قضية خاشقجي باتت عقبة ابن سلمان الثانية في طريق «رؤية 2030»
ولم تتعاون الرياض مع السلطات التركية بتسليمها تسجيلات الكاميرات الداخلية، منذ دخول خاشقجي إلى القنصلية، بالزعم أنها «تصور ولا تسجل»، كما قال أخيراً سفيرها لدى واشنطن، خالد بن سلمان، الأمر الذي لم يُقنع المسؤولين الأتراك أو الأميركيين، فيما أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أول من أمس، أن هذه الأنظمة «قادرة على التقاط أي عصفور يطير أو ذبابة تخرج من هناك». لكن في الوقت نفسه، ثمة تناقض في المطالبة التركية بتلك التسجيلات، أو مطالبة الرئيس أردوغان الرياض بـ«إثبات» قولها إن خاشقجي خرج من القنصلية سالماً، في ضوء تقارير تؤكد أن سلطات أنقرة أبلغت واشنطن أنها تمتلك «تسجيلات صوتية وفيديو»، تُظهر كيف جرى «استجواب وتعذيب» خاشقجي في قنصلية بلاده قبل «مقتله»، بحسب ما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، ما يثير الشكوك حول تلك التقارير، والغاية من وراء تسريبها، خصوصاً أن مسؤولين أتراكاً رفضوا تأكيد صحتها أو نفيها.
«رؤية 2030» تهتز
اقتصادياً، تتسع رقعة تداعيات القضية لتطاول طموحات ولي العهد، محمد بن سلمان «الإصلاحية»، رغم عدم اتخاذ الدول الغربية الحليفة أي إجراءات ضد الرياض، وتأكيد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه لا يريد وقف الاستثمارات السعودية في بلاده، وسط الجدل المثار حول كيفية وجوب التعاطي مع الرياض إذا ثبت تورطها باغتيال خاشقجي. لكن في المقابل، أعلنت مؤسسات ومستثمرون كبار وصحافيون، مقاطعة الرياض، ما ترك مشاريع كبرى عرضة للتعثر، كان يعول عليها ابن سلمان في تحقيق رؤيته الاقتصادية، كمشروع «نيوم»، المدينة الاقتصادية التي رصد لها نصف تريليون دولار، إذ قاطع كل من وزير الطاقة الأميركي السابق، إرنست مونيز، والمستثمران تيم براون، وسام ألتمان، أدوارهم الاستشارية فيه، ما يجعله على سكة مشاريع بناء مدن صناعية سابقة متعثرة، كمنطقة الملك عبد الله في الرياض، التي بدأ العمل بها في عام 2006، لكن محور بناء 73 مبنى لم ينته حتى الآن.
تبدو قضية جمال خاشقجي، أيضاً، عقبة ثانية في طريق ابن سلمان لجذب استثمارات أجنبية ومحلية، كأحد أهم أعمدة «رؤية 2030» التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، بعد حملة بدأها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ولم تنته حتى الآن، ضد أمراء ورجال أعمال وصحافيين، أثارت مخاوف لدى المستثمرين من دخول المملكة. إذ أعلنت عشرات الشركات والشخصيات المرموقة، أمس، مقاطعتها «مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض، المزمع أن يبدأ في الـ 23 هذا الشهر، ما يشكل ضربة كبيرة لـ«صندوق الاستثمارات العامة» (سيادي)، الذي يستضيف المؤتمر. ومن بين الشركات، شبكتا «سي أن بي سي» و«بلومبرغ»، اللتان لهما دور كبير في المؤتمر، وصحيفتا «فايننشال تايمز» و«نيويورك تايمز»، وكذلك مراسلون ومحررون من «ذي إيكونوميست»، رغم أن المؤتمر يعتمد كثيراً على صحافيين لإدارة جلساته الرئيسية، بالإضافة إلى مستثمرين كبار، كالملياردير ستيف كيس، والرئيس التنفيذي لشركة «أوبر»، دارا خسروشاهي. والضربة الثانية للصندوق السيادي، تمثلت بإعلان شركات ومستثمرين كبار آخرين، أمس، إلغاء تعاقداتهم مع السعودية، أو وقف محادثاتهم بشأن استثمارات أو مشروعات محتملة، ريثما يُكشَف عن خاشقجي، مثل شركة العلاقات العامة في واشنطن «هاربر غروب»، و«فيرجن غروب»، التي كانت تجري محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة، بشأن استثمارات مزمعة بقيمة مليار دولار.