في عُمق قلق أبو ظبي على سلامة نظام الحُكم، تأتي السعودية كتهديد حقيقي. فلم يكن عبثاً جنوح وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى محاولة التحكّم بسلوك نظيره السعودي، محمد بن سلمان، المندفع والقليل التجربة، بعدما ساهم بنفسه في رفعه إلى مرتبة الحاكم الفعلي للمملكة، قبل أن يفطن الأخير إلى مكائد جاره، فيُخرج الخلافات المتراكمة معه إلى العلن دفعة واحدة، بعد سنوات من التحالف المصطنع، الذي أمْلته لحظة اضطراب إقليمي كانت تفرض مثل هذا التلاقي، حمايةً لهما معاً. والتهديد السعودي لنظام الإمارات يصبح أبلغ أثراً عندما يحصل تقارب بين المملكة وبين سلطنة عمان، التي يَنظر إليها حكّام أبو ظبي بوصفها خطراً استراتيجياً بالتأسيس، يمسّ الوجود. فالإمارات «المسلوخة» عن الساحل العماني، هي دولة ذات وظيفة لا تنفصل عن كينونتها، وتتّسع يوماً بعد يوم، وتتّضح خطورتها أيضاً يوماً بعد يوم، منذ أن كانت منصّة للمصالح البريطانية أيّامَ صيد اللؤلؤ وتجارة التوابل، ثمّ قاعدة عسكرية أميركية بعد طفرات النفط، وما استدعته من مغامرات كثيرة بينها حروب الخليج، والتدخّلات العسكرية المستمرّة حتى اليوم في بعض ميادين ما سُمّي «الربيع العربي»، إلى أن أصبحت أخيراً مركزاً للتجسّس العالمي لـ«الموساد» الإسرائيلي. لكن الخليج هو الخليج؛ له طريقته الخاصة في العداوة والتنافس والتآمر والكيْد، كما في الصداقة والودّ والتحالف والتقاطع. فبين كلّ دولتَين متجاورتَين في الخليج أسباب لا تُحصى للتعاون، ومثلها للخلاف، والظروف وحدها هي التي تحدّد متى يكون التحالف، ومتى يكون الخلاف، ودائماً غريزة بقاء النظام هي الحاكمة.ما حدث أخيراً من تقارب بين السعودية وسلطنة عمان قد يُعتبر أخطر تهديد للإمارات، في دورها السياسي والاقتصادي المعزَّز بكونها حاجة للمملكة. فأنْ تُيمّم الأخيرة وجهها الآن شطر السلطنة، يعني حُكماً، في عقل أبناء زايد، الإقلاع عن بلدهم كخيار. فالتاريخ كلّه يقف بين «الدولة» وبين «السلطنة» اللتين كانتا أرضاً واحدة، تحمل اسم «ساحل عمان». والاسم وحده يكفي للدلالة على عراقة المؤسّسة السلطانية في عمان التي تعود جذورها إلى منتصف القرن الثامن عشر، مقابل رعونة المؤسسة الرئاسية في الإمارات التي تتكوّن من إمارات متناحرة - متصالحة توحّدت في عام 1971 تحت راية زايد، المنقلب على أخيه شخبوط، بدعم بريطاني. وهي حكاية صراع قديم على الأرض والولاء، تَستخدم فيها الإمارات قوّتها المالية ودورها الوظيفي، فيما تضع فيها عُمان عراقتها وموقعها الاستراتيجي، الذي تبني عليه سياسة «الحياد الإيجابي» في كلّ الصراعات المحيطة بها، بما يمكّنها من لعب دور الوسيط الفعّال، وإن كانت تُؤخذ عليها اتّصالاتها بإسرائيل، والتي تنضبط هي الأخرى على إيقاع عُماني خاص، لا يتشبّه لا بالإيقاع السريع للتطبيع الإماراتي والبحريني، ولا بالهندسات السياسية السعودية المفصّلة على قياس تطبيع ما زال غير قابل للصرف في أسواق السياسة والتحالفات، التي يراد منها تعزيز موقع الوافد الجديد إلى مؤسسة الحُكم السعودية، في زمن المراحل الانتقالية الصعبة، في هذه المنطقة المنكوبة بصراعات لا تنتهي.
وعلى الضفّة الأخرى من الجزيرة العربية، المطلّة على البحر الأحمر، صراع كامن آخر لا يقلّ خطورة بين السعودية ومصر على مخزونات الغاز. صراعٌ مفتوح على قوى أخرى من زاوية القلق من أن استخدام الرياض إمكاناتها لاستخراج الغاز ومن ثمّ التلاعب بأسعاره وأسواقه العالمية، كدأْب المملكة في أسواق النفط، قد يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالغ بمصالح قوى عالمية كبرى، ربّما لن ترضى بأقلّ من إسقاط النظام السعودي ثمناً لمثل هذا التلاعب. وتجد الإمارات في ذلك الصراع باباً واسعاً لممارسة هوايتها المفضّلة في تحريض البلدَين أحدهما على الآخر، ومن ثمّ لعب دور «شيخ الصلح» بينهما.
أنْ تُيمّم السعودية وجهها شطر عُمان يعني حُكماً، في عقل أبناء زايد، الإقلاع عن بلدهم كخيار


في ما يلي، تَنشر «الأخبار»، ضمن سلسلة «الإمارات ليكس»، وثائق سرّية تتضمّن دراستَين ووثائق إطْلاع صادرة كلّها عن جهات رسمية إماراتية. تَعتبر الدراسة الأولى التي أعدّتها جهة تابعة لوزارة الخارجية الإماراتية، والمُوجَّهة إلى ابن زايد، أن الطريق البرّي الذي جرى تدشينه بين السعودية وسلطنة عمان أخيراً، يفتح آفاق التنسيق العماني - السعودي بعيداً عن الإمارات، كما ويشكّل بديلاً لعمان من الإمارات في حال حصول توتّر بين أبو ظبي ومسقط، ويكرّس عمان وجهة سياحية للسعوديين، وربّما يؤدي إلى تراجع أهمية ميناء جبل علي لمصلحة ميناء الدقم العماني، وتقليل الاعتماد على الحدود البرّية السعودية - الإماراتية. كذلك، يعزّز هذا الطريق مكانة عمان في لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران، ويزخّم المساعي السعودية لاحتواء السلطنة تجنّباً لحدوث شرخ خليجي يَنتج منه حلفان: يضمّ الأول عمان والكويت وقطر؛ والثاني الإمارات والسعودية والبحرين. ومن بين أهداف الطريق عند البدء بإنشائه في عام 2019، كان تعويض نقص الصادرات السعودية جرّاء «حصار» قطر، وتعزيز التعاون الأمني السعودي - العماني. أمّا التوصيات الإماراتية للردّ على ذلك التطوّر، فتشمل التقرّب من عمان، والتوقّف عن مهاجمتها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وزيادة الاستثمارات الإماراتية فيها، وتعزيز التواصل معها، تزامناً مع تحسين العلاقة مع السعودية وتوسيع الخدمات الموجّهة إليها، عبر زيادة حركة المسافرين ونقل البضائع، وتعزيز نقاط الحدود البرّية، وتطوير ميناء الفجيرة، وإتمام مشروع القطار السريع الذي يربط البلدين، بأمل إنجازه في عام الجاري.
الدراسة الثانية التي تتناول غاز البحر الأحمر، تشير إلى أن هناك خلافاً مصرياً - سعودياً كامناً حول التعامل مع مخزونات البحر الأحمر، على رغم ترسيم الحدود البحرية بينهما، وتتحدّث عن تقديرات استخباراتية مفادها أنه إذا أدّى مُضيّ السعودية قُدُماً في مشروع استخراج الغاز من البحر الأحمر، إلى زيادة المعروض الغازي، وأثّر على الاتفاقيات بين الدول المنتِجة والمصدّرة للغاز، فقد ينجم عن ذلك تبنّي هذه الدول سياسات تهدف إلى إسقاط نظام الحكم في المملكة. وتضع الدراسة الإماراتية إشكالية أمام استفادة السعودية من غاز البحر الأحمر، إذ يمكن أن يتسبّب ذلك بوضْع المخزونات السعودية – المصرية – الأردنية، في مواجهة مخزونات إيران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، مع ما يعنيه هذا من إمكانية إعادة إحياء المشروع الإيراني لمدّ أنابيب غاز إلى السوق الأوروبية عبر المتوسّط. وتتمحور التوصيات الإماراتية (لتمريرها إلى السعودية)، إزاء ما تَقدّم، حول وجود فرصة لإنشاء مدينة خاصة بأعمال أبحاث وتطوير لصناعات الطاقة في مدينة نيوم، مع إمكانية إبرام شراكات في المستقبل مع شركات وجامعات إسرائيلية. كما تستبطن التوصيات تحريضاً للسعودية على مصر - على أن تلعب الإمارات دور الموازِن بينهما - خُلاصته حمْل شركة «أرامكو» (إنما بِنِيّة التعطيل والعرقلة) على القيام بأعمال الحفر في المناطق التي أعلنت عنها الحكومة المصرية، والضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإنهاء دور القضاء في ملفّ ترسيم الحدود البحرية، وأيضاً إبقاء التواصل الإماراتي مع مصر في أعلى درجاته، لتَخلُص التوصيات إلى أن توازن القوى في البحر الأحمر، مصلحة إماراتية.


الدراسة الأولى: الطريق البري العُماني ــ السعودي
تُظهر دراسة أعدّتها جهة تابعة لوزارة الخارجية الإماراتية وموجّهة إلى ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في نيسان 2019، قلقاً من مشروع طريق «بطحاء – شيبة – أم الزمول»، المنفذ الحدودي لسلطنة عُمان مع المملكة العربية السعودية. وكان مقرراً أن يتمّ إنجاز هذا الطريق بالكامل في نهاية 2019 وهو يربط السعودية وعُمان برّاً، ويمرّ بمنطقة الربع الخالي السعودية، بطول إجمالي يبلغ 564 كيلومتراً، بكلفة تجاوزت المليار ونصف المليار ريال سعودي (أكثر من 420 مليون دولار أميركي).
وقد انطلق العمل بالمشروع في أجواء الأزمة بين قطر من جهة، ودول الخليج الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر من جهة أخرى. وجاء في إطار تعويض الرياض عن الخسائر التجارية الناجمة عن محاصرة الدوحة، إضافة إلى البحث عن متنفّس سياحي لها، والأهمّ العمل لاحتواء عُمان ضمن المنظومة الخليجية التي تقودها الرياض. في حين تبحث مسقط عن توظيفات استثمارية سعودية تدعم اقتصادها.
وعلى رغم التأخير في إنجاز المشروع بسبب طبيعة الأراضي التي يمرّ بها الطريق في الجانب السعودي، وفق تبريرات الرياض التي حرصت، كما يبدو، حينها، على عدم إثارة حساسية دولة الإمارات وتوجساتها من المشروع، تم إنجاز القسم الأكبر من الطريق وفتحه أمام حركة السير.
تلخّص الدراسة الإماراتية المكاسب الاقتصادية لكل من السعودية وعُمان من هذا الطريق البري، ومخاوف الإمارات من انعكاسات المشروع على مصالحها.

جاء مشروع الطريق البري في إطار تعويض السعودية عن الخسائر التجارية الناجمة عن محاصرة قطر (أ ف ب )

1- المكاسب الاقتصادية السعودية والعمانية من المشروع، وتتمثّل وفق المنظور الإماراتي بالآتي:
أ- تكريس عُمان وجهة سياحية للسعوديين.
ب- خفض كلفة شحن الواردات والصادرات بين البلدين، وخفض كلفة النقل، وتنمية الاستثمار والتبادل التجاري بينهما.
ج- تستفيد عُمان من الصناعات البتروكيميائية السعودية ومواد البناء للانتهاء من ميناء الدقم العُماني، كما تستفيد السعودية من بيع هذه المنتجات لجار قريب.
د- تعويض نقص الصادرات السعودية الذي حصل جرّاء مقاطعة قطر، بزيادة الصادرات إلى عُمان.
هـ- زيادة الاستثمارات السعودية في قطاعات عدة في عُمان، مثل الطاقة والتعدين والسياحة ومصائد الأسماك، والاستفادة من موقع البلدين الجغرافي في إطار بناء شبكة لوجستية أوسع للنقل.
و- استفادة السعودية من ميناء الدقم العماني والطريق البري بين البلدين لدعم قدراتها في الاستيراد والتصدير عبر موانئها على البحر الأحمر.
2- المخاوف الإماراتية: تورد الدراسة مكامن القلق لقيادة أبو ظبي من الربط البري بين السعودية وعُمان، من خلال النظر إليه على أنه مؤشّر إلى «رغبة البلدين في إعادة تعريض العلاقات بينهما» وفق الآتي:
أ- فتح باب للتنسيق والحوار العماني – السعودي بعيداً عن الإمارات.
ب- تنويع المنافذ البرية لعمان لتجنّب أي أزمة اقتصادية في حال حدوث توتّر سياسي مستقبلاً مع الإمارات.
ج- تعزيز مكانة عمان في لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران مستقبلاً، بموازاة سعي السعودية إلى تعديل موقف عُمان القائم على الحيادة الإيجابي حيال إيران، بما يجعل موقفها أقرب إلى السعودية.
د- سعي السعودية إلى احتواء عُمان تجنّباً لحدوث شرخ خليجي ينتج عنه حلفان: حلف عمان والكويت وقطر، وحلف الإمارات والسعودية والبحرين.
هـ- فتح باب لتعزيز التعاون الأمني بين الدولتين.
و- من الوارد أن يؤثّر الطريق البري العُماني – السعودي على الطريق الذي يربط الإمارات بالسعودية.
ز- من الوارد أن يؤدي افتتاح الخطّ البري التجاري المباشر بين عُمان والسعودية إلى تراجع أهمية ميناء جبل علي في دبي وتقليل الاعتماد على الحدود البرية السعودية - الإماراتية.
ح- قد يفتح هذا المشروع أمام السعودية وعمان آفاق الحوار والتعاون دون الحاجة للرجوع إلى دولة الإمارات.
إزاء هذه المخاوف جميعاً، توصي الدراسة الإماراتية بالخطوات الاستيعابية التالية:
1- الابتعاد عن مهاجمة عُمان في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
2- زيادة الاستثمارات الاقتصادية الإماراتية في عمان.
3- تعزيز التواصل مع عمان بما «يرسّخ التوازن الإقليمي للإمارات».
4- تطوير ميناء الفجيرة وزيادة الخدمات على طريق «الطريف» المؤدّي إلى السعودية، وتوزيع منفذ «الغويفات» لتسهيل استيعاب أكبر عدد من المسافرين والشاحنات التجارية.
5- إتمام مشروع القطار السريع الذي يربط السعودية بالإمارات، على أمل إنجازه في العام 2021 الجاري.

الدراسة الثانية: كيف تنظر السعودية إلى فرصها في استثمارات الطاقة في البحر الأحمر؟
في ربيع 2019، كانت الإمارات العربية المتحدة ترصد اهتماماً من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية بتقدير مخزونات حقول الغاز على سواحل البحر الأحمر، في أعقاب إعلان وكالة الدراسات الجيولوجية الأميركية 2009 وجود مخزونات من الطاقة في حوض البحر الأحمر. وتساءلت دراسة أعدّتها جهة بحثية تابعة للخارجية الإماراتية عن المشتري المفضّل الذي يُفترض أن يحدّده صانع القرار السعودي لما قد ينتجه: هل هي السوق الداخلية، أو السوق الآسيوية، أو أسواق الأردن أو مصر أو إسرائيل، أو السوق الأفريقية، لكي يبني على ذلك مسار خطط تنمية البنية التحتية لمناطق غرب المملكة؟
تشير الدراسة المعنونة: «كيف تنظر السعودية لفرصها في استثمارات الطاقة في البحث الأحمر؟» إلى خلاف مصري – سعودي كامن حول التعامل مع مخزونات البحر الأحمر على رغم ترسيم الحدود البحرية بينهما، وجاء في هذا الصدد حرفياً:
«سياسياً، لا تغيب شبهة اعتزم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تبنّي سياسة الأمر الواقع مع المملكة، والمضي قدماً في مشاريع الغاز، إثر الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية، وقبل إقرار الاتفاقية المؤسسة لكيان البحر الأحمر. وتتزامن تصريحات الطرفين مع عدم خروج اجتماع مسؤولي الدول المشاطئة لحوض البحر الأحمر في القاهرة بنتائج معلنة، أو موعد لقاء جديد في ظلّ شبه اعتراض مصري على الرؤية السعودية لمشروع الكيان الإقليمي، وسعي القاهرة لتوظيف الكيان كورقة ضغط على إثيوبيا (الدولة غير العضو) ولدعم نفوذها في شرق أفريقيا».
تضيف الدراسة الإماراتية: «ومن شان شروع الجانب المصري في أعمال إنتاج موسعة، قبل إقرار الكيان المؤسسي لدول البحر الأحمر، أن ينتج حالة من التنافس على الطاقة في حوض البحر الأحمر مماثلة لحالة شرق المتوسط. وقد يشجع سلوك القاهرة كلاً من الخرطوم (بدعم صيني، على رغم عدم استقرار الأوضاع في السودان حتى الآن) وجيبوتي (بدعم صيني وفرنسي) وشمال الصومال (بدعم إماراتي) وأسمرا (بدعم إثيوبي وإماراتي وإسرائيلي)، على تطوير إنتاجها، وتحويل الحوض إلى منطقة صراع تستنزف موارد ونفوذ المملكة في حال لم تستعد له منذ الآن».
قد يؤدي افتتاح الخط البري التجاري المباشر بين عُمان والسعودية إلى تراجع أهمية جبل علي في دبي


وتشير الدراسة إلى «عسكرة مجال الطاقة وبروز لاعبين غير تقليديين من خارج الإقليم»، وتنقل عن «تقديرات سعودية» أن اقتصادات الطاقة وخدماتها في البحر الأحمر «قد تشتمل على لاعبين جدد من خارج الإقليم، حيث تضم المنطقة قواعد عسكرية لدول غير مطلّة على البحر الأحمر (تركيا والإمارات)، إلى جانب الوجود الإيراني غير التقليدي على السواحل اليمنية، وقواعد قوى دولية صاعدة (الصين) وقد تلحقها (ماليزيا) مستقبلاً، بجانب الوجود التقليدي للدول الغربية (أميركا وفرنسا)، واستمرار الاستحواذ الإماراتي على مرافق موانئ مطلة على البحر الأحمر، ما قد يجعل المملكة خارج المنافسة، ما لم تتبنّ سياسة التمدد العسكري في الإقليم وسياسة الاستثمار الموسع في البنى التحتية لبلدان الساحل».
وفي ملاحظة لا تخلو من دلالة، أشارت الدراسة إلى أن «أية مخاطرة بالمضي قدماً في استخراج غاز البحر الأحمر بغرض التصدير قد تمثّل عواقب سياسية غير مأمونة النتائج على المملكة، في حال تأثّرت الاتفاقيات القائمة بين الدول المنتجة والمستوردة للغاز بدخول معروض سعودي جديد للخارج، وفي ظل عدم وجود سعر عالمي موحد للغاز. كما ستتأثّر اقتصادات عواصم مؤثرة وتكتلات شركات عالمية كبرى بتلك الزيادة. وحسب تقديرات استخبارية متشائمة، فقد تتّجه هذه القوى لدعم وتبني سياسة لزعزعة وإسقاط نظام الحكم في المملكة، مثلما حدث مع الرئيس المصري المخلوع (محمد مرسي) عند مناقشته ترسيم الحدود المصرية مع قبرص التركية، بشكل هدّد - وقتها - المصالح الإسرائيلية واليونانية، ومشاريع شركات «بي بي» و«شل»، و«موبيل»، بشكل مباشر».
وتمضي الدراسة الإماراتية بالقول: «وهناك حالة من شبه التشبّع لأسواق الغاز والطاقة في مصر والأردن وإسرائيل، والتي تسدّ احتياجاتها من غاز المتوسط في الوقت الحالي، وعلى امتداد العشر سنوات المقبلة، وبالتالي فإن الدخول لتقديم عرض مغر لأي من تلك الدول، قد يثير توتراً في ترتيبات تم الاتفاق عليها».
وتضع الدراسة إشكالية أخرى أمام استفادة السعودية من ثروات البحر الأحمر، من خلال وضعها أمام المحور السياسي المقابل: «وتمثل مخزونات الطاقة في منطقة البحر الأحمر رأس مال جيو ـ سياسي لبلدان الاعتدال العربي (السعودية ومصر والاردن)، في مقابل مخزونات الطاقة لدى إيران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي قد يؤدي أي تحرك متعجل لاستخدام تلك المخزونات، قبل ضمان احتواء بغداد ودمشق وبيروت في الاصطفاف العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إلى إعادة إحياء مخططات مد الغاز الإيراني إلى السوق الأوروبية، واستدامة النفوذ الإيراني على شمال المنطقة العربية باعتراف غربي اقتصادي وسياسي، وإعادة المناخ السايسي الإيجابي بين طهران والغرب لمدة أطول».
وتضاف إلى ذلك كلّه صعوبات تتّصل بالبنى التحتية، إذ تنسب الدراسة الإماراتية إلى خبراء طاقة سعوديين قولهم إن «منطقة شرقي المتوسط تتميّز عن منطقة البحر الأحمر بوجود وفرة في إمكانيات البنية التحتية، وتنوع في شبكات النقل والخدمات وعدد كبير للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتعاقد معها الشركات الكبرى من الباطن، ما يجعل الأولوية الحالية على خرائط استثمار الطاقة لمنطقة شرقي المتوسط وليس لمنطقة البحر الأحمر».
وتقدم الدراسة توصيات مثيرة للاهتمام في التعامل مع ملف الطاقة في البحر الأحمر إلى صانع القرار السعودي، وتشير إلى علاقة محتملة يمكن نسجها بين السعودية وإسرائيل في مجال النفط، إذ ورد فيها ما يلي:
«تقع منطقة (نيوم) في موقع استراتيجي يطل على المناطق الشمالية لحقول الطاقة على البحر الأحمر وقد تربط المدينة انتاج الغاز السعودي بشبكة المستهلكين في الأردن ومصر وإسرائيل في المستقبل عبر البحر، إذا ما أراد صانع القرار اقتسام حقوله في منطقة البحر الأحمر بين حقول شمالية وحقول جنوبية مرتبطة بالسوق الآسيوية والسوق الأفريقية في المستقبل، أو السوق الداخلية. وتظهر فرصة لإنشاء مدينة خاصة بأعمال الأبحاث والتطوير لصناعات الطاقة في (نيوم) تتولى توطين وتطوير تكنولوجيات التنقيب والحفر والتخزين والنقل، والتي قد تستفيد من امتياز حرية الحركة داخل (نيوم) بين المملكة والأردن ومصر، وقد تبرم شراكات في المستقبل مع شركات وجامعات إسرائيلية».

يصبح التهديد السعودي لنظام الإمارات أبلغ أثراً عندما يحصل تقارب بين المملكة وبين سلطنة عُمان (أ ف ب )

كما تتضمّن التوصيات تحريضاً للسعودية على مصر وصولاً إلى اقتراح ممارسة الضغط على الأخيرة سياسياً واقتصادياً، بموازاة استمرار قيادة الإمارات في لعب دور المُوازن بينهما. جاء في هذه التوصيات ما نصه:
1- «يمكن لصانع القرار السعودي أن يعرض على القاهرة تولي شركة أرامكو أعمال حفر واستخراج الغاز في المناطق التي أعلنت عنها الحكومة المصرية في البحر الأحمر، مقابل تمرير الصيغة السعودية لمشروع كيان البلدان المشاطئة لحوض البحر الأحمر (المتعثر سياسياً). ويمكن لأرامكو أن تعطل المحادثات لاحقاً أو تطيل أمدها، بدعوى دراسات الجدوى ونواقص البنية التحتية، أو أن تتحكم في عملية الإنتاج ضمن إطار تفاهمات إنتاج مستقبلي مشترك تبرمها مع (شل، وبي بي، وإكسون موبيل) المنغمسين في أنشطة الاستخراج بشرق المتوسط، بشكل يمنع تضرر تلك الشركات، ويديم العلاقة الاستراتيجية لها معهم».
2- «يوصى صانع القرار السعودي بالضغط على الرئيس السيسي بكل ما هو متاح من أدوات سياسية أو اقتصادية سعودية لإنهاء دور الجهات القضائية في ملف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والذي ما زالت تنظره بعض المحاكم الفرعية، وقد تستخدمه جهات قضائية ضد الرئيس السيسي، في حال أي أزمة داخلية، أو قد تلوح به أي حكومة مقبلة في مصر تأتي بعد الرئيس السيسي. ولذا فإن أي تطور سياسي في القاهرة بخصوص النظام الحالي سيعيد التفكير في عدم استيراد الغاز أو تصديره وتوجيهه للاستخدام المحلي، وقد تجد القاهرة في العوار الدستوري لاتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة الفرصة لمناقشة ذلك الأمر».
كما توصي الدراسة بإظهار حرص المملكة على سدّ احتياجات الأردن لضمان عدم توجهه لاستيراد الغاز العراقي أو الإيراني، ويمكن الإقدام في أولى خطوات تحقيق ذلك من خلال توجيه الاهتمام السعودي نحو ميناء العقبة ومحطة الغاز به.
أما الاستفادة المتوقعة لدولة الإمارات من توزيع هذه الأدوار، وفي قلبها دور السعودية، فتلخّصه توصيات رديفة موجّهة إلى صانع القرار الإماراتي، وتنصّ على الآتي:
«من مصلحة دولة الإمارات إبقاء حالة توازن قوى في منطقة البحر الأحمر تحفظ لدولة الإمارات مصالحها العليا من دون تغوّل أيّ قوّة قد تترك تأثيراً سلبياً على محفظة المصالح الاستراتيجية الإماراتية المتنوعة في الإقليم»، ولذا يوصى في هذا الشأن بـ:
1- إبقاء التواصل الإماراتي مع الجانب المصري في أعلى درجاته في ما يتعلق بملف الطاقة في البحر الأحمر، في سبيل تقوية موقف الإمارات في ملف استراتيجي في المنطقة، خصوصاً وأنها لا تطل على البحر الأحمر، وفي سبيل تعزيز حالة التوازن بين اللاعبين الأساسيين في هذا الملف.
2- التواصل الإماراتي مع الجانب الأردني بخصوص الاستثمارات في مدينة العقبة، ودراسة التوجه نحو الشراكة مع الأردن في تقدير احتياجاته من الطاقة، وتحسين «أوراق» الإمارات في هذا الملف.