تفاصيل جديدة سرّبتها أنقرة في شأن جريمة اغتيال جمال خاشقجي، رداً على الرواية السعودية التي خلصت إلى تبرئة ولي العهد محمد بن سلمان من دمّ الصحافي المقتول، وإلقاء اللوم على «فريق التفاوض» الذي تصّرف من تلقاء نفسه، ومن دون سابق تصميم.وكشفت صحيفة «حرييت» التركيّة عن وجود تسجيل صوتي ثانٍ لدى أنقرة، يناقض نتائج التحقيقات التي أعلنتها النيابة العامة السعودية يوم أمس، في جريمة قتل خاشقجي. ويظهر التسجيل، وفق كاتب الافتتاحية البارز عبد القادر سيلفي المقرب من السلطة، أنّه لم تحصل أيّ محاولة تفاوض مع خاشقجي لإقناعه بالعودة إلى السعودية، كما أنّه لم يتعرّض للحقن بإبرة مخدّر «أدّت إلى وفاته» بجرعة زائدة، وإنّما خنق أو شنق بواسطة «حبلٍ أو كيس بلاستيكي».
والتسجيل الصوتي، بحسب سيلفي، مدته 15 دقيقة تمّ تسجيله قبل الجريمة، ولا يترك أيّ مجال للشكّ حول الطابع المتعمّد للجريمة. وفي هذا التسجيل «يمكن سماع الفريق السعودي يتباحث في طريقة إعدام خاشقجي، ويستعرض الخطة التي أعدّها مسبقاً ويذكّر كل فرد من الفريق بدوره». وقال الصحافي التركي إنّه «تمّ جمع أدلة أيضاً بعد الجريمة، على شكل اتصالات هاتفية إلى الخارج أجراها الفريق السعودي».
إلى جانب أنقرة التي رفضت نتائج التحقيقات السعودية، اقتصرت عاصفة الردود على وسائل الإعلام العالميّة، إذ قالت «نيويورك تايمز» في مقال موقّع باسم هيئة التحرير بعنوان «السعودية ما بعد خاشقجي»، إنّ واشنطن قد تلجأ إلى المطالبة باستبدال محمد بن سلمان، بأمير آخر «أقلّ تهوراً وخطراً». وانتقدت الرواية السعودية الأخيرة حول الواقعة، معتبرةً أنّه لن يتمّ الوصول إلى الحقيقة أبداً «إذا أعدمت السعودية الشهود الرئيسيين». وشكّكت بـ«فكرة صعود عناصر أمنية (سعودية) بينها خبير في الطبّ الشرعي إلى طائرة متّجهة نحو إسطنبول لإقناع خاشقجي بأسلوب ليّن بالعودة إلى السعودية». ورأت أنّ «ما تغيّر (بعد مقتل خاشقجي) هو أنّ الاغتيال والمحاولات البائسة للتستّر على الواقعة، تركت الإمبراطور (ولي العهد) مجرداً من أيّ ثوب». في السياق ذاته، ندّدت «واشنطن بوست» بالرواية السعودية التي قالت إنها «صادمة بوقاحتها»، و«مليئة بالتناقضات»، وهي «مثال آخر على سلوك ابن سلمان المتغطرس والمتعجرف». ورأت في مقال لهيئة التحرير أن إدارة دونالد ترامب تؤازر السعودية في التستّر على الجريمة، داعيةً إلى إجراء تحقيق دولي مستقلّ بقيادة الأمم المتحدة. كذلك، أشارت إلى أن النائب العام السعودي لم يعفِ ابن سلمان من المسؤولية فحسب، بل أعفى أيضاً اثنين من كبار مساعديه، في إشارة إلى أحمد عسيري وسعود القحطاني. واعتبرت أن النظام السعودي يتحدّى بصفاقة كل من طالب بالشفافية التامة والمحاسبة بمن فيهم أعضاء بارزون في الكونغرس الأميركي.
في هذا الوقت، أعلن السناتور الديموقراطي، بوب مينينديز، عن إعداد مشروع قانون جديد لفرض سلسلة من العقوبات على السعودية، بما فيها وقف بيع الأسلحة إلى الرياض، وذلك على خلفية جريمة خاشقجي. ورأى أنّ قرار الإدارة الأميركية فرض عقوبات على 17 سعودياً على خلفية الجريمة «غير كاف». لكن مينينديز نفسه كان قد صوّت يوم أمس ضدّ مشروع قانون كان يهدف إلى وقف بيع الأسلحة إلى البحرين على خلفية مشاركتها في العدوان على اليمن، مبرراً قراره بالقول إن «استعدادها لاستضافة قواتنا البحرية يضع البحرين في مواجهة خطر أكبر لهجمات من جانب إيران والجماعات الإرهابية التي تسعى إلى إلحاق الأذى بالولايات المتحدة».
ويتضمن مشروع القانون وقف جميع مبيعات الأسلحة التي تم التعهّد بها للسعودية، وتشمل الذخائر والقنابل، والصواريخ، والطائرات الحربية، والدبابات، والمركبات المسلحة. كما يطالب بفرض عقوبات إجباريّة على جميع الأشخاص المسؤولين عن جريمة مقتل خاشقجي، وإعداد تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية وتقديمه للكونغرس.
كذلك، جدّد السناتور الجمهوري بوب كوركر، دعوته الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات إضافية على السعودية، معتبراً أنّ العقوبات التي فرضتها «الخزانة» على 17 سعودياً لدورهم في جريمة خاشقجي خطوة «مهمة»، لكنّها «غير كافية». وأضاف: «في الوقت الحالي لديّ الكثير من المخاوف في شأن مسار السعودية، وأعتقد أنه يجب أن تدفع الثمن».


وتعليقاً على الرواية السعودية الأخيرة، قالت الحكومة الألمانية إنه لا يزال هناك الكثير من «الأسئلة المفتوحة والإجابات المفقودة» في مقتل خاشقجي. وأضافت في بيان: «حتى بعد التصريحات الأخيرة من الرياض، لا تزال الحكومة الألمانية بحاجة في شكل كبير إلى توضيحات متعلّقة بقضية الصحافي المقتول جمال خاشقجي». ونقل البيان عن ناطق باسم وزارة الخارجية قوله: «هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها، وهذه المخاوف (من الطرف الألماني) تتعلّق بتسلسل الأحداث وخلفيات الواقعة». كما شدّد البيان على أنّ الرواية السعودية لم تحدّد حتى الآن من تقع عليهم «المسؤولية النهائية».