندا لـ«سجناء الرأي»، معتبرةً أن هذه الممارسات «غير مطابقة لمعايير حقوق الإنسان». وتطرقت «العربية» لتوقيف إرنست زاندل، ناكر الهولوكست الذي حوكم بتهمة «نشر أخبار كاذبة تؤذي المصلحة العامة»، كما زعمت توقيف أستاذ علم النفس المثير للجدل، جوردن بيترسون، قائلةً إنه جرى توقيفه لمهاجمته «الصوابية السياسية» (political correctness)، علماً بأنه لم يجرِ توقيف بيترسون قط.
لكنّ «أغرب» ما جرى حتى الآن خلال هذه الأزمة، كان تغريدة نشرتها مجموعة سعودية على «تويتر» لرسمٍ يظهر طائرة تابعة لشركة طيران كندا، تتجه نحو أطول مبنى في تورنتو، في تلميحٍ إلى أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. لكن المجموعة أزالت الصورة وقدمت اعتذاراً لاحقاً.


«لماذا أصبحت كندا ضدنا؟»
في مقالٍ له في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، قال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، «يبدو أن السعودية قد أخطأت بين كندا، عضو مجموعة السبع وحلف «شمال الأطلسي» والحليف المميز للدول الأوروبية، وبين دولة قطر المحاصرة منذ حزيران/ يونيو الماضي». رأى خاشقجي أن بيان السفارة الكندية استفزّ الرياض، لأن مسؤولين سعوديين رأوا فيه تحدياً للسيادة الوطنية. ودعا الكاتب السعودي الغرب إلى عدم غضّ النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في سوريا ومصر «حيث مئات الآلاف قتلوا أو سجنوا، شجع انتشار الحكم السلطوي في الدول التي لم يكن لديها قابلية كبرى على اتباع سياسات كهذه»، في إشارةٍ إلى السعودية.
في الوقت نفسه، قال خاشقجي إنه عوضاً عن الهجوم على كندا، «علينا أن نسأل لماذا أصبحت كندا المعروفة بالمحبة والسلام ضدنا؟»، مضيفاً أنه لا يمكن أن تقوم السعودية باعتقالات تعسفية وتتوقع من العالم أن يتجاهل ذلك.

دعم استقلال كيبيك!
أعلن ناشطون سعوديون دعمهم الكبير لـ«استقلال مقاطعة كيبيك» عن الحكومة الكندية، في محاولةٍ افتراضية لـ«الانتقام» من الدولة الغربية. تساءل مقال على موقع «إنترسبت» في هذا السياق: «من كان يعلم أن مملكة في الخليج الفارسي، مهتمة بحراك انفصالي يتحدث أعضاؤه اللغة الفرنسية، على بعد ستة آلاف أميال منها؟». وردّاً على هذه الدعوات السعودية المتنامية على مواقع التواصل، نصح الكاتب البريطاني مهدي حسن، الناشطين الكنديين بـ«الانتقام» عبر تقديم الدعم للمحافظة الشرقية ذات الغالبية الشيعية في السعودية، «الأمر الذي سيقود السعوديين إلى الجنون» برأيه.
رأى الكاتب أن ردّة الفعل المبالغ فيها من قبل السعودية على ما سمّته «تدخل فاضح لكندا في الشؤون السعودية الداخلية»، ليست في الحقيقة إلا لتشتيت الانتباه عن «التدخل الفاضح للسعودية في سوريا، لبنان، البحرين، العراق، ليبيا، مصر وطبعاً اليمن». كان بإمكان السعوديين، بحسب حسن، أن يتاجهلوا بيان كندا الذي أشعل الأزمة، لكن «السعوديين الذين يقودهم أمير مندفع وحساس حيال النقد، أثبتوا أنهم شخصياً أعداء أنفسهم»، موضحاً أنه «في ما يصرف خصوم السعودية من الإيرانيين والقطريين والأتراك أموالاً على الدعاية السلبية ضد المملكة، تنتج السعودية دعاية سلبية عن نفسها بنفسها».



القاهرة «متضامنة» أيضاً
موقف القاهرة من الأزمة جاء متسقاً مع مواقف دول مثل البحرين والإمارات وحتى السلطة الفلسطينية، التي أدان رئيسها، محمود عباس، «التدخل الكندي السافر» في الشؤون الداخلية للسعودية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أعرب، ليل أمس، عن تضامن بلاده مع السعودية. وقال في بيان: «مصر تتابع بقلق تطورات الأزمة بين المملكة العربية السعودية وكندا، وتعرب عن تضامنها مع المملكة ضد أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية». وأضاف أن القاهرة تعتبر هذه الأزمة «نتاجاً مباشراً للنهج السلبي الذي اتخذته بعض الأطراف الدولية والإقليمية مؤخراً بالتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة»، مطالباً بـ«ضرورة امتثال الجميع للأعراف والمواثيق الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول واحترام سيادتها». كما شدّد على «موقف مصر الثابت الداعم لاستقرار وسيادة الدول العربية وتضامنها مع المملكة العربية السعودية في موقفها الرافض لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية أو محاولة المساس بسيادتها».
أما لبنانياً، فعلّق رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري، على الأزمة، بالتأكيد «على التمسك بعدم تدخل الدول بالشأن الداخلي لدول أخرى»، من دون أن يسمّي السعودية.