أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على الملأ، أنها أخذت علماً بضلوع وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، في جريمة اغتيال جمال خاشقجي، ولكنّها لن تُقدِم على خطوات من شأنها تعكير صفو العلاقات بين الحليفتَين الاستراتيجيتَين. ويُعدُّ قرار البيت الأبيض نشرَ خلاصات تقييم الاستخبارات الأميركية لـ»واقعة القنصلية»، مفصليّاً لناحية التعامل مع قضيّةٍ اختارت الإدارة السابقة تجاوزها، ولكنه يبقى دون مستوى تعهّدات بـ»محاسبة المسؤولين» التي شاعت كثيراً في خضمّ حملة بايدن الانتخابية. فجُلّ ما يَشغل هذا الأخير، ليس الانقلاب على نهجٍ كان سائداً في ما مضى، بل التظاهر أمام جمهور الداخل بإعلاء شأن قيم الليبرالية الأميركية من جهة، ومن جهة أخرى إفهام ابن سلمان أن قضية خاشقجي ستبقى سيفاً مصلتاً، طالما رأت الإدارة ذلك مناسباً. توجُّه عزّزته إشارة الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إلى احتفاظ الولايات المتحدة بحقّ فرض عقوبات على الأمير السعودي «في الوقت والمكان اللذين نختارهما»، مدّعيةً أن تاريخ بلادها يخلو عادةً من معاقبة قادة الدول التي «نقيم معها علاقات دبلوماسيّة». في ضوء ما تقدَّم، يصبح التقييم الجاري للعلاقات الأميركية - السعودية بمثابة ملهاة جديدة، ريثما تنجلي أولويات إدارة بايدن في المنطقة.
أكّد «البنتاغون» أن السعودية «حليف استراتيجي لنا... وعلاقاتنا العسكرية ستبقى قوية»

مع ذلك، يتّضح أن العلاقات تشهد انقلاباً، منذ قرار بايدن إحداث تحوّلات في نهج الإدارة السابقة. ولم يكن إعلانه وقف دعم التحالف السعودي - الإماراتي في حربه على اليمن، ورفعه «أنصار الله» من القائمة الأميركية للإرهاب، إلّا جزءاً في سياق هذه التحوّلات. واستناداً إلى موقفها من حرب اليمن، أوقفت واشنطن صفقَتي سلاح مع الرياض، على أن يتمّ «تقييم مبيعات السلاح الأميركية إلى المملكة على أساس كلّ حالة على حدة»، وفق الناطق باسم الخارجية، نيد برايس، الذي أقرّ بأن إدارته تهدف إلى التوصُّل لشراكة مسؤولة مع حليفتها. وفي هذا الإطار، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي «أوضح لمساعديه أن علاقاتنا مع السعودية لن تكون كما كانت أيّام الإدارة السابقة»، إذ ستقوم على «عدم الصمت عن الانتهاكات»، في موازاة الاكتفاء راهناً بـ»استهداف الشبكة المسؤولة عن مقتل خاشقجي بالعقوبات»، باعتبارها «أفضل وسيلة لمنع تكرار ذلك». ولمّا تعذّر اتخاذ واشنطن أيّ خطوة إضافية ضدّ الرياض، أكّد «البنتاغون» على لسان الناطق باسمه، جون كيربي، تعليقاً على تقرير خاشقجي، أن السعودية «حليف استراتيجي لنا... وعلاقاتنا العسكرية معها قوية وستبقى قوية». ولكن أنييس كالامار، مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة عن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، والتي تقود تحقيقاً أمميّاً في الجريمة التي وقعت خريف عام 2018، اعتبرت أن «من الخطير للغاية» أن تُعلِن الولايات المتحدة أن ولي العهد السعودي أقرّ عمليّة للقبض على خاشقجي أو قتله، من دون أن تتحرك ضدّه. وكرّرت دعوتها إلى فرض عقوبات تستهدف أصول ابن سلمان وتعاملاته الدولية، مشيرةً إلى أن ما رُفعت عنه السرّية «يبدو محدوداً للغاية، وهذا مخيّب للآمال»، وإلى أنها كانت تتوقّع نشر المزيد من الأدلّة المادية. وقالت: «إنها إشكاليّة كبيرة من وجهة نظري، بل خطيرة، أن تقرّ بمسؤولية شخص ثم تقول لهذا الشخص: لكنّنا لن نفعل شيئاً، تفضّل وامضِ قُدُماً، وكأنّنا لم نقل شيئاً»، فيما علّق ناشر صحيفة «واشنطن بوست»، فرد ريان، قائلاً: «يبدو أنه في ظلّ إدارة بايدن سيُمنح الطغاة الذين يقدّمون قيمة استراتيجية موقّتة للولايات المتحدة، تصريحاً لارتكاب جريمة قتل واحدة مجانيّة».
ما سبق يبيّن بوضوح أن بايدن لا يزال يتحسّس خطاه؛ وعلى رغم رغبته في تحجيم ابن سلمان وإضفاء طابع رسمي على العلاقات بين البلدين، إلّا أنه يدرك أن الولايات المتحدة «لا تستطيع تحمُّل قطيعة مع أقدم حلفائها في المنطقة». من هنا، فإن «شراكتنا مع السعودية تمرّ بعملية إعادة تعديل وليس بقطيعة»، وفق برايس الذي شدّد على أن «ما يحدث هو إعادة نظر في العلاقة مع السعودية وليس تصدُّعاً في هذه العلاقات. السعودية دولة أساسية في المنطقة، والخيارات التي تتّخذها الرياض تكون لها تأثيرات كبيرة في المنطقة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا