"الإخوان" البحرينيون تنظيم متماسك قديم، له ذراع أم أو رئيس: ديني خيري يسمى "الإصلاح"، وآخر سياسي يحمل اسم "المنبر الإسلامي"، فضلاً عن أذرع أخرى شبابية ونسائية، مدعومة من القطاع البنكي النافذ في البلاد. وحين صدر بيان، في 13 أيلول/سبتمبر الجاري، من قبل 17 جمعية سياسية ومدنية ما زالت تنشط بحذر في البحرين، مندّداً بالتطبيع مع "العدو الصهيوني"، لم تكن جماعة "الإخوان المسلمين" البحرينية ضمن الموقّعين. صيغ البيان بطريقة تتفادى الصدام مع القصر. وأهم ما تفاداه: التنديد بدولة الإمارات العربية المتحدة، السبّاقة في موجة التطبيع الحالية، ولم تكن المنامة إلا صدى لها، وللرياض التي تقبع في قلب الصيحة الخليجية الجديدة من تبادل السفراء مع المحتلين.
لم يكن قصد مُصدري البيان، من تجنّب إدانة أبو ظبي، جذب النسخة البحرينية من "الإخوان المسلمين"، الذين يظهر أن الإمارات تعاديهم، مثلهم مثل أي إخوانيين آخرين في المنطقة، مهما بلغت درجة موالاة "الإخوان" للنظام الحليف لأبو ظبي. الموقّعون يدركون أن الإشارة، من قريب أو بعيد، إلى الإمارة، التي تعدّ بمثابة أب روحي للمنامة المتظبينة، سيُواجه بإجراء عنيف من قبل حكومة البحرين، ضد الـ 17 تنظيماً سياسياً ونقابياً، قريبين من المزاج المعارض. وسيجد القضاة الرسميون المسيّرون مواد في قانون العقوبات، المناقض لحقوق الانسان، لإدانة الموقّعين، تماماً كما أدين الزعيم الوطني إبراهيم شريف، في 2019، لتنديده بالرئيس السوداني المطاح به عمر البشير، فاتهم بإهانة رئيس دولة أجنبية!
بيان الـ 17 معبّر عن طيف وطني واسع، وقد تحاشى ذكر الإمارات، لكن "الإخوان" لم ينضموا إلى حفلة التوقيع. هذا، و"الإخوان" كانوا قد خسروا مقعدين وزاريين في مجلس الوزراء، نهاية 2014، بضغط من أبو ظبي، على الرغم من الدور الذي لعبته وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة السابقة فاطمة البلوشي، وزميلها في التنظيم الإخواني صلاح علي، الذي شغل منصب ما يسمّى وزير حقوق الانسان بين 2012-2014، في تشويه الحركة المعارضة، وتبربر الفتك بها، في 2011، وما تلاها من سنوات القمع الممتدة.
يعزّ أن تجد في التاريخ الوطني المليء بالتضحيات انحيازاً إخوانياً للمطالب السياسية الحقة


البعيدُ عن المشهد البحريني سيفترض أن امتناع "الإخوان" والسلفيين عن الانضمام إلى البيان المندد بالقرار الأحادي للقصر بمد جسور مع الصهاينة، سيُثير غضباً بين المهتمين والقطاعات الشعبية التي تتابع عن كثب قضية فلسطين، وسط مناخ محبط، حيث الهرولة نحو الكيان تقض مضاجع عموم الرأي العام العربي والمسلم، والبحرين في مقدمته، كما تُظهر الوقائع، وكما يبرز في توقيع أكثر من 140 رجل دين بحرينياً بياناً يندد بشدة بإقامة علاقة مع المحتلين للمقدسات. الحقيقة أن ارتياحاً ساد أوساط العديد من السياسيين، لأن "الإخوان"، حتى تلك اللحظة، وإن لم ينددوا بالتطبيع، فإنهم لم يرحّبوا به، ذلك أنه يندر أن يتّخذ "الإخوان" موقفاً معارضاً للسلطة في القضايا الجوهرية، وينطبق ذلك على الفترة التي سُمّيت إصلاحية، بين 2001-2010، حين امتنع "الإخوان"، عموماً، عن دعم المطالب بتعزيز صلاحيات المؤسسة التشريعية.
كما يعزّ أن تجد في التاريخ الوطني المليء بالتضحيات انحيازاً إخوانياً للمطالب السياسية الحقة. وقد وقف التيار الإسلامي السنّي الأكثر تنظيماً في البلاد ضد مطالبات "هيئة الاتحاد الوطني" في خمسينيات القرن الماضي، والتي قادها القوميون والمحافظون الشيعة والسنّة، كما وقفوا بالضد من الحركة الدستورية في التسعينيات. مع ذلك، فقد كان مؤملاً أن يكون موقف "الإخوان" من القضية الفلسطينية أكثر أصالة ونبلاً ومبدئية، بالنظر الى أن مسألة فلسطين طالما كانت في قلب الخطاب الإخواني البحريني، الذي كان يعوض عن غياب دعواته إلى الإصلاح السياسي بالتركيز على قضية الأقصى، وقضايا المسلمين: أفغانستان في الثمانينيات، البوسنة في التسعينيات مثلاً.
الصدمةُ حدثت حين أصدرت تنظيمات إسلامية: "الإخوان"، ومعهم السلفية الواقعون في مسايرة الحكومة، وتنظيم صغير آخر يدعى "تجمّع الوحدة الوطنية"، بياناً، بعد ساعات من بيان الـ 17 تنظيماً، لا يكتفي (البيان الإخواني) بعدم التنديد بالتطبيع، بل يشيد بالحكومة، ويعتبر أن من حقها المضيّ في خيار إقامة علاقات مع المحتلين الصهاينة.
في هذا المشهد المشوّش ربما، يجدر التنبه إلى أنه طالما اجتهدت السلطة لإحداث شقاق سنّي شيعي في مختلف القضايا، بما في ذلك قضية كوفيد 19، حيث المرض ليس له هوية، إلا في المنامة، فإنه إيراني وجعفري في خطاب الحكومة وأجهزتها الإعلامية. الشقاق الوطني يراد إبرازه وتضخيمه حتى في قضية فلسطين، التي طالما اعتقدنا أنها تمثل إجماعاً وطنياً. ونكتشف اليوم أن هذا الإجماع لم يختبر، وما نحاول جميعنا عدم الإقرار به، تفضحه البيانات البحرينية المتناقضة، التي تخدش وحدة الرأي العام الافتراضية، وتزج بقضية فلسطين في الصراع المحلي والإقليمي المقيت.
ما يريد القصر قوله: إن الحكومة مع التطبيع. السنّة معها. الشيعة ضد التطبيع. والحق أن الرأي العام السنّي والشيعي عموماً ضد إسرائيل والتطبيع، ومع الحق الفلسطيني، لكن بيان "الإخوان" البائس يدعم التصور الذي يريد القصر إثباته. المؤسف أن قضية فلسطين صارت مادة للنزاع السياسي، بحرينياً وعربياً، ومرة جديدة يختار "إخوان" البحرين مساراً خاطئاً، سيسجّله التاريخ وصمة عار بحقهم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا