يتجه الكونغرس الأميركي نحو تصعيد ضغوطه على إدارة الرئيس دونالد ترامب، من أجل دفعها إلى اتخاذ موقف حاسم حيال قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، في الثاني من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وهي ضغوط بقدر ما تحرج إدارة ترامب، بقدر ما تمثّل عرقلة إضافية لمساعي المملكة إلى الانعتاق من المأزق الذي دفعتها إليه حادثة القنصلية. يوم أمس، حاول وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، مجدداً، تبييض صفحة ولي العهد محمد بن سلمان، المتهم الرئيس في القضية. إذ قال، عقب يوم من لقائه نظيره الأميركي مايك بومبيو، «(إننا) نعرف أنها عملية جرت بدون إذن. لم يصدر أمر للقيام بهذه العملية. نعلم أنها عملية خرجت عن مسارها». وكرّر الجبير الحديث عن «أن القضاء السعودي ملتزم بمحاسبة المتورطين»، معتبراً أن «محاولة الربط بين ولي العهد وقضية خاشقجي لا أساس لها»، مشدداً على أن «القيادة السعودية خط أحمر». ورفض الوزير السعودي التعليق على تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ذكر أن ابن سلمان أبلغ أحد مساعديه، قبيل عام من مقتل خاشقجي، أنه سيستخدم «رصاصة» ضد الصحافي السعودي إذا لم يعد إلى الوطن ويتوقف عن انتقاد السلطات. وانتقد الجبير «كلّ من يعتقد أنه يستطيع أن يملي علينا ما ينبغي أن يفعله قادتنا»، مدرجاً تحرّكات الكونغرس في ما يرتبط باغتيال خاشقجي في إطار «اللعبة السياسية»، وداعياً الهيئة التشريعية الأميركية إلى «أخذ خطوة إلى الوراء والنظر إلى العلاقة» بين البلدين.
دعوة لا يبدو أنها ستلقى آذاناً صاغية لدى مجلسَي الشيوخ والنواب، في ظلّ تحمّس تيار واسع من المشرّعين لإعادة النظر في العلاقات مع المملكة، وتحديداً رأسها المتمثل في ابن سلمان. في هذا الإطار، وقبيل يوم من انتهاء المهلة التي منحها الكونغرس لترامب لتقرير ما إذا كان ولي العهد متورطاً في مقتل خاشقجي (120 يوماً بدءاً من تشرين الأول)، تقدّم مشرّعون جمهوريون وديموقراطيون بمشروع قانون يفرض عقوبات على المسؤولين عن اغتيال الصحافي السعودي، ويمنع بعض مبيعات الأسلحة للرياض. وتوقّع أحد طارحي المشروع، السيناتور الجمهوري المقرّب من ترامب، ليندزي غراهام، «دعماً قوياً من الحزبين لعقوبات صارمة»، معتبراً في بيان أنه «على الرغم من أن السعودية حليف استراتيجي، فإن سلوك ولي العهد يعكس عدم احترام للعلاقة، ويجعله شديد الضرر». ورأى أكبر عضو ديموقراطي في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، من جهته، أنه «نظراً إلى أن إدارة ترامب ليس لديها على ما يبدو نية للإصرار على المحاسبة الكاملة لقتلة خاشقجي، فقد حان الوقت للكونغرس للتحرك، وفرض عواقب فعلية، لإعادة تقويم علاقتنا مع المملكة، ومع التحالف الذي تقوده في اليمن».
كالامارد: السعودية عقدت جلسة محاكمة ثانية للمتهمين بعيداً عن الإعلام


لكن، على الرغم من تلك الضغوط، إلا أن إدارة ترامب لم ترسل إشارة إلى استعدادها للرضوخ لمطالب المشرّعين، حتى إنها لمحت إلى أنها لا تقيم وزناً للمهلة التي منحت لها قبل أشهر. إذ نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، مساء أمس، عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن الإدارة ترفض الالتزام بتلك المهلة، وإن «ترامب يحتفظ بحقه في رفض الالتزام بطلبات لجان الكونغرس عندما يرى ذلك مناسباً». وذكّر المسؤول بأن «الولايات المتحدة كانت أول دولة تتخذ إجراءات كبيرة، بما في ذلك إجراءات التأشيرات والعقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي، ضد المسؤولين عن هذا العمل الشنيع». وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، قد أشار إلى تلك الإجراءات نفسها، مضيفاً «(إننا) سنواصل التشاور مع الكونغرس والعمل على محاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي».
وتمثّل عودة ضغوط الكونغرس فرصة ثمينة لتركيا لإعادة تزخيم القضية التي بدا، خلال الأسابيع الماضية، أنها خمدت على نحو كبير. ودعا وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس، إلى فتح تحقيق أممي رسمي في قضية خاشقجي، معلناً «(أننا) سنتقدم بطلب مشترك مع بعض الدول» في هذا الشأن. وأشار جاويش أوغلو إلى أن «هناك تنبؤات وادعاءات عديدة حول الجهة التي أعطت أمر القتل، لكننا لم نتلقّ جواباً واضحاً من الجانب السعودي حول صحة تلك الأنباء حتى الآن»، في تشكيك مبطن في الحديث السعودي عن براءة ابن سلمان. وأضاف إنه «في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن أخذ الأمم المتحدة زمام المبادرة سيكون الطريق الأكثر صواباً، وخاصة مع توافق المعلومات التي قدّمها التقرير الأممي مع الأدلة التي توصلت إليها السلطات التركية». وكانت المسؤولة الأممية المكلّفة من قِبَل مجلس حقوق الإنسان بالتحقيق في حادثة القنصلية، أغنيس كالامارد، قد أعلنت، أول من أمس عقب زيارتها تركيا، توصّلها إلى أن اغتيال خاشقجي «جريمة متعمّدة خطّط لها ونفّذها مسؤولون في الدولة السعودية»، قبل أن تكشف أمس أن السعودية عقدت جلسة محاكمة ثانية للمتهمين، إنما «في هدوء تام، وبعيداً عن الإعلام».