بعد حوالى شهر ونصف شهر على انسحاب قطر من «منظمة الدول المصدّرة للنفط» (أوبك) بهدف تركيز جهودها على تطوير قطاع الغاز، أعلنت السعودية نيتها مدّ شبكة غاز إقليمية مع كلّ من الإمارات وسلطنة عمان، وفق ما كشف عنه وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، يوم أمس. إعلان يُعدّ مؤشراً جديداً إلى منافسة مرتقبة بين «الأشقاء» في هذا القطاع، خصوصاً في ظلّ اعتزام المملكة «تطوير موارد الغاز لديها لتلبية الاحتياجات المحلية، مع احتمال التصدير في المستقبل»، بحسب تصريحات الفالح.وفي أعقاب إعلانه، الأربعاء الماضي، ارتفاع احتياطيات الغاز لدى بلاده بمقدار 17 تريليون قدم مكعّبة، لتبلغ قرابة 320 تريليوناً، أكد وزير الطاقة السعودي، أمس، خلال مشاركته في قمة «مستقبل الاستدامة» في أبو ظبي، أن شركة «آرامكو» (عملاق النفط السعودي) اكتشفت المزيد من موارد الغاز في المملكة، لافتاً إلى أنها ستعكف على تطوير احتياطيات الغاز غير التقليدي في شرق حقل الغوار، واعداً بأن تتحوّل السعودية إلى مصدّر للغاز، في موعد قدّره مصدر في قطاع الطاقة لوكالة «رويترز» بحلول العام 2030. وأضاف الفالح أن الرياض تجري محادثات مع أبو ظبي ومسقط، بهدف مدّ شبكة غاز بين الدول الثلاث، على أن تشمل لاحقاً الكويت والبحرين، وفق ما بيّن وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي. وأوضح المزروعي، في تصريحات على هامش المناسبة نفسها، أن «مدّ شبكة الغاز الخليجية سيعزّز أمن الطاقة في دول الخليج، إضافة إلى أنه سيوفر مصدراً دائماً وآمناً لنقل وتوزيع الغاز»، متوقعاً «الانتهاء من الدراسة قريباً، على أن يتم مدّ شبكة الغاز بعد الاتفاق على تفاصيل المشروع والمدى الزمني».
تريد واشنطن من الدوحة تحدّي هيمنة الغاز الروسي على أوروبا


المشروع السعودي، الذي يشمل في مرحلة أولية الدولتين الخليجيتين اللتين تُعدّ قطر أكبر مورّد للغاز الطبيعي المسال إليهما (الإمارات وسلطنة عمان)، يبدو استكمالاً لمسار بدأته الرياض منذ زمن، يستهدف منازعة الدوحة على عنصر تفوقها الرئيس، أي الغاز. وهو مسار ليست الإمارات بعيدة منه؛ إذ على رغم استمرارها في استيراد الغاز من قطر عقب اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران/ يونيو 2014، إلا أنها لم توقف محاولاتها البحث عن بدائل، بما فيها الغاز اليمني الذي تسيطر القوات الإماراتية على منشآته الرئيسة في المحافظات الجنوبية. ولعلّ تنبّه الدوحة إلى تلك المزاحمة المحتملة هو واحد من الأسباب التي دفعتها إلى حسم قرارها الانسحاب من «أوبك» بهدف «اتباع نهج خاص بها في أسواق الغاز العالمية، وتعزيز موقعها كدولة كبرى في مجال تصدير الغاز»، وفق ما يرى محلّلون. والجدير ذكره، هنا، أن قطر أعلنت، في نيسان/ أبريل 2017، نيتها رفع إنتاجها من الغاز الطبيعي بنسبة 43%، إلى حدود 110 ملايين طنّ سنوياً.
وبالنظر إلى تجارب سعودية سابقة باءت بالفشل، على رأسها «مبادرة الغاز السعودية» التي أُطلقت في نهاية التسعينيات، فإن محاولة المملكة المتجددة تطوير احتياطياتها من الغاز إلى الحدّ الذي يمكنها من خلاله منافسة جارتها «المتمردة» لا يبدو مضموناً، خصوصاً أن بعض الاحتياطيات السعودية تتطلّب طرق استخراج متقدمة مشابهة لتلك المستخدمة في قطاع الغاز الصخري، وذلك خلافاً للاحتياطيات القطرية التي تُعدّ كلفة استخراجها من الأرخص على مستوى العالم. يُضاف إلى ذلك أن الغاز القطري لا يزال، في قيمته الاستراتيجية، متفوقاً على ما عداه. تقدير يتأكد مجدداً مع إعلان الولايات المتحدة رغبتها في أن تتحدّى قطر هيمنة الغاز الروسي المتزايدة على أوروبا. إذ كشف نائب وزير الطاقة الأميركي، دان بروليت، أن بلاده تتباحث مع القطريين في إمكانية أن يتولوا تصدير الغاز الطبيعي إلى ألمانيا ودول أخرى، تعتمد بنسبة كبيرة من صادراتها على الغاز الروسي. وأشار بروليت إلى أنه تناقش مع نظيره القطري، سعد الكعبي، في هذا الشأن، لافتاً إلى أن «القطريين مهتمون كثيراً بمدّ الأسواق الأوروبية بالغاز الطبيعي»، مستدركاً بأن «الأمر مرتبط كثيراً بمشاوراتنا مع آخرين حول نورد ستريم 2». والمقصود بـ«نورد ستريم 2» خط أنابيب سيزيد اعتماد ألمانيا وأوروبا على الغاز الروسي، لكن الولايات المتحدة تضع رهانها على أن الاستثمارات القطرية المنتظرة في مرفأ الغاز الطبيعي المسال «جولدن باس» في تكساس، وفي منشآت التصدير الأميركية الأخرى، والتي يتوقع أن لا تقلّ عن 20 مليون دولار في السنوات القليلة المقبلة، «ستسمح لنا بإيصال الغاز الطبيعي إلى أوروبا» وفقاً لبروليت، الذي أقرّ بأن كلفة نقل الغاز المسال أكبر من كلفة الغاز المنقول عبر خطوط أنابيب. وحول الخلاف بين الكويت والسعودية على المنطقة النفطية المشتركة، لفت الوزير الأميركي إلى «أنهم حققوا بعض التقدم... ويقتربون من حلّ المسألة».