في ردوده المتباينة على مقتل جمال خاشقجي، حرص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على تحييد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان «الشخص القويّ الذي يحبّ بلاده»، على الرغم من إعلانه تارةً أنّ الرواية التي قدّمتها المملكة بشأن ظروف مقتل الصحافي السعودي «جديرة بالثقة»، وتارةً أخرى أنه غير راضٍ عن رواية تنطوي على «خداعٍ وكذب».«من الواضح أنه حصل خداع وكذب» من جانب السعوديين، هذا كان آخر ما خلص إلى قوله الرئيس الأميركي، الذي علّق في حواره مع «واشنطن بوست» على تعدّد الروايات السعودية، بالقول: «هناك تخبّط في رواياتهم». لمنّه شدّد، في الوقت ذاته، على عدم وجود أيّ أدلة - حتى الآن - تدفع إلى توجيه اتهام مباشر لوليّ العهد السعودي في قضيّة مقتل خاشقجي، معرباً عن رغبته في ألّا يجري استبدال ابن سلمان، لأنه «حتى الآن هو الرجل الأقوى، وهو يحبّ وطنه حقا... ويمتلك قدرة جيّدة على السيطرة». وقال: «لم يقل لي أحد إنّه مسؤول عمّا جرى. كما لم يقل أحد إنه ليس مسؤولاً. لم نصل إلى هذا الحدّ»، مشيراً إلى «احتمال» أن يكون ولي العهد السعودي قد علم لاحقاً بما حدث. وتابع: «أودّ ألّا يكون (ولي العهد السعودي) مسؤولاً عمّا جرى. أعتقد أنه حليف مهمّ جداً بالنسبة إلينا، خصوصاً في ظلّ أنشطة إيران التخريبية حول العالم. إنّه يشكّل ثقلاً موازناً لها».
جاء ذلك بعد إعلانه أمس أنّه غير راضٍ عن المعلومات التي أدلت بها الرياض بشأن ظروف مقتل خاشقجي، مبدياً استعداده لفرض عقوبات على المملكة، بشرط ألّا تطاول مبيعات الأسلحة. وقال للصحافيين في مدينة إلكو في صحراء نيفادا (جنوب غرب): «يمكننا القيام بأمور أخرى، بما في ذلك فرض عقوبات». وأضاف أنّ البيان الذي أصدرته الرياض، فجر السبت، وأكّدت فيه مقتل خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول، «خطوة أولى مهمّة. إنها خطوة أولى جيّدة، ولكن أنا أريد الحصول على الإجابة».
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان راضياً عن قرار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إعفاء اثنين من كبار مساعدي ابن سلمان من منصبيهما، وإعلان النيابة العامة السعودية توقيف 18 مشتبهاً في تورّطهم بالجريمة، قال ترامب: «كلّا، لن أرضى إلّا عندما نحصل على الإجابة». وأضاف: «أمّا وقد قلت هذا، فنحن لدينا (عقود) بقيمة 450 مليار دولار، بينها 110 مليارات دولار لطلبيات عسكرية، من عتاد وأمور أخرى طلبتها السعودية». وتابع: «أعتقد أنّ هذه (العقود العسكرية) تمثّل أكثر من مليون فرصة عمل، وبالتالي ليس أمراً بنّاءً بالنسبة إلينا أن نلغي طلبية مماثلة». وشدّد الرئيس الأميركي على أنّ تعليق هذه العقود «سيضيرنا أكثر بكثير ممّا سيضيرهم».
وبرّر ترامب عدم رغبته في تعليق هذه العقود بالقول إنّه «بالنسبة إلى العتاد العسكري يمكنهم (السعوديين) أن يتوجّهوا إلى الصين، يمكنهم أن يتوجّهوا إلى روسيا. حتى وإن لم يكن لديهما عتاد جيد بقدر عتادنا. لا أحد لديه ذلك. يمكنهم شراء عتادهم من أماكن أخرى».
إلا أن ترامب كان قد اعتبر، بعد ساعات قليلة على تقديم الرياض روايتها، أن التفسيرات التي قدّمتها «جديرة بالثقة»، و«خطوة أولى مهمّة». وردّاً على صحافي سأله عمّا إذا كان يعتبر الرواية السعودية «جديرة بالثقة»، قال ترامب «أجل، أجل». وأضاف: «أقولها مجدّداً، الوقت ما زال مبكراً، نحن لم ننتهِ بعد من تقييمنا أو من التحقيق، ولكنني أعتقد أنّها خطوة أولى مهمّة».
وأتى تصريح ترامب بعيد إعلان البيت الأبيض أنّ الولايات المتحدة «حزينة» لتبلّغها بمقتل خاشقجي. وقالت المتحدّثة باسم الرئاسة الأميركية سارة ساندرز، في أول ردّ فعل أميركي على الإعلان السعودي: «نشعر بالحزن لتبلّغنا أنّ وفاة خاشقجي قد تأكّدت، ونتقدّم بأحرّ التعازي من أسرته وخطيبته وأصدقائه». وأضافت أنّ «الولايات المتحدة تأخذ علماً بإعلان المملكة العربية السعودية أنّ التحقيق بشأن مصير جمال خاشقجي يتقدّم وأنها اتّخذت إجراءات ضدّ المشتبه فيهم الذين جرى تحديدهم حتى الآن». وتابعت ساندرز: «سنواصل متابعة التحقيقات الدولية من كثب في هذا الحادث المأسوي، والمطالبة بإحقاق العدالة من دون تأخير وبشفافية وبما يتّفق مع كلّ الإجراءات القانونية الواجبة».

برلمانيّون غير مقتنعين
وإذا كانت الإدارة الأميركية قد اكتفت في ردّ فعلها على الإقرار السعودي بالتعبير عن حزنها لمقتل الصحافي وبتمسّكها بإحقاق العدالة في هذه القضية، فإنّ مواقف برلمانيين أميركيين اتّسمت بالكثير من الحدّة إزاء الرياض، وتعهّدوا بعدم ترك جريمة قتل خاشقجي تمرّ من دون عقاب. وبإمكان الكونغرس الأميركي أن يعلّق مبيعات الأسلحة إلى أي دولة وأن يفرض كذلك عقوبات عليها، لكن لا يمكنه القيام بأي خطوة على هذا الصعيد قبل انتخابات منتصف الولاية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لكون جلسات الكونغرس بمجلسيه معلّقة حتى ذلك الحين.
وشكّك السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي يُعَدّ من أبرز حلفاء ترامب في الرواية التي قدّمتها السعودية فجر السبت، بعد أسبوعين ونيّف من تمسّكها بمقولة أنّ الصحافي غادر قنصليتها بعيد دخوله إيّاها وأنّها لا تعلم شيئاً عن مصيره.
وكتب غراهام في تغريدة على موقع «تويتر»: «القول إنّني مشكّك في الرواية السعودية الجديدة حول خاشقجي لا يفي شعوري حقّه».
من جهته، قال بوب مينديز، أكبر عضو ديموقراطي في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنّه يتعيّن على الولايات المتحدة أن تفرض على السعوديين المتورّطين في مقتل خاشقجي عقوبات، بموجب قانون أميركي أطلق عليه اسم سيرغي ماغنيتسكي، المحاسب الروسي الذي كان ينشط في مكافحة الفساد وتوفي في الحجز. وقال مينديز إنّ «قانون غلوبال ماغنيتسكي ليس لديه استثناءات للحوادث. حتى لو توفّي خاشقجي بسبب مشاجرة، فهذا ليس عذراً لقتله».
وأضاف أن ما أعلنته السعودية، فجر السبت، من سرد للوقائع وإجراءات اتّخذتها، «أبعد ما يكون عن النهاية، ونحن بحاجة إلى مواصلة الضغط الدولي». أما النائب مايك كوفمان، الذي يواجه على غرار العديد من زملائه الجمهوريين انتخابات صعبة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، فقال إنّه يجب على الولايات المتحدة أن «تقف إلى جانب قيمنا وأن تطالب حلفاءنا باحترام حقوق الإنسان». وأضاف النائب عن ولاية كولورادو، وعضو لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب، أنّه يطالب ترامب بأن يستدعي على الفور القائم بأعمال السفير الأميركي لدى واشنطن، التي لم تعيّن حتى الآن سفيراً أصيلاً في المملكة.
واعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب كوركر (جمهوري)، أنّ ابن سلمان مسؤول عن مقتل خاشقجي، وأن السعوديين فقدوا كل صدقية في تفسيراتهم لموته. وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، قال: «أعتقد، بحسب التقارير الاستخبارية التي قرأتها، أنّ ابن سلمان وراء مقتل خاشقجي، ويجب أن يكون هناك عقاب جماعي»، مضيفاً: «لا نصدّق الرواية السعودية حول خاشقجي، ولا أعتقد أن أحداً يثق بها». ورأى أنّ ولي العهد السعودي ارتكب أخطاءً منذ توليه منصبه، تتضمّن «حصار قطر واعتقال سعد الحريري، وقد تجاوز الحدّ بمقتل خاشقجي».
من جهته، رأى السناتور الجمهوري، راند بول، في حديث إلى «فوكس نيوز»، أنّه «لا يمكن إرسال 15 شخصاً إلى تركيا لقتل معارض دون موافقة ولي العهد السعودي»، واصفاً الرواية السعودية بـ«المهينة».


«نيويورك تايمز»: جيش إلكتروني سعودي لمواجهة المنتقدين
أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس، بأن السعودية نشرت جيشاً على الإنترنت لمواجهة الصحافي جمال خاشقجي وغيره من منتقدي المملكة على «تويتر».
وأضافت الصحيفة أن جهود الهجوم على خاشقجي وغيره من السعوديين ذوي التأثير، وتأليب الرأي العام عليهم، عبر خدمة «تويتر»، شملت تشكيل ما يُطلق عليه تعبير «لجنة إلكترونية» مقرّها الرياض، بالتعاون مع من يُشتبه بأنه جاسوس داخل شركة «تويتر» جنّدته المملكة لمراقبة حسابات المستخدمين.
ورفضت «تويتر» التعليق على هذا التقرير، ولم يرد ممثل للسفارة السعودية في واشنطن على طلب للتعليق. وذكرت صحيفة «تايمز» أن ناشطين سعوديين دشنوا، في عام 2010، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمضايقة المنتقدين للسعودية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وسعوديين قولهم إن سعود القحطاني، وهو أحد مستشاري ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو من وضع استراتيجية هذه الحملة.
والقحطاني هو أحد خمسة مسؤولين أعفاهم الملك محمد بن سلمان، بعد الجدل الذي أثير بشأن قضية خاشقجي.