بالنظر إلى ما كانت تغدقه الأوساط الإعلامية الغربية، حتى وقت قريب، على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من توصيفات «إصلاح» و«ريادة»، فإن الصدمة التي تعيشها تلك الأوساط نفسها على خلفية اختطاف الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، واحتمال تعرّضه للتصفية الجسدية، تبدو في غير مكانها تماماً. إذ إن وسائل الإعلام الغربية، وخصوصاً الأميركية نفسها، أبت، حتى بعد أن أطلق ابن سلمان حملتَيه الشهيرتَين ضد الدعاة والأكاديميين ورجال الأعمال والأمراء والوزراء السابقين (أيلول/ سبتمبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2017)، إلا أن تُسوّق للأمير الشاب على أنه «القائد المنتظر» الذي سُيخلّص السعودية من آفاتها. وهذا ما تجلّى واضحاً خلال زيارة ابن سلمان إلى الولايات المتحدة (آذار/ مارس 2018)، حيث تفوّق الإعلام الأميركي على نفسه في حجم التملّق الذي تعاطى به مع الزيارة. حتى أن ديفيد إغناتيوس، الكاتب الشهير في صحيفة «واشنطن بوست»، لم يتردّد في التسويق لنظرية ولي العهد عن «العلاج بالصدمة». «لكنني لم أكن أعرف أن صحيفته (يقصد إغناطيوس) تدعم استئصال الدماغ أيضاً». هذا ما علّق به أحد «كتّاب ميدل آيست آي» على حادثة اختطاف خاشقجي، في معرض انتقاده «أكاذيب العلاقات العامة المُموّلة بشكل جيد» من قِبَل السعودية. وهي أكاذيب لم تكن الـ«واشنطن بوست»، التي يُعدّ خاشقجي واحداً من كتاب الرأي فيها، إلا جزءاً لا يتجزّأ من مروِّجيها. وعلى رغم التضامن الواضح الذي أعلنته الصحيفة مع كاتبها المختطف، والذي شكّل الخروج بمساحة بيضاء مكان العمود المُخصّص لخاشقجي أبرز مظاهره، إلا أن الـ«واشنطن بوست» لم تذهب في نقدها ابن سلمان إلا إلى حدود دعوته إلى أن يثبت ما «بشّر» به من «رؤية لمجتمع سعودي أكثر حداثة، يكسر القوانين والممارسات الدينية القديمة، وينفتح على الترفيه والاستثمار الأجنبي».
لم تنزع «نيويورك تايمز» عن ولي العهد صفة «المُصلح»

أما صحيفة «نيويورك تايمز»، والتي كان لكاتبها توماس فريدمان حصّة الأسد من عمليات تلميع ابن سلمان، فلم تنزع عن ولي العهد صفة «المُصلح»، إنما ألحقت بها تعبير «المستبد»، بقولها في مقال افتتاحي بعنوان «جدوا جمال خاشقجي»: «ارفعوا أصواتكم عالياً حتى يسمعها الجميع، بمن في ذلك المصلح المستبدّ». وتوجّه فريدمان، من جهته، إلى ابن سلمان ووزير خارجيته عادل الجبير، بالقول: «عليكما أن تعثرا على صديقي جمال خاشقجي المفقود في القنصلية السعودية بإسطنبول وتطلقا سراحه. إذا كان مخطوفاً فهذا سيكون كارثياً لدبلوماسيتكم». دعوة يبدو معها وكأن الإعلام الغربي منتفض على «العمل الفظيع» الذي تعرّض له خاشقجي، لما يشكّله من خطورة على الصورة الزائفة التي رُسمت لابن سلمان، لا لدلالة الحادثة في ذاتها وفي سياق ما سبقها وما قد يعقبها. ومع ذلك، فإن محلّلين غربيين يرون أنه، في حال التأكد من موت خاشقجي، فإن «صورة ولي العهد الإصلاحي سيصبح استيعابها أكثر صعوبة، خصوصاً في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى».