في برقيتين منفصلتين، الأولى بتاريخ 1 تشرين الثاني 2018 والثانية في العاشر من الشهر نفسه، يرفع وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إلى رئيسه عبدالله بن زايد برقيتين أعدّهما مدير مكتبه علي مطر المناعي عن تفاعلات أزمة خاشقجي استناداً إلى مصادر السفارة الإماراتية في الرياض، ويرد فيهما الآتي:
برقية 1/11/2018
أزمة خاشقجي تكشف تجاوزات وليّ العهد السعودي في إدارة المملكة
بعد الأوامر الملكية الأخيرة احتفظ الأمير محمد بن سلمان بجميع مناصبه؛ ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلسَي الشؤون الأمنية والسياسية، والشؤون الاقتصادية. تمّ اتخاذ قرارات سيادية تضبط عمل مؤسسات الدولة، بعد الاعتراف بأن السبب الأساسي وراء الأزمة التي ولّدها قتل خاشقجي هو تغوّل رجال ولي العهد (رموز الدولة الموازية) في مؤسسات الدولة، وتجاوز الأنظمة والقوانين والقضاء، واللجوء إلى الأوامر الشفهية وأوامر «الوتساب» (مثل أمر القنصل في إسطنبول للحضور إلى القنصلية وهو في إجازة من أجل لقاء خاشقجي دون أن يعلم أيّ شيء عما يُرتب له)، وهذا الأمر كان مثار قلق جدّي من الملك سلمان، ولذلك سعت كثير من قراراته الأخيرة لمعالجة تداعيات ما حدث، لتحدّ بطريقة مباشرة وغير مباشرة من صلاحيات ولي العهد المطلقة، والتي لم تعد كما كانت قبل الثاني من أكتوبر 2018.
وهكذا، وبعد مرور أكثر من 7 سنوات، تضمّن أهم الأوامر السيادية التي صدرت في 27 ديسمبر 2018 إعادة "ديوان مجلس الوزراء»، وجاء في الأمر الملكي أن ذلك لضمان تطوير أجهزة الدولة بما يحقق مزيداً من الجودة في الأداء والسرعة في الإنجاز. والقرار موجّه بالأساس إلى تقليص صلاحيات ولي العهد باعتباره كان بالفعل رئيساً للديوان الملكي. وبعد إعفاء خالد التويجري في يناير 2015، ورث غالبية صلاحياته المستشار سعود القحطاني، وزاد عليها، الأمر الذي أوصل المملكة إلى حادثة الثاني من أكتوبر 2018، والتي لم تعد الأوضاع في البلد كما كانت قبلها.
وفي مؤشر مهم يحمل دلالات، هو غياب الوزير السبهان عن لقاء رئيس مجلس النواب العراقي مع وزير الخارجية السابق عادل الجبير في وزارة الخارجية، وكذلك إحالة أحد أبرز مساعدي السبهان، وهو المستشار عبد العزيز الربدي، للتقاعد برغم التمديد لزملائه الآخرين. وقد تشير هذه الأحداث إلى العودة للعمل المؤسّسي، وربما انتهاء مرحلة كان يتعمّد فيها الوزير السبهان تجاهل القواعد في التراتبية، والتصرف وكأنه وزير خارجية خاص لولي العهد والتحدث باسمه وباسم المملكة، من دون التنسيق أو الرجوع إلى وزير الخارجية.
■ ■ ■

برقية 10/11/2018
حول انعكاسات مقتل خاشقجي على الأسرة المالكة
1 - موقف الأمراء والأميرات: سيطر الصمت على مواقف أغلب أفراد الأسرة المالكة من مقتل خاشقجي، وراحوا يتابعون تداعيات الحدث وتقييم انعكاساته الداخلية وردود الفعل التركية والدولية.
ويمكن تقسيم مواقف الأمراء والأميرات المؤثرين إلى ثلاثة أقسام: قسم الشامتين والمغتبطين دون حدود (وهم الغالبية)، خاصة من الأمراء الذين اتُّهموا بالفساد، وحُقّق معهم في فندق «الريتز» واستُردت منهم أموال اعتبرها ولي العهد منهوبة واعتبروها مسلوبة بدون قرار قضائي. أما القسم الثاني فهم المغتبطون بما جرى مع شعورهم بالخوف من تداعيات القضية التي قد تعصف بالبلد أو بمؤسسة الحكم، فيفقدون كل شيء، وهذا القسم أكثر عقلانية من القسم الأول، وأبعد عن العواطف والانتقام. أما القسم الثالث فهم الذين يفضلون بقاء الوضع القائم على ما هو عليه، بما يعني تفضيل نجاح الرواية السعودية، وإخماد ملف القضية، وعودة الأمور كما كانت قبلها. ويرى هذا التيار أنه لا يوجد خيار أمام العائلة المالكة في الوقت الراهن إلا الوقوف خلف الملك وولي العهد، مهما كانت الخلفيات والأسباب في قضية خاشقجي.
2 - انعكاسات قضية خاشقجي على وضع الأمراء الشخصي. أثّرت قضية خاشقجي في أوضاع بعض الأمراء السعوديين كالتالي:
تعزيز الدور السياسي للأمير خالد الفيصل: فقد قدّمت الأزمة للأمير خالد الفيصل فرصة سياسية، حيث إنه وبحكم علاقته الوثيقة السابقة مع خاشقجي لعب دوراً أساسياً في إطفاء التوتر مع تركيا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى، ونجح جزئياً في نقل القضية من مسار التصادم التركي السعودي إلى التعاون الأمني، وقد نجم عن لقاء خالد الفيصل بالرئيس التركي، الاتفاق على تشكيل لجنة التحقيق المشتركة. ومن جهة أخرى، استفاد الأمير خالد الفيصل من أزمة خاشقجي وشفع مباشرة لدى الملك سلمان لابن اخته الهارب الأمير خالد بن سعود بن خالد، الذي وصل إلى الرياض منتصف أكتوبر الماضي.
3 - تولّي الأمير تركي الفيصل دور التواصل مع عائلة خاشقجي: فلم يُخف الأمير تركي الفيصل صدمته بفقدان صديق وعميل قديم، كما اعترف أن الملك سلمان استعان به للتواصل مع أبناء خاشقجي وزوجته السابقة في الولايات المتحدة الأميركية.
4- الأمير الوليد بن طلال ودفاعه عن «تقدّمية» محمد بن سلمان: رغم متانة العلاقة ومصلحيّتها مع جمال خاشقجي، فإن الأمير الوليد أظهر شخصيته البراغماتية في التفاعل مع الحادثة. فقد غرّد الأمير للمرة الأولى منذ اختفاء خاشقجي في 14 أكتوبر 2018 لكنه تجاهل التعليق على حادثته، واكتفى بالدفاع عن المملكة في ظل الهجمة الشرسة التي بدأت تتعرّض لها. وبعد شهر ويومين من الحادثة (وبتنسيق مع ولي العهد)، تحدّث الأمير الوليد لمحطة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية مساء 4 نوفمبر (...) ودافع بقوة عن ولي العهد ووصفه بـ«الأمير التقدّمي».